الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 401 - 402 ] ( وإذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرما فالبيع فاسد كالبيع بالميتة والدم والخنزير والخمر ، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر ) [ ص: 403 ] قال رضي الله عنه : هذه فصول جمعها ، وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله تعالى فنقول : البيع بالميتة والدم باطل ، وكذا بالحر لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال ، فإن هذه الأشياء لا تعد مالا عند أحد والبيع بالخمر والخنزير فاسد لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال فإنه مال عند البعض [ ص: 404 ] والباطل لا يفيد ملك التصرف ; .

التالي السابق


( و ) أما ( البيع بالخمر والخنزير ) ف ( فاسد لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال فإنه ) أي كل من الخمر والخنزير ( مال عند البعض ) وهم أهل الذمة كما سيصرح به في وجه الفرق حيث قال : إنه مال لأهل الذمة لحلها عندهم ، وهذا من المصنف يفيد انتفاء المالية عنها بالكلية في شرعنا وهو كذلك ، غاية الأمر أن الاصطلاح على تسمية البيع بثمن هو مال في بعض الأديان فاسد ، وبما ليس مالا في دين سماوي باطل وهذا سهل ، وإنما الإشكال في جعل حكمه الملك قلنا فيه نظر نذكره إن شاء الله تعالى ثم قال ( أما بيع الخمر والخنزير ) يعني إذا جعلا مبيعا ( فإن كان بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل ، وإن كان بعين ) بيع المقايضة ( ففاسد . والفرق أن الخمر مال ) في الجملة في شرع ثم أمر بإهانتها في شرع نسخ الأول ، وفي تملكه بالعقد مقصودا إعزاز له حيث اعتبر المقصود من تصرف العقلاء ، بخلاف جعله ثمنا ، وإذا بطل كون الخمر مبيعا فلأن يبطل إذا جعل الميتة والحر مبيعا أولى ، ومقتضى هذا أن يبطل في المقايضة بطريق أولى ; لأن كلا منهما مبيع ، لكن لما كان كل منهما ثمنا أيضا كما أن كلا منهما مبيع ثبت صحة اعتبار الثمنية والمبيعية في كل منهما ، فاعتبر الخمر ثمنا والثوب مبيعا والعكس وإن كان ممكنا لكن ترجح هذا الاعتبار لما فيه من الاحتياط للقرب من تصرف العقلاء المكلفين باعتبار الإعزاز للثوب مثلا فيبقى ذكر الخمر معتبرا لإعزاز الثوب لا الثوب للخمر فوجب قيمة الثوب لا الخمر ، ولا فرق بين أن تدخل الباء على الثوب أو الخمر في جعل الثوب المبيع . وجه البطلان في بيع هذه الأشياء النص ، لقوله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى { ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره } ومعنى أعطى بي : أعطى ذمة من الذمات ، ذكره في صحيح البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح { لعن الله الخمر إلى أن قال : وبائعها } وفي الصحيحين { لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها فأكلوا ثمنها } وحديث { إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه } وأما الإجماع فظاهر . ثم المراد بالميتة التي يبطل العقد بها وعليها التي ماتت حتف أنفها ، أما المنخنقة والموقوذة فهي وإن كانت في حكم الميتة شرعا فإنا نحكم بجوازها إذا وقعت بينهم ; لأنها مال عندهم كالخمر . كذا ذكر المصنف في التجنيس مطلقا عن الخلاف . وفي جامع الكرخي : يجوز بينهم عند أبي يوسف خلافا لمحمد . وجه قول محمد أن أحكامهم كأحكامنا شرعا إلا ما استثنى بعد الأمان ، والذي استثنى الخمر والخنزير فيبقى ما سوى ذلك على [ ص: 404 ] الأصل . واتفق الرواة عن أبي حنيفة أن بيع الأشربة المحرمة تجوز إلا الخمر ، ومنعا جواز كل ما حرم شربه . وثبوت الضمان على القولين فرع الاختلاف في جواز البيع . وقوله في الذخيرة في المنخنقة ونحوها البيع فاسد لا باطل صحيح ; لأنها وإن كانت ميتة عندنا فهي مال عند أهل الذمة فيجب أن البيع فاسد فكانت كالخمر ثم ( الباطل لا يفيد ملك التصرف )




الخدمات العلمية