الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 321 ] ( وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها فعدتها ثلاث حيض . وقال الشافعي : حيضة واحدة ) [ ص: 322 ] لأنها تجب بزوال ملك اليمين فشابهت الاستبراء . ولنا أنها وجبت بزوال الفراش فأشبه عدة النكاح ثم إمامنا فيه عمر فإنه قال : عدة أم الولد ثلاث حيض [ ص: 323 ] ( ولو كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر ) كما في النكاح .

التالي السابق


( قوله وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها فعدتها ثلاث حيض ) فإن لم تحض فثلاثة أشهر : يعني إذا لم تكن حاملا ولا تحت زوج ولا في عدته ، فإن كانت كذلك فعدتها بوضع الحمل في الأول . وفي الثاني والثالث لا يجب عليها عدة من المولى لعدم ظهور فراش المولى .

ولو مات زوجها ومولاها ولا يدرى أيهما أول ، فإما أن يعلم أن بين موتيهما أقل من شهرين وخمسة أيام كائنا ما كان ذلك من يوم إلى شهرين وأربعة أيام ، أو يعلم أنه شهران وخمسة أيام فصاعدا ، أو لا يعلم كم بينهما ، ففي الأول تعتد بأربعة أشهر وعشر لأنه إن كان موت المولى أولا فلا عدة منه لأنها ذات بعل ، ثم موت الزوج بعده وهي حرة موجب لأربعة أشهر وعشر ، وإن كان موت الزوج أولا لزمها شهران وخمسة أيام ، ثم موت المولى قبل تمام عدتها موجب للعتق غير موجب للعدة لأنها معتدة ولا لتغيرها لأنها تختص بفرقة الرجعي فتيقنا بعدم وجوب العدة من جهة المولى ودارت في الزوج بين كونها أربعة أشهر وعشرا وشهرين وخمسة أيام فوجب الاحتياط فلزمها أربعة أشهر وعشر ، وفي الثاني يجب أن تعتد بأبعد الأجلين : يعني تجمع بين أربعة أشهر وعشر وثلاث حيض ، لأن السيد إن كان مات أولا ثم مات الزوج فعليها أربعة أشهر وعشر لما قلنا ، وإن كان الزوج مات أولا فعدتها شهران وخمسة أيام ، ثم موت السيد بعدها يوجب عليها ثلاث حيض لأنه بعد انقضاء عدة الزوج ، فعلى تقدير عدتها أربعة أشهر وعشر وعلى تقدير عدتها شهران وخمسة أيام وثلاث حيض ، فلما لم يعلم الواقع كان الاحتياط بأن تعتد بأكثر ما يلزمها ، وفي الثالث كذلك عندهما لاحتمال كون الواقع على الوجه الذي ذكرناه . وعند أبي حنيفة تعتد بأربعة أشهر وعشر فقط لاحتمال أن الزوج هو المتأخر ، ولا يعتبر فيها الحيض لأن سبب وجوب العدة للمولى وهو ظهور فراشه لم يوجد ، والاحتياط إنما يكون بعد ظهور السبب لأنه العمل بأقوى الدليلين ولا يخفى أنه مشترك الإلزام .

( قوله وقال الشافعي : حيضة واحدة ) وهو قول مالك وأحمد ، وقولهم قول ابن عمر وعائشة .

وعن سعيد بن المسيب وابن جبير وابن سيرين ومجاهد والزهري والأوزاعي وإسحاق أنها تعتد بأربعة أشهر ، وقولنا قول عمر وعلي وابن مسعود وعطاء والنخعي والثوري .

