الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن ضمن رجع المعتق على العبد ( والولاء للمعتق ، وإن أعتق أو استسعى فالولاء بينهما ، وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد ) والولاء بينهما في الوجهين . وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله . .

التالي السابق


( فإن ضمن رجع المعتق على العبد والولاء للمعتق ، وإن أعتق أو استسعى فالولاء بينهما في الوجهين ) أي في الإعتاق والسعاية ( وهذا ) كله ( عند أبي حنيفة رحمه الله ) هكذا ذكر في الأصل ، وذكر في التحفة خمس خيارات : هذه الثلاثة وأن يدبره وعلمت حكمه أن يستسعى وأن يكاتبه وهو يرجع إلى معنى الاستسعاء ، ولو عجز استسعى ، ولو امتنع العبد عن السعاية يؤاجره جبرا ، ويدل على أن الكتابة في معنى الاستسعاء أنه لو كاتبه على أكثر من قيمته إن كان من النقدين لا يجوز إلا أن يكون قدرا يتغابن الناس فيه ، لأن الشرع أوجب السعاية على قيمته فلا يجوز الأكثر ، وكذا لو صالحه على عوض أكثر ، وإن كاتبه على عروض [ ص: 463 ] قيمتها أكثر من قيمته جاز ، ولو كان الساكت صبيا والمعتق موسرا فالخيار بين التضمين والسعاية لوليه ، والتضمين أولى لأنه أنظر ، ولو لم يكن له ولي انتظر بلوغه ليختار . قيل هذا في موضع ليس فيه قاض ، فإن كان في موضع فيه قاض نصب القاضي له قيما ليختار التضمين أو الاستسعاء ، وليس للولي اختيار العتق لأنه تبرع بمال الصبي ، وكذا لو كان مكان الصبي مكاتب أو عبد مأذون ليس لهما إلا التضمين أو الاستسعاء ، أما المكاتب فإن له أن يكاتب والاستسعاء بمنزلة الكتابة ، وأما العبد المأذون فالقياس أن يكون له حق التضمين فقط ; لأن الاستسعاء بمنزلة الكتابة وليس للعبد المأذون أن يكاتب ، ولكن قال : سبب الاستسعاء قد تقرر وهو عتق الشريك على وجه لا يمكن إبطاله ، وربما يكون الاستسعاء أنفع من التضمين فلهذا ملك المأذون ذلك وإن كان لا يملك الكتابة ابتداء .

وإذا اختار المكاتب أو المأذون التضمين أو الاستسعاء فولاء نصيبهما لمولاهما لأنهما ليسا من أهل الولاء فيثبت الولاء لأقرب الناس إليهما وهو المولى ، وإن لم يكن على العبد دين فالخيار للمولى لأن كسبه مملوك للمولى في هذه الحالة ، وتقدير القيمة يوم الإعتاق ، فلو كان فيه صحيحا ثم عمي يجب نصف قيمته صحيحا ، وقلبه لو كان أعمى يوم العتق فانجلى بياض عينيه يجب نصف قيمته أعمى لأنه حال ثبوت سبب الضمان ، وكذا يعتبر اليسار والإعسار وقت العتق ، فلو كان موسرا وقت العتق فأعسر لا يسقط عنه الضمان ، ولو كان معسرا فأيسر لا ضمان .

ولو اختلفا في قيمته يوم أعتقه ، فإن كان العبد قائما نظر إلى قيمته يوم ظهر العتق حتى إذا لم يتصادقا على العتق فيما مضى يقوم للحال لأن العتق حادث فيحال على أقرب أوقات ظهوره ، وكذلك إن أراد أن يستسعي العبد ، ولو تصادقوا على وقت العتق واختلفوا في قيمته في ذلك الوقت فالقول قول المعتق كالغاصب ; لأنه ضامن وينكر الزيادة .

ولو اختلفا في اليسار والإعسار فقال المعتق : أعتقت وأنا معسر وقال الشريك بل وأنت موسر ، نظر إلى حاله يوم ظهر العتق إما لأنه كالمنشئ للعتق في الحال أو لأنه لما وقع الاختلاف فيما مضى يحكم الحال ، فإن كان في الحال موسرا فالظاهر شاهد لمن يدعي اليسار فيما مضى ، وإن كان معسرا في الحال فالظاهر شاهد لمن يدعي العسرة فيما مضى ، وهو كالمستأجر مع رب الطاحونة إذا اختلفا في جريان الماء في المدة يحكم الحال .

