الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ( وإن لحق بدار الحرب مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت [ ص: 79 ] الديون التي عليه ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين ) . وقال الشافعي : يبقى ماله موقوفا كما كان ; لأنه نوع غيبة فأشبه الغيبة في دار الإسلام . ولنا أنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت ، إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء ، وإذا تقرر موته ثبتت الأحكام المتعلقة به وهي ما ذكرناها كما في الموت الحقيقي ، ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول محمد ; لأن اللحاق هو السبب والقضاء [ ص: 80 ] لتقرره بقطع الاحتمال ، وقال أبو يوسف : وقت القضاء ; لأنه يصير موتا بالقضاء ، والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف . .

التالي السابق


( قوله : وإن لحق بدار الحرب مرتدا ) وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت ديونه المؤجلة [ ص: 79 ] ونقل ما اكتسبه في دار الإسلام إلى ورثته المسلمين ) باتفاق علمائنا الثلاثة ، وكذا ما اكتسبه في أيام ردته على قولهما كما مر ولا يفعل شيء من ذلك ما كان مقيما في دار الإسلام ، وأما ما أوصى به في حال إسلامه فالمذكور في ظاهر الرواية من المبسوط وغيره أنها تبطل مطلقا من غير فرق بين ما هو قربة وغير قربة ومن غير ذكر خلاف .

وذكر الولوالجي أن الإطلاق قوله . وقولهما : إن الوصية بغير القربة لا تبطل ; لأن لبقاء الوصية حكم الابتداء ، وابتداء الوصية بغير القربة بعد الردة عندهما تصح ، وعند أبي حنيفة تتوقف فكذا هنا . قيل وأراد بالوصية بغير القربة الوصية للنائحة والمغنية .

وقال الطحاوي : لا تبطل فيما لا يصح الرجوع عنه ، وحمل إطلاق محمد لبطلان الوصية على وصية يصح الرجوع عنها . ووجه البطلان مطلقا أن تنفيذ الوصية لحق الميت ، ولا حق له بعدما قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فكان ردته كرجوعه عن الوصية فلا يبطل ما لا يصح الرجوع عنه كالتدبير ; لأن حق العتق ثبت للمدبر ، وبهذا عرف معنى تقييد الطحاوي الذي ذكرناه آنفا .

( وقال الشافعي ) ومالك وأحمد : ( يبقى ماله موقوفا ) ويحفظه الحاكم إلى أن يظهر موته ثمة أو يعود مسلما فيأخذه ( لأنه ) أي اللحاق نوع غيبة فأشبه الغيبة في دار الإسلام وهذا ; لأن الدار عندهم واحدة ( ولنا أنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية إلزام أحكامه عنهم كما هي منقطعة عن الموتى ) بخلاف الغيبة في بلدة أخرى من دار الإسلام ، فإن أحكام الإسلام وولاية إلزامنا ثابتة فيها فلا يلحق بذلك ، وإذا صار اللحاق كالموت لا أنه حقيقة الموت لا يستقر حتى يقضي به سابقا على القضاء بشيء من هذه الأحكام المذكورة في الصحيح ، لا أن القضاء بشيء منها يكفي بل يسبق القضاء باللحاق ثم تثبت الأحكام المذكورة ، ولكونها كالموت قلنا : إذا لحقت الحربية فلزوجها أن يتزوج بأختها قبل انقضاء عدتها ; ولأنه لا عدة على الحربية من المسلم ; لأن في العدة حق الزوج ، وتباين الدارين مناف له ، ولو سبيت أو عادت مسلمة لم يضر نكاح أختها ; لأن العدة بعد أن سقطت لا تعود ( ثم المعتبر في كون الوارث وارثا عند اللحاق في قول محمد ; لأنه السبب ، والقضاء إنما [ ص: 80 ] لزم لتقرره بقطع الاحتمال ) أي احتمال عوده : أي اللحاق لا يوجب أحكام الموت إلا إذا كان مستقرا وهو أمر غير معلوم فبالقضاء به يتقرر . ( وعند أبي يوسف ) يعتبر كونه وارثا ( وقت القضاء ) حتى لو كان من بحيث يرث وقت الردة كافرا أو عبدا ووقت القضاء مسلما معتقا ورث عند أبي يوسف لا عند محمد ، وهذا ( لأنه ) أي اللحاق إنما ( يصير موتا بالقضاء ) ; لأنه بمجرده غيبة فتقررها بالقضاء به ، وبتقرره يصير موتا والإرث يعتبر عند الموت . وقدمنا تمام وجهي القولين ( والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف ) في المرتد وعلى الأحكام التي ذكرناها من عتق مدبريها وحلول ديونها .




الخدمات العلمية