وعند الظاهرية لا استبراء على أم الولد وتتزوج إن شاءت إذا لم تكن حاملا ، وهذا بناء على عدم اعتبارهم القياس الجلي وهو المسمى عندنا بدلالة النص وعند غيرنا بمفهوم الموافقة ، وهذه المسألة قياسية ، ولا شك أنه يتحقق بموت المولى وعتقه كل من أمرين : زوال ملك اليمين ، وزوال الفراش . فقاسوا على الأول هكذا تربص [ ص: 322 ] يجب بزوال ملك اليمين فيقدر بحيضة كالاستبراء . وقلنا : تربص يجب بزوال الفراش فيقدر بثلاث حيض كالتربص في الطلاق ، وهذا أرجح لأن العدة مما يحتاط في إثباتها ، فالقياس الموجب للأكثر واجب الاعتبار على أن التحقيق أنه لا معارضة بينهما في إيجاب الزائد على الحيضة ، وذلك لأن نفي وجوب الزائد على الحيضة ليس مقتضى قياس الاستبراء بل مقتضى القياس ليس إلا تعدية حكم الأصل وهو وجوب التربص حيضة فقط ، وعدم وجوب الزائد بالعدم الأصلي لا أنه مقتضاه ، فإن أثر العلة فيه وفي كل قياس إنما هو في تعدية حكم الأصل لا في غيره بنفي ولا إثبات ، ثم لا يجب ذلك الغير لعدم الدليل المقتضي لوجوبه .

فإذا علمت هذا فإيجاب الزائد على الحيضة يقتضيه القياس الذي عيناه ، ولا يقتضي نفيه ما عينوه فيسلم إيجابه عن المعارض . وعلى هذا التحقيق فالمعارضة إنما تثبت بين كل قياسين إذا لم يكن موجب أحدهما بعض موجب الآخر ، وحينئذ يثبت بطريق اللزوم لما قلنا من أنه ليس من مقتضى العلة التعرض لغير حكم الأصل بنفي ولا إثبات ، فإذا كان في الفرع جامعان بلا مانع أحدهما يقتضي فيه حكما وجوديا والآخر غيره بالكلية فإنه يلزم من اعتبار أحدهما ثبوت حكمه ويلزم من ذلك انتفاء حكم الآخر ، اللهم إلا أن يقال يجوز القياس والتعليل لنفي حكم ، فإن النفي حينئذ مقتضاه ، وفيه كلام في الأصول ومن اختاره شرط كون العلة أمرا عدميا . والمحققون على نفيه لأن العدم لا يؤثر شيئا ، وما وقع في الفقه بما ظاهره التعليل به كقول محمد في عدم الخمس في موضع ; لأنه لم يوجف عليه المسلمون ونحوه فإنما حقيقته بناء الحكم على العدم الأصلي بناء على أنه لم يعلم من الشرع ما اعتبر منوطا به الخمس إلا ذلك ، وهو منتف في تلك الصورة فينتفي الخمس : أي يبقى على عدمه الأصلي لا أنه إلحاق بجامع مؤثر ، بخلاف ما إذا كان موجب أحدهما بعض موجب الآخر كما نحن فيه ، فإن الجامعين متظافران على إثبات ذلك البعض ، وينفرد أحدهما بإثبات أمر آخر ليس نفيه مقتضى الآخر .

( قوله وإمامنا فيه عمر رضي الله عنه ) روى ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن العاص : أمر أم الولد إذا عتقت أن تعتد ثلاث حيض ، وكتب إلي عمر فكتب بحسن رأيه ، فأما أنه قال في الوفاة كذلك فالله أعلم . وليس يلزم من القول بثلاث حيض في العتق من شخص قوله به في الوفاة ، ألا يرى إلى ما ذكرناه عن عمرو بن العاص أنه قال بها في العتق .

وروى ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه عن قبيصة عن عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر . لكن قال الدارقطني : وقبيصة لم يسمع من عمرو فهو منقطع ، وهو عندنا غير ضائر إذا كان قبيصة ثقة .

وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الحارث عن علي وعبد الله قالا : ثلاث حيض إذا مات عنها : يعني أم الولد . وأخرجه عن إبراهيم النخعي وابن سيرين والحسن البصري وعطاء ، فعلى هذا تعارض النقل عن ابن سيرين والحارث ضعيف ، إلا أن غالب نقل المذاهب قلما يخلو عن مثله ، والمتحقق أنها مختلفة بين السلف [ ص: 323 ] وهو راجع إلى اختلاف الرأي ، وقد بينا ترجيح ما يوافق رأينا .




الخدمات العلمية