الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 152 ] كتاب الشركة

( الشركة جائزة ) { لأنه صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بها فقررهم عليه } ،

التالي السابق


كتاب الشركة

هو بإسكان الراء في المعروف . أورد الشركة عقيب المفقود لتناسبهما بوجهين : كون مال أحدهما أمانة في يد الآخر ، كما أن مال المفقود أمانة في يد الحاضر .

وكون الاشتراك قد يتحقق في مال المفقود كما لو مات مورثه وله وارث آخر والمفقود حي ، وهذه مناسبة خاصة بينهما . والأولى عامة فيهما . وفي الآبق واللقيط واللقطة على اعتبار وجود مال مع اللقيط ، وإنما قدم المفقود عليها وأولاه الإباق لشمول عرضية الهلاك كلا من نفس المفقود والآبق . وكأن بعضهم تخيل أن عرضية الهلاك للمال فقال : لأن المال على عرضية التوى . وحاصل محاسن الشركة ترجع إلى الاستعانة في تحصيل المال .

والشركة لغة : خلط النصيبين بحيث لا يتميز أحدهما ، وما قيل إنه اختلاط النصيبين تساهل ، فإن الشركة اسم المصدر ، والمصدر الشرك مصدر شركت الرجل أشركه شركا ، فظهر أنها فعل الإنسان وفعله الخلط . وأما الاختلاط فصفقة تثبت للمال عن فعلهما ليس له اسم من المادة ، ولا يظن أن اسمه الاشتراك لأن الاشتراك فعلهما أيضا مصدر اشتراك الرجلان افتعال من الشركة ، ويعدى إلى المال بحرف " في " فيقال اشتركا في المال : أي حققا الخلط فيه ، فالمال مشترك فيه : أي تعلق به اشتراكهما : أي خلطهما . وركنها في شركة العين اختلاطهما ، وفي شركة العقد اللفظ المفيد له .

هذا ويقال الشركة على العقد نفسه لأنه سبب الخلط ، فإذا قيل شركة العقد بالإضافة فهي إضافة بيانية ( قوله الشركة جائزة إلى آخره ) قيل شرعيتها بالكتاب والسنة والمعقول . أما الكتاب فقوله تعالى { فهم شركاء في الثلث } وهذا خاص بشركة العين دون المقصود الأصلي الذي هو شركة العقد ، وقوله تعالى { وإن كثيرا من الخلطاء } أي من المشتركين لا ينص على جواز كل منهما مع أنه حكاية قول داود عليه الصلاة والسلام إخبارا للخصمين عن شريعته إذ ذاك فلا يلزم استمراره في شريعتنا .

وأما السنة [ ص: 153 ] فما في أبي داود وابن ماجه والحاكم { عن السائب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تدارئ ولا تماري } وروى أحمد بن حنبل من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد { عن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم شاركه قبل الإسلام في التجارة ، فلما كان يوم الفتح جاءه فقال عليه الصلاة والسلام : مرحبا بأخي وشريكي كان لا يدارئ ولا يماري ، يا سائب قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك } وكان ذا سلف وصداقة ، واسم السائب صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وقول السهيلي فيه إنه كثير الاضطراب ، فمنهم من يرويه عن السائب ، ومنهم من يرويه عن قيس بن السائب ، ومنهم من يرويه عن عبد الله بن السائب ، وهذا اضطراب لا يثبت به شيء ولا تقوم به حجة ، إنما يصح إذا أراد الحجة في تعيين الشريك من كان ، أما غرضنا وهو ثبوت مشاركته صلى الله عليه وسلم فثابت على كل حال .

قال إبراهيم الحربي في كتابه غريب الحديث : يدارئ مهموز في الحديث : أي يدافع . ثم إيراد المشايخ هذا إنما يفيد أن الشركة كانت على عهد الجاهلية وهو جزء الدليل : أعني أنه بعث وهم يتشاركون فقررهم ومفيد الجزء الثاني ما في أبي داود ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عنه عليه الصلاة والسلام { قال الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خانا خرجت من بينهما } زاد رزين " وجاء يد الشيطان " وضعفه القطان بجهالة والد أبي حيان وهو سعيد ، فإن الرواية عن أبي حيان عن أبيه وهو سعيد بن حيان .

ورواه غيره عن أبي حيان مرسلا ، ورواه الدارقطني { يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما } ولا شك أن كون الشركة مشروعة أظهر ثبوتا مما به ثبوتها من هذا الحديث ونحوه ، إذ التوارث والتعامل بها من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وهلم جرا متصل لا يحتاج فيه إلى إثبات حديث بعينه فلهذا لم يزد المصنف على ادعاء تقريره صلى الله عليه وسلم عليها




الخدمات العلمية