الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ( فإن أسروا عبدا فاشتراه رجل وأخرجه إلى دار الإسلام ففقئت عينه وأخذ أرشها فإن المولى يأخذه بالثمن الذي أخذ به من العدو ) أما الأخذ بالثمن فلما قلنا ( ولا يأخذ الأرش ) ; لأن الملك فيه صحيح ، فلو أخذه أخذه بمثله وهو لا يفيد ولا يحط شيء من الثمن ; لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن ، بخلاف الشفعة ; لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشترى في يد المشتري بمنزلة [ ص: 9 ] المشترى شراء فاسدا ، والأوصاف تضمن فيه كما في الغصب ، أما هاهنا الملك صحيح فافترقا .

التالي السابق


( قوله : فإن أسروا عبدا فاشتراه رجل فأخرجه إلى دار الإسلام ففقئت عينه ، وأخذ أرشها ، فإن المولى يأخذه بالثمن الذي أخذ به من العدو ، ولا يأخذ الأرش ; لأن ملكه فيه صحيح ) ; لأنه آخذ بدل ملك صحيح كما لو قتل العبد ، بخلاف المشترى شراء فاسدا على ما سنذكر ( فلو أخذه ) أي الأرش ( أخذه بمثله ) دراهم أو دنانير وعلمت أنه لا يفيد ولو أخذه بزيادة أو نقصان ، ولو كانت أمة فباعها الغانم بألف فولدت في يد المشتري وماتت فأراد المالك القديم أخذ الولد فعند أبي يوسف له ذلك بألف ، وعند محمد بحصته منها ، وذلك بأن يقسم الألف على قيمة الأم يوم القبض وقيمة الولد يوم الأخذ ، فما أصاب كلا فهو حصته من الألف . ( ولا يحط شيء من الثمن ) بما نقص من عينه ( لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن ) بما نقص من عين العبد والعين كالوصف ; لأنها يحصل بها وصف الإبصار ، [ ص: 9 ] وقد فاتت في ملك صحيح فلا يقابلها شيء من الثمن فلا يسقط بفواتها شيء منه ، وإنما لم يقابل شيء من الثمن بالوصف ; لأنه تابع وبفواته لا يسقط شيء من الثمن .

ولهذا لو ظهر في المبيع وصف مرغوب فيه وقد نفياه عند العقد لم يكن للبائع أن يطلب شيئا بمقابلته ; ألا يرى أنه لو اشترى عبدا فذهبت يده أو عينه قبل القبض لا يسقط شيء من الثمن ، والعقر كالأرش . واستشكل بأن الوصف إنما يقابله شيء من الثمن إذا لم يصر مقصودا بالتناول ، أما إذا صار فله حظ من الثمن كما لو اشترى عبدا ففقئت عينه ثم باعه مرابحة فإنه يحط من الثمن ما يخص العين ، ولو اعورت في يده بآفة سماوية لا يحط بل يرابح على كل الثمن ، وكذا في الشفعة إذا كان فوات وصف المشفوع فيه بفعل قصدي قوبل ببعض الثمن ، كما لو استهلك شخص بعض بناء الدار المشفوعة فإنه يسقط عن الشفيع حصته ، ولو فات بآفة سماوية كأن جف شجر البستان ونحوه لا يقابله شيء من الثمن ، وبهذا أورد على إطلاق قوله بخلاف الشفعة ; لأن ذلك في القصدي ، أما في غيره فالشفعة والمسألة التي نحن فيها سواء . وأجيب بأن الوصف إنما يقابله بعض الثمن عند صيرورته مقصودا بالتناول في الملك الفاسد ، وموضع وجوب اجتناب الشبهة كما ذكرت من مسألة المرابحة ; لأنها مبنية على الأمانة دون الخيانة ، وللشبهة حكم الحقيقة فيها والملك في الشفعة للمشتري كالفاسد من حيث وجوب تحويله إليه .

أما في الشراء الصحيح الذي لا يشبه الفاسد فالثمن يقابل العين لا غير . وقوله : لأن الأوصاف تضمن فيه : أي في البيع الفاسد ; لأنه كالغصب من حيث وجوب فسخ السبب ، فالأصل في تقوم الصفات هو الغصب ، وإنما لزمه ذلك مراعاة لحق المالك ومبالغة في دفع الظلم ، والبيع الفاسد دونه في ذلك ; لتحقق التراضي فيه من الجانبين ، غير أن الشرع أهدر تراضيهما في حق الحل ، وطلب رد كل منهما بدله إلى الآخر .

وفي الكافي : [ ص: 10 ] ولأن الأخذ للمالك القديم مع ثبوت الملك الصحيح للمشتري من العدو ثبت ، بخلاف القياس نصا وهو قوله : إن شاء أخذه بالثمن وهو اسم للكل فلا يحط عنه . هذا ولو أنه فقئ عيناه عند الغازي المقسوم له فأخذ قيمته وسلمه للفاقئ فللمالك الأول أخذه من الفاقئ بقيمته أعمى عند أبي حنيفة ، وقالا : بقيمته سليما وهي التي أعطاها الفاقئ للمولى . لهما أنه فوت وصفا فلا يسقط به شيء من ثمنه . وله أنه طرف وهو مقصود فهو كفوات بعض الأصل فيسقط حصته من القيمة كالولد مع الأم ، وهذا ينتقض بمسألة الهداية ، بل الوجه وهو الفرق أن فوات الطرف هنا بفعل الذي ملكه باختياره فكان بمنزلة ما لو اشتراه سليما ثم قطع طرفه باختياره فكان راضيا بتنقيصه ، بخلاف مسألة الكتاب ; لأن الفاقئ غيره بغير رضاه .

[ فرع ] . أسروا جارية ، وأحرزوها ثم ظهر المسلمون عليهم فوقعت في سهم غانم فباعها بألف فولدت في يد المشتري وماتت ، فأراد المالك القديم أخذ الولد ; فعند أبي يوسف له ذلك بألف ، وعند محمد بحصته من الألف ، وذلك بأن يقسم الألف على قيمة الأم يوم القبض وقيمة الولد يوم الأخذ ، فما أصاب كلا فهو حصته .




الخدمات العلمية