الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حبل فعدتها أن تضع حملها ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : عدتها أربعة أشهر وعشر ، وهو قول الشافعي لأن الحمل ليس بثابت النسب منه فصار كالحادث بعد الموت . ولهما إطلاق قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ولأنها [ ص: 324 ] مقدرة بمدة وضع الحمل في أولات الأحمال قصرت المدة أو طالت لا للتعرف عن فراغ الرحم لشرعها بالأشهر مع وجود الأقراء ، لكن لقضاء حق النكاح ، وهذا المعنى يتحقق في الصبي وإن لم يكن الحمل منه ، بخلاف الحمل الحادث [ ص: 325 ] لأنه وجبت العدة بالشهور فلا تتغير بحدوث الحمل ، وفيما نحن فيه كما وجبت وجبت مقدرة بمدة الحمل فافترقا .

التالي السابق


( قوله وإذا مات الصبي عن امرأته وبها حبل ) احتراز عما إذا مات وظهر بها حبل بعد موته فإنها تعتد بالشهور اتفاقا ثم معرف ذلك أن تضع لأقل من ستة أشهر من موته في الأصح ، فإذا وضعته كذلك انقضت عدتها عند أبي حنيفة ومحمد ، وإن وضعته لستة أشهر من موته فأكثر لم يكن محكوما بقيامه عند موته بل بحدوثه بعده فلا يكون تقدير العدة بالوضع عندهما بل بأربعة أشهر وعشر اتفاقا . وقيل : المحكوم بحدوثه أن تلده لأكثر من سنتين من موته وفيما دون ذلك يكون الانقضاء بالوضع وليس بشيء لأن التقدير للحدوث بأكثر سنتين أو بسنتين كوامل ليس إلا للاحتياط في ثبوت النسب ولا يمكن ثبوته في الصبي فلا حاجة إلى تأخير الحكم بالحدوث إلى السنتين .

( قوله وقال أبو يوسف : عدتها أربعة أشهر وعشر ) وهذه رواية عن أبي يوسف إذ لم يحك في الظاهر خلاف . ولم يذكر محمد ولا جامع كلامه الحاكم ، وقول فخر الإسلام وهذا يعني الاعتداد بوضع الحمل استحسان من علمائنا يدل عليه فإنما هي رواية عنه ، وكذا قال شمس الأئمة .

وعن أبي يوسف أن عدتها بالشهور وهو القياس ، وهو قول زفر انتهى . وإذا قال أبو يوسف في المطلقة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين تعتد بوضعه مع أنه منفي النسب ومحكوم بحدوثه فكيف يقول في المحكوم بقيامه عند الفرقة لا تعتد بوضعه فإنما هي رواية شاذة ، وهو قول مالك وأحمد وهي رواية عن أبي حنيفة ، ثم يجب كون ذلك الصغير غير مراهق . أما المراهق فيجب أن يثبت النسب منه إلا إذا لم يمكن بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر من العقد . وعلى هذا الخلاف إذا طلق الكبير امرأته فأتت بولد غير سقط لأقل من ستة أشهر من وقت العقد بأن تزوجها حاملا من الزنا ولا يعلم الحال ثم وضعته كذلك بعد الطلاق تعتد بالوضع عندهما وعندهم لا اعتبار به ، وإنما قلنا ولا يعلم لصحة كونه على هذا الخلاف لأنه لو علم لم يصح العقد عند أبي يوسف لأنه يمنع العقد على الحامل من الزنا ، بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه وإن لم يصححه لكن يجب من الوطء فيه العدة لأنه شبهة فيقع الخلاف في أنها بالوضع أو بالأشهر .

وحاصل متمسكهم القياس على الحادث بعد موت الصغير ، هكذا حمل منفي النسب فلا تعتد بوضعه كالحمل الحادث بعد موت الصغير ( ولهما إطلاق قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ) من غير فصل بين كونه منه أو من غيره ( ولأنها ) أي عدة الوفاة في حق الحامل وقت [ ص: 324 ] الموت ( مقدرة بوضع الحمل في أولات الأحمال لا للتعرف على فراغ الرحم لشرعها ) أي لشرع عدة الوفاة ( بالأشهر مع وجود الأقراء لكن لقضاء حق النكاح . وهذا المعنى ) وهو قضاء حق النكاح ( يتحقق في الصبي وإن لم يكن الحمل منه ) كما يتحقق في الكبير والنسب منه . وتلخيص هذا الوجه أنه قياس زوجة الصغير الحامل وقت موته بغير ثابت النسب على زوجة الكبير الحامل وقت موته بثابت النسب في حكم هو الاعتداد بوضع الحمل بجامع أنه لقضاء حق النكاح إظهارا لخطره متعرضا فيه لإلغاء الفارق وهو وصف ثبوت نسب الحمل وعدمه ، ودليل الإلغاء شرع الأشهر مع تحقق الأقراء ، وبه يظهر فساد ما ذكروه من صورة القياس ، فإن حقيقته ليس إلا نفي الحكم لنفي العلة المساوية وهي ثبوت نسب الحمل فإنه المعتبر علة مساوية للاعتداد بالوضع وهو منتف في الخلافية فينتفي الاعتداد بوضع الحمل كما انتفى في الحامل بحادث بعد موت الصبي ونحن منعنا عليته فضلا عن مساواته ، لكن لا يخفى أن كون الاعتداد بالوضع ليس إلا لقضاء حق النكاح ممنوع بل لذلك وليثبت الفراغ ليتمكن من النكاح . وقدمنا أن شرعيته لكل من الأمرين فقد ينفرد أحدهما وقد يجتمعان ، فالأولى عدم التعرض للنفي ويكفي كون العدة مطلقا للقضاء ، فإنه إذا ثبت أمر للأعم ثبت لكل خصوصياته فيثبت كونها بوضع الحمل للنفي أيضا .

واعلم أن قول أبي حنيفة ومحمد في المسألة التي استبعدنا بها قول أبي يوسف : أعني المطلقة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين أن عدتها تنقضي من ستة أشهر تلي الوضع فيرجع بنفقتها إن كانت تعجلتها إضافة للحادث وهو الحمل الحادث إلى أقرب زمانه .

( قوله بخلاف الحمل الحادث ) شرع يفرق بين ما قاسوا عليه في الصورة وبين محل الخلاف ، [ ص: 325 ] والحاصل أنه تعالى إنما شرع العدة بوضع الحمل إذا كان الحمل ثابتا حال الموت وإن كان لفظ الآية مطلقا يخص بالعقل للعلم بأن حال الموت حال زوال النكاح وعنده يتم السبب الموجب للعدة فلا بد من أن تثبت العدة إذ ذاك . والفرض أن لا حمل حينئذ ليثبت بالوضع فكان اعتبار قيام الحمل عند الموت وعدمه للاعتداد بالوضع أو بالأشهر من ضروريات العقل بعد العلم بما ذكرناه فعند عدمه والفرض أن العدة تثبت لا يتوقف فإنما تثبت بالأشهر ، وبهذا لزم أن مراد الآية بأولات الأحمال الأحمال حالة الفرقة .




الخدمات العلمية