الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب العنين وغيره ( وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما إذا طلبت المرأة ذلك ) [ ص: 298 ] هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود ، ولأن الحق ثابت لها في الوطء ، ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة ، ويحتمل لآفة أصلية فلا بد من مدة معرفة ذلك ، وقدرناها بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة .

[ ص: 297 ]

التالي السابق


[ ص: 297 ] باب العنين وغيره )

لما ذكر أحكام الأصحاء المتعلقة بالنكاح والطلاق أعقبها بذكر أحكام تتعلق بهما ممن به مرض له نسبة إلى النكاح ، والعنين من لا يقدر على إتيان النساء مع قيام الآلة ، من عن إذا حبس في العنة وهي حظيرة الإبل ، أو من عن إذا عرض لأن ذكره يعن يمينا وشمالا ولا يقصده لاسترخائه ، وجمع العنين عنن ، ويقال عنين بين التعنن ولا يقال بين العنة ، ولو كان يصل إلى الثيب لا البكر لضعف الآلة أو إلى بعض النساء دون بعض أو لسحر أو لكبر سن فهو عنين بالنسبة إلى من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها .

وما عن الهندواني يؤتى بطست فيه ماء بارد فيجلس فيه العنين ، فإن نقص ذكره وانزوى علم أنه لا عنة به وإلا علم أنه عنين ، لو اعتبر علم فلا يؤجل سنة لأن التأجيل ليس إلا ليعرف أنه عنين على ما قالوا وإلا فلا فائدة فيه إن أجل مع ذلك لكن التأجيل لا بد منه لأنه حكمه .

وفي المحيط : آلته قصيرة لا يمكن إدخالها إلى داخل الفرج لا حق لها في المطالبة بالتفريق انتهى . ولو كان صغيرا جدا كالزر فحكمه كالمجبوب ( قوله أجله الحاكم سنة ) أي من وقت الخصومة ، ولا يعتبر تأجيل [ ص: 298 ] غير الحاكم كائنا من كان ، ولو عزل بعدما أجله بنى المتولي على التأجيل الأول ( قوله هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود ) أما الرواية عن عمر فلها طرق : فمنها طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العنين أن يؤجل سنة ، قال معمر : وبلغني أن التأجيل من يوم يخاصم ، وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة : حدثنا هشيم عن محمد بن سلمة عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى شريح أن يؤجل العنين سنة من يوم يرفع إليه الحديث . ورواه ابن أبي شيبة بسند أن عمر أجل العنين سنة ، زاد في لفظ وقال : إن أتاها وإلا فرقوا بينهما ولها الصداق كاملا . ورواه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة قال : حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عمر بن الخطاب أن امرأة أتته فأخبرته أن زوجها لا يصل إليها فأجله حولا ، فلما انقضى حول ولم يصل إليها خيرها فاختارت نفسها ، ففرق بينهما عمر وجعلها تطليقة بائنة .

وأما حديث علي رضي الله عنه فرواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسنديهما ، وحديث ابن مسعود رواه ابن أبي شيبة بسنده عنه : يؤجل العنين سنة ، فإن جامع وإلا فرق بينهما .

ورواه أيضا عبد الرزاق والدارقطني . وروى ابن أبي شيبة عن المغيرة بن شعبة أنه أجل العنين سنة . وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن والشعبي والنخعي وعطاء وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم أنهم قالوا : يؤجل العنين سنة ( قوله فلا بد من مدة معرفة ذلك ) أي معرفة لكون الامتناع لعلة معترضة أو آفة أصلية في أصل الخلقة فقدرناها بالسنة لأنها معروفة لذلك ، لأنه إن كان من علة معترضة فلا يخلو من كونها من غلبة حرارة أو برودة أو رطوبة أو يبوسة ، والسنة تشتمل على الفصول الأربعة ، وكل فصل بأحد هذه الكيفيات ، فالصيف حار يابس ، والخريف بارد يابس وهو أردأ الفصول ، والشتاء بارد رطب ، والربيع حار رطب ، فإن كان مرضه عن أحد هذه تم علاجه في الفصل المضاد له فيه ، أو من كيفيتين فيتم في مجموع فصلين مضادين فكانت السنة تمام ما يتعرف به الحال .




الخدمات العلمية