الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 64 ] قال : ( والقاصد في اليمين والمكره والناسي سواء ) حتى تجب الكفارة لقوله صلى الله عليه وسلم { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، واليمين } [ ص: 65 ] والشافعي رحمه الله يخالفنا في ذلك ، وسنبين في الإكراه إن شاء الله تعالى

التالي السابق


( قوله : والقاصد في اليمين والمكره عليه والناسي ) وهو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه ثم تذكر أنه تلفظ به . وفي بعض النسخ : الخاطئ وهو من أراد أن يتكلم بكلام غير الحلف فجرى على لسانه اليمين ، فإذا حنث لزمته الكفارة .

( لقوله عليه الصلاة والسلام { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق واليمين } ) هكذا ذكره المصنف ، وبعضهم كصاحب الخلاصة جعل مكان اليمين العتاق ، والمحفوظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه { عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة } وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وقد ورد حديث العتاق في مصنف عبد الرزاق من حديث أبي ذر قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ، ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز } وروى ابن عدي في الكامل من حديث أبي هريرة رضي الله عنه { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث ليس فيهن لعب من تكلم بشيء منهن لاعبا فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والنكاح } وأخرج عبد الرزاق عن علي وعمر موقوفا أنهما قالا { ثلاث لا لعب فيهن : النكاح ، والطلاق ، والعتاق } وفي رواية عنهما " أربع " وزاد " والنذر " ولا شك أن اليمين في معنى النذر فيقاس عليه .

واعلم أنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل ; لأن المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا ، والهازل قاصد لليمين غير راض بحكمه فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرته السبب مختارا ، والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم يدر ما صنع ، وكذا المخطئ لم يقصد قط التلفظ به بل بشيء آخر فلا يكون الوارد في الهازل واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا ، وإذا كان اللغو بتفسيرهم وهو أن يقصد اليمين مع ظن البر ليس لها حكم اليمين ، فما [ ص: 65 ] لم يقصده أصلا بل هو كالنائم يجري على لسانه طلاق أو عتاق لا حكم له أولى أن لا يكون لها حكم اليمين . وأيضا فتفسير اللغو المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله } ، وإن لم يكن هو نفس التفسير الذي فسروا به الناسي فإن المتكلم كذلك في بيته لا يقصد التكلم به بل يجري على لسانه بحكم العادة غير مراد لفظه ولا معناه .

ولو لم يكن إياه كان أقرب إليه من الهازل ، فحمل الناسي على اللاغي بالتفسير المذكور أولى من حمله على الهازل ، وهذا الذي أدينه وتقدم لنا مثله في الطلاق فلا تكن غافلا . ( قوله : والشافعي يخالفنا في ذلك ) فيقول لا تنعقد يمين المكره ولا الناسي ولا المخطئ للحديث المشهور { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } قال المصنف ( وسنبين ذلك في الإكراه إن شاء الله تعالى ) واستدل ابن الجوزي في التحقيق للشافعي وأحمد رضي الله عنهما في عدم انعقاد يمين المكره بما رواه الدارقطني عن واثلة بن الأسقع وأبي أمامة قالا : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على مقهور يمين } ثم قال عنبسة ضعيف . قال صاحب تنقيح التحقيق : حديث منكر بل موضوع ، وفيه جماعة لا يجوز الاحتجاج بهم .




الخدمات العلمية