الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن ولى رجلا شيئا بما قام عليه ولم يعلم المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد ) لجهالة الثمن ( فإن أعلمه البائع ، يعني في المجلس فهو بالخيار ، إن شاء أخذه وإن شاء تركه ) ; لأن الفساد لم يتقرر ، فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس وبعد الافتراق قد تقرر فلا يقبل الإصلاح ، ونظيره بيع الشيء برقمه إذا علم في المجلس ، وإنما يتخير ; لأن الرضا لم يتم قبله لعدم العلم فيتخير كما في خيار الرؤية

التالي السابق


( قوله : ومن ولى رجلا شيئا بما قام عليه ولم يعلم المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد لجهالة الثمن ، فإن أعلمه البائع : يعني في المجلس ) ما قام به عليه ( فهو بالخيار ، إن شاء رد البيع ، وإن شاء قبل ; لأن الفساد ) وإن كان في صلب العقد لكنه ( لم يتقرر ) إنما يتقرر بمضي المجلس ، وهذا يبين أن هذا العقد ونحوه من البيع برقمه قبل معرفة الرقم ينعقد فاسدا له عرضية الصحة ، وهو الصحيح خلافا لما روي عن محمد أنه صحيح له عرضية الفساد ، ولما كان المجلس جامعا للمتفرقات يعتبر الواقع في أطرافه كالواقع معا كان تأخير البيان : أي بيان قدر الثمن ( كتأخير القبول إلى آخر المجلس ) فإنه يجوز ويتصل بالإيجاب السابق أول المجلس ، كذا هذا يكون سكوته عن تعيين الثمن في تحقق الفساد موقوفا إلى آخره ، فإن تبين فيه اتصل بالإيجاب الذي سكت فيه عنه ، وإن انقضى قبله تقرر الفساد فلا ينقلب بعده صحيحا ( وإنما يتخير ) بعد العلم في المجلس ( لأن الرضا لم يتم قبله ) فلم يتم البيع ( كما في خيار الرؤية ) لم يتم الرضا قبل الرؤية فعند وجودها يتخير .



[ فروع ] . اشترى ثوبا ليس له أن يرابح على ذراع منه ; لأن الثمن لا ينقسم على ذرعانه ، ولو رابح على ماله نسبة معلومة منه كنصفه ثلثه ثمنه جاز ، .



ولو اشترى نصف عبد بمائة ثم اشترى النصف الآخر بمائتين فله أن يبيع أي النصفين شاء مرابحة على ما اشتراه به ، وإن شاء باع كله مرابحة على ثلاثمائة ، ويقول قام علي بكذا ، ولو وهب له البائع الثمن كله فله أن يرابح على الثمن كله ، ولو وهب له أو حط عنه بعضه ليس له أن يرابح إلا على ما بقي [ ص: 510 ] ولو باعه الثمن عرضا أو أعطى به رهنا فهلك كان له أن يرابح على الثمن ; لأنه صار قابضا له بهذا الطريق ، ولو اشترى بعشرة جياد ونقده زيوفا فتجوز بها البائع فله أن يرابح على عشرة جياد ، ولو وهب ما اشتراه بعشرة ثم رجع فيه له أن يبيعه مرابحة على العشرة ، وكذا إن باعه ثم رد عليه بعيب أو فساد بيع أو خيار أو إقالة له أن يرابح على الثمن الذي كان اشترى به ، .



[ ص: 510 ] ولو اشترى ثوبا فباعه ثم رجع إليه بميراث أو هبة لم يكن له أن يبيعه مرابحة ; لأنه ما عاد إلى الملك المستفاد بالشراء الأول .



ولو وجد بالمبيع عيبا فرضي به له أن يبيعه مرابحة على الثمن الذي اشتراه به ; لأن الثابت له خيار فإسقاطه لا يمنع من البيع مرابحة كما لو كان فيه خيار شرط أو رؤية ، وكذا لو اشترى مرابحة فاطلع على خيانة فرضي به كان له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به ; لما ذكرنا أن الثابت له مجرد خيار .



ولو اشترى شيئا بغبن فاحش أو بدين له على إنسان وهو لا يشتري بذلك القدر بالغبن فليس له أن يبيعه مرابحة من غير بيان ، ولو اشترى بالدين ما يباع بمثله جاز أن يرابح عليه سواء أخذه بلفظ الشراء أو بلفظ الصلح في رواية ، وفي ظاهر الرواية يفرق بين الصلح والشراء لما تقدم ، لكن الوجه أنه إذا علم أنه ثمنه وجب أن يرابح عليه لأن منع المرابحة ما كان إلا لتهمة الحطيطة ، فإذا تيقن انتفاءها ارتفع المانع بينه وبين الله تعالى ، ولو اشتريا رزمة ثياب فاقتسماها ليس لأحدهما أن يبيع ما خصه مرابحة ، بخلاف ما لو اشتريا مكيلا جنسا واحدا فاقتسماه حيث يجوز ذلك ، ولو اشترى الرزمة واحد فقومها ثوبا ثوبا ليس له أن يبيع ثوبا منها مرابحة على ما قوم إلا ما قدمنا من أنه يقول : قيمة هذا ألف أو قوم هذا بكذا أو أنا أبيعك مرابحة على هذه القيمة كما مر في الرقم بأزيد من ثمنه ، أما لو أسلم في ثوبين ووصفهما بصفة واحدة ليس له أن يبيع أحدهما مرابحة على نصف رأس مال السلم عند أبي حنيفة ، وعندهما يجوز ، ولو باعه نصف ما اشتراه مرابحة على نصف ثمنه إن كان ثوبا واحدا ليس له ذلك ، وإن كان مثليا وهو جنس واحد كطعام أكل نصفه كان له ذلك لانقسام الثمن عليه بالإجزاء ، بخلاف الأول ; لأن انقسامه عليه بالقيمة باعتبار الأوصاف : أعني الذرعان ، ولا ينقسم الثمن باعتبارها ، وعلى هذا ينبغي أن لا يرابح في نصف العبد على نصف الثمن ، ولو اشترى ثيابا صفقة واحدة كل ثوب بكذا فله أن يبيع كل واحد مرابحة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال محمد : لا يرابح حتى يبين أنه اشتراه مع غيره ، ولو باعه بوضيعة ده يازده فطريقه أن يجعل كل درهم من رأس المال أحد عشر جزءا ، فإذا كان الثمن عشرة فتكون الجملة مائة وعشرة فتسقط عشرة فيصير جملة الثمن تسعة وجزءا من أحد عشر جزءا من درهم ،




الخدمات العلمية