الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 128 ] قال ( ولقطة الحل والحرم سواء ) وقال الشافعي : يجب التعريف في لقطة الحرم إلى أن يجيء صاحبها لقوله عليه الصلاة والسلام في الحرم { ولا يحل لقطتها إلا لمنشد } ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة } من غير فصل ولأنها لقطة ، وفي التصدق بعد مدة التعريف إبقاء ملك المالك من وجه فيملكه كما في سائرها ، وتأويل ما روي أنه لا يحل الالتقاط إلا للتعريف ، والتخصيص بالحرم لبيان أنه لا يسقط التعريف فيه لمكان أنه للغرباء ظاهرا .

التالي السابق


( قوله ولقطة الحل والحرام سواء ) وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول ، وفي قول يعرفها أبدا حتى يجيء صاحبها لا حكم لها سوى ذلك من تصدق ولا تملك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه { لما فتح الله مكة قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لا تحل لأحد بعدي ، لا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد } الحديث . المنشد : المعرف ، والناشد : الطالب .

قال المثقب :

يسيخ للنبأة أسماعه إساخة المنشد للناشد

ويروى يصيخ وهو بمعناه ، فالفعل من الأول أنشد الضالة ينشدها ، وأنشدها إنشادا : إذا أعرفتها ، ومن الثاني نشدتها أنشدها نشدا ونشدانا بكسر النون : إذا طلبتها

( ولنا إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم ) في حديث زيد بن خالد الجهني وغيره وسئل عن اللقطة فقال ( اعرف عفاصها ) أي وعاءها من جلد أو خرقة ونحوها ( ووكاءها ) أي رباطها الذي شدت به وعرفها سنة وتقدم ، فإما أن يقضي العام على الخاص وإما أن يتعارضا فيحمل كل على محمل وهو أولى ، لكن لا تعارض لأنه معناه : لا يحل الالتقاط إلا لمن يعرف ولا يحل لنفسه .

وتخصيص مكة حينئذ لدفع وهم سقوط التعريف بها بسبب أن الظاهر أن ما وجد بها من لقطة فالظاهر أنه للغرباء وقد تفرقوا فلا يفيد التعريف فيسقط كما يسقط فيما يظهر إباحته ، فبين عليه الصلاة والسلام أنها كغيرها من البلاد في وجوب [ ص: 129 ] التعريف ، وقد ثبت في صحيح مسلم { أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن لقطة الحاج } . قال ابن وهب : يعني يتركها حتى يجيء صاحبها ، ولا عمل على هذا في هذا الزمان لفشو السرقة بمكة من حوالي الكعبة فضلا عن المتروك ، والأحكام إذا علم شرعيتها باعتبار شرط ثم علم ثبوت ضده متضمنا مفسدة بتقدير شرعيته معه علم انقطاعها ، بخلاف العلم بشرعيتها لسبب إذا علم انتفاؤه ، ولا مفسدة في البقاء فإنه لا يلزم ذلك كالرمل والاضطباع في الطواف لإظهار الجلادة




الخدمات العلمية