الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة ) لأنها تتضمن الوكالة ، ولا بد منها لتتحقق الشركة على [ ص: 195 ] ما مر ، والوكالة تبطل بالموت ، وكذا بالالتحاق مرتدا إذا قضى القاضي بلحاقه ; لأنه بمنزلة الموت على ما بيناه من قبل ، ولا فرق بينما إذا علم الشريك بموت صاحبه أو لم يعلم ; لأنه عزل حكمي ، وإذا بطلت الوكالة بطلت الشركة ، بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة ومال الشركة دراهم ودنانير حيث يتوقف على علم الآخر لأنه عزل قصدي ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة ) مفاوضة كانت أو عنانا إذا قضى بلحاقه على البتات حتى لو عاد مسلما لم يكن بينهما شركة ، وإن لم يقض القاضي بلحاقه انقطعت على سبيل التوقف بالإجماع ، فإن عاد مسلما قبل أن يحكم بلحاقه فهما على الشركة ، وإن مات أو قتل انقطعت ، ولو لم يلحق بدار الحرب انقطعت المفاوضة على سبيل التوقف ، فإن لم يقض القاضي بالبطلان حتى أسلم عادت المفاوضة ، وإن مات بطلت من وقت الردة ، وإذا انقطعت المفاوضة على سبيل التوقف هل تصير عنانا عند أبي حنيفة رحمه الله ؟ لا . وعندهما تبقى عنانا ذكره الولوالجي .

وإنما بطلت الشركة بالموت ; لأنها تتضمن الوكالة : أي مشروط ابتداؤها وبقاؤها بها ضرورة فإنها لا يتحقق ابتداؤها إلا بولاية التصرف لكل منهما في مال الآخر ، ولا تبقى الولاية إلا ببقاء الوكالة ، وبهذا التقرير اندفع السؤال القائل الوكالة تثبت تبعا ولا يلزم من بطلان التبع بطلان الأصل وبطلانها بالالتحاق ; لأنه موت حكمي على ما بيناه من قبل في باب أحكام المرتدين ، ولا فرق في ثبوت البطلان بين ما إذا علم الشريك [ ص: 195 ] بموت شريكه وعدم علمه بذلك حتى لا تنفذ تصرفات الآخر على الشركة ; لأنه عزل حكمي فإن ملكه يتحول شرعا إلى وارثه علم موته أو لا فلا يمكن توقفه ، وقد نفذه الشرع حيث نقل الملك ، بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة ومالها دراهم أو دنانير حيث يتوقف على علم الآخر ; لأنه عزل قصدي ; لأنه نوع حجر فيشترط علمه دفعا للضرر عنه ، وتقييده بما إذا كان مال الشركة دراهم أو دنانير ; لأنه لو كان عروضا فلا رواية في ذلك عن أصحابنا ، وإنما الرواية في المضاربة وهي أن رب المال إذا نهى المضارب عن التصرف ، فإن كان مال المضاربة دراهم أو دنانير صح نهيه غير أنه يصرف الدراهم بالدنانير إن كان رأس مال الشركة دنانير وعكسه فقط ، وإن كان عروضا لم يصح فجعل الطحاوي الشركة كالمضاربة فقال لا تنفسخ ، وبعض المشايخ قالوا : تنفسخ الشركة وإن كان المال عروضا وهو المختار ، وفرقوا بين الشركة والمضاربة بأن مال الشركة في أيديهما معا وولاية التصرف إليهما جميعا فيملك كل نهي صاحبه عن التصرف في ماله نقدا كان أو عرضا ، بخلاف مال المضاربة فإنه بعدما صار عرضا ثبت حق المضارب فيه لاستحقاقه ربحه وهو المنفرد بالتصرف فلا يملك رب المال نهيه .

[ فروع ]

إنكار الشركة فسخ . وقوله لا أعمل فسخ ، حتى لو عمل الآخر كان ضامنا لقيمة نصيب شريكه . وفي الخلاصة : قال : أحد الشريكين لصاحبه : أنا أريد أن أشتري هذه الجارية لنفسي فسكت فاشتراها لا تكون له . ولو قال الوكيل ذلك فسكت الموكل فاشتراها تكون له . ثم فرق فقال إن الوكيل يملك عزل نفسه إذا علم الموكل رضي أم سخط ، بخلاف الشريك فإن أحد الشريكين لا يملك فسخ الشركة إلا برضا صاحبه ا هـ . وهذا غلط ، وقد صحح هو انفراد الشريك بالفسخ والمال عروض والتعليل الصحيح ما ذكر في التجنيس ، فإن أحد المتفاوضين لا يملك تغيير موجبها إلا برضا صاحبه ، وفي الرضا احتمال : يعني إذا كان ساكتا ، والمراد بموجبها وقوع المشترى على الاختصاص .

ولا يشكل على هذا ما ذكر في الخلاصة في ثلاثة اشتركوا شركة صحيحة على قدر رءوس أموالهم فخرج واحد إلى ناحية من النواحي لشركتهم فشارك الحاضران آخر على أن ثلث الربح له والثلثين بينهم أثلاثا ثلثاه للحاضرين وثلثه للغائب فعمل المدفوع إليه بذلك المال [ ص: 196 ] سنين مع الحاضرين ثم جاء الغائب فلم يتكلم بشيء فاقتسموا ولم يزل يعمل معهم هذا الرابع حتى خسر المال أو استهلكه ، فأراد الغائب أن يضمن شريكيه لا ضمان عليهما وعمله بعد ذلك رضا بالشركة ; لأن هذا أخص من السكوت الثابت لما فيه من زيادة العمل .




الخدمات العلمية