ولو تصادقا على أن العتق كان سابقا عليه في مدة يختلف حاله فيه فالقول قول المعتق في إنكار يساره لأنه ينكر المعنى الموجب للضمان ، وإذا كان موسرا يوم أعتقه فاختار الشريك ضمانه ثم بدا له أن يبرئه ويستسعي الغلام لم يكن لذلك .

وروى ابن سماعة عن محمد أنه إن قضى القاضي له بالضمان أو رضي به المعتق فليس له أن يستسعي الغلام بعد ذلك وإلا فله . قيل : ما ذكر في الأصل من الإطلاق محمول على ذلك التفصيل ، وقيل بل في المسألة روايتان ، ولو مات الساكت قبل أن يختار شيئا فلورثته من الخيار ما كان له ; لأنهم قائمون مقامه بعد موته ، وليس هذا توريث الخيار بل المعنى الذي أوجب الخيار للمورث ثابت للورثة ، فإن شاءوا أعتقوا وإن شاءوا استسعوا العبد وإن شاءوا ضمنوا المعتق ، فإن ضمنوه فالولاء كله للمعتق لأنه بأداء الضمان إليهم يملك نصيبهم كما كان يتملك بالأداء إلى المورث ، وإن اختاروا الإعتاق أو الاستسعاء فالولاء في هذا النصيب للذكور من أولاد الميت دون الإناث لأن معتق البعض كالمكاتب ، والمكاتب لا يورث عينه وإنما يورث ما عليه من المال فيعتق نصيب [ ص: 464 ] الساكت على ملكه والولاء يكون له فيخلفه في ذلك الذكور من أولاده دون الإناث إذ الولاء لا يورث ، وإن اختار بعض الورثة السعاية وبعضهم الضمان فلكل واحد منهم ما اختار من ذلك لأن كل واحد منهم فيما ورث قائم مقام الميت .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس لهم ذلك إلا أن يجتمعوا على التضمين أو الاستسعاء . قال في المبسوط : هذا هو الأصح لأنه صار كالمكاتب لا يملك بالإرث ، فكذلك هم لا يملكون نصيب الساكت بعد موته ، والدليل عليه فصل الولاء الذي تقدم لا يثبت لهم بالإعتاق ابتداء ، ولكنهم خلفاء المورث يقومون مقامه ، وليس للمورث أن يختار التضمين في البعض والسعاية في البعض فكذا الورثة ، ولو لم يمت الساكت ولكن مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئا فله أن يضمن المعتق قيمة نصيبه إن كان موسرا . وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه ليس له أن يضمنه قيمة نصيبه بعد موت العبد لأن نصيبه من العبد باق على ملكه والضمان غير متعين على المعتق ما لم يختر ضمانه ، فإذا هلك على ملكه فليس له أن يتقرر الضمان على شريكه بعد ذلك ، وهذا لأن صحة اختيار التضمين معلق بشرط هو أن يملك نصيبه منه بالضمان وقد فات هذا الشرط بموته لأن الميت لا يحتمل التمليك . وجه ظاهر الرواية أن وجوب الضمان عليه بالإعتاق لأن السبب وهو الإفساد قد تحقق به فكان بمنزلة الغصب ، وموت العبد بعد الغصب لا يمنع من تضمين الغاصب ، وهذا لأن تضمينه من وقت العتق وكان محلا للتمليك عند ذلك ; بخلاف ما لو باعه نصيبه أو وهبه على عوض حيث لا يجوز في الاستحسان وإن كان القياس جوازه كالتضمين لأن هذا تمليك للحال وهو غير محل له . وفي جامع قاضي خان : لو أعتق أحد الشريكين في مرض موته وهو موسر ثم مات لا يؤخذ ضمان العتق من تركته في قول أبي حنيفة رحمه الله ، بل يسقط لأن الضمان يجب بطريق التحمل صلة والصلات تسقط بالموت ، وعندهما يؤخذ به لأنه ضمان إتلاف ، وإنما عرف استسعاء العبد عند عسرته بالنص بخلاف القياس .




الخدمات العلمية