الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم ( باب الربا ) .

قال الربا محرم في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه متفاضلا [ ص: 4 ] فالعلة عندنا الكيل مع الجنس والوزن مع الجنس .

قال رضي الله عنه : ويقال القدر مع الجنس وهو أشمل .

والأصل فيه الحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام { الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد ، والفضل ربا } وعد الأشياء الستة : الحنطة والشعير والتمر والملح والذهب والفضة على هذا المثال .

ويروى بروايتين بالرفع مثل وبالنصب مثلا .

ومعنى الأول بيع التمر ، ومعنى الثاني بيعوا التمر ، [ ص: 5 ] والحكم معلوم بإجماع القائسين لكن العلة عندنا ما ذكرناه .

وعند الشافعي رحمه الله : الطعم في المطعومات والثمنية في الأثمان ، والجنسية شرط ، والمساواة مخلص .

والأصل هو الحرمة عنده لأنه نص على شرطين التقابض والمماثلة [ ص: 6 ] وكل ذلك يشعر بالعزة والخطر كاشتراط الشهادة في النكاح ، فيعلل بعلة تناسب إظهار الخطر والعزة وهو الطعم لبقاء الإنسان به والثمنية لبقاء الأموال التي هي مناط المصالح بها ، ولا أثر للجنسية في ذلك فجعلناه شرطا والحكم قد يدور مع الشرط .

ولنا أنه أوجب المماثلة شرطا في البيع وهو المقصود بسوقه تحقيقا لمعنى البيع ، إذ هو ينبئ عن التقابل وذلك بالتماثل ، [ ص: 7 ] أو صيانة لأموال الناس عن التوى ، أو تتميما للفائدة باتصال التسليم به ، ثم يلزم عند فوته حرمة الربا والمماثلة بين الشيئين باعتبار الصورة والمعنى ، والمعيار يسوى الذات ، والجنسية تسوى المعنى [ ص: 8 ] فيظهر الفضل على ذلك فيتحقق الربا ، لأن الربا هو الفضل المستحق لأحد المتعاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه ، ولا يعتبر الوصف لأنه لا يعد تفاوتا عرفا ، أو لأن في اعتباره سد باب البياعات ، أو لقوله عليه الصلاة والسلام { جيدها ورديئها سواء } والطعم والثمنية من أعظم وجوه المنافع ، والسبيل في مثلها الإطلاق بأبلغ الوجوه لشدة الاحتياج إليها دون التضييق فيه فلا معتبر بما ذكره .

[ ص: 3 ]

التالي السابق


[ ص: 3 ] ( باب الربا )

هو من البيوع المنهية قطعا بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا } بسبب زيادة فيه فمناسبته بالمرابحة أن في كل منهما زيادة إلا أن تلك حلال وهذه منهية ، والحل هو الأصل في الأشياء فقدم ما يتعلق بتلك الزيادة على ما يتعلق بهذه ، والربا بكسر الراء المهملة ، وفتحها خطأ ( قوله الربا في كل مكيل أو موزون بيع بجنسه ) وفي عدة من النسخ : الربا محرم في كل مكيل إلى آخره ، وفي كثير منها زيادة " متفاضلا " . الربا يقال لنفس الزائد ، ومنه ظاهر [ ص: 4 ] قوله تعالى { لا تأكلوا الربا } أي الزائد في القرض والسلف على المدفوع والزائد في بيع الأموال الربوية عند بيع بعضها بجنسه ، وسنذكر تفصيلها .

ويقال لنفس الزيادة : أعني بالمعنى المصدري ، ومنه { وأحل الله البيع وحرم الربا } أي حرم أن يزاد في القرض والسلف على القدر المدفوع وأن يزاد في بيع تلك الأموال بجنسها قدرا ليس مثله في الآخر لأنه حينئذ فعل والحكم يتعلق به ، ولا شك أن في قوله : الربا في كل مكيل الأول بغير لفظ محرم لا يراد كل منهما ; لأنه كذب على إسقاط لفظ متفاضلا ، أو لا فائدة فيه بتقدير إثباتها فكان المراد حكم الربا وهو الحرمة ، أما على استعمال الربا في حرمته فيكون لفظ الربا مجازا ، أو على حذفه وإرادته فيكون من مجاز الحذف ، والربا مراد به الزيادة مبتدأ ، والمجرور خبره : أي حرمة الزيادة ثابتة في كل مكيل .

ثم قوله ( فالعلة الكيل مع الجنس أو الوزن مع الجنس ) مرتبا بالفاء لما عرف أن الحكم المرتب على مشتق يوجب كون مبدإ الاشتقاق علته ، ولما رتب الحكم على المكيل والموزون مع الجنس تفرع عليه أن العلة الكيل مع الجنس ( و ) قد ( يقال ) بدل الكيل والوزن ( القدر وهو أشمل ) وأخصر لكنه يشمل ما ليس بصحيح ، إذا يشمل العد والذرع وليسا من أموال الربا : أي علة تحريم الزيادة كونه مكيلا مع اتحاد البدلين في الجنس فهي علة مركبة ( والأصل فيه الحديث المشهور ) [ ص: 5 ] أخرج الستة إلا البخاري عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد } ، وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثله سواء " وزاد بعد قوله { يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى } ، وأخرج مسلم أيضا من حديث أبي سعيد مثله وزاد بعد قوله { فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه } وليس فيه ذكر الذهب والفضة ، والتقدير في هذه الروايات بيعوا مثلا بمثل ، وأما رواية " مثل " بالرفع ففي رواية محمد بن الحسن : حدثنا أبو حنيفة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد والفضل ربا والفضة بالفضة مثل بمثل يد بيد والفضل ربا } وهكذا قال إلى آخر الستة ، وكذا ما روى محمد في كتاب الصرف بإسناده إلى عبادة بن الصامت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد هكذا } إلى آخر الأشياء الستة ، وذكر التمر بعد الملح آخرا .

وفي رواية أبي داود عن عبادة بن الصامت { الذهب بالذهب تبره وعينه والفضة بالفضة تبرها وعينها } إلى أن قال : { ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ، ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد ، وأما النسيئة فلا } انتهى .

ومعلوم أن الجواز في بيع الذهب بالفضة والبر بالشعير لا يقتصر على زيادة الفضة والشعير ، بل لو كان الزائد الذهب والبر جاز ، ولكن ذلك محمول على ما هو المعتاد من تفضيل الذهب على الفضة والبر على الشعير ( قوله والحكم ) يعني حرمة الربا أو وجوب التسوية ( معلول بإجماع القائسين ) أي القائلين بوجوب القياس عند شرطه ، بخلاف الظاهرية ، وكذا عثمان البتي فإن عندهم حكم الربا مقتصر على الأشياء الستة المنصوصة المتقدم ذكرها .

أما الظاهرية فلأنهم ينفون القياس ، وأما عثمان البتي فلأنه يشترط في القياس أن يقوم دليل في كل أصل أنه معلول ولم يظهر له هنا ولأنه يبطل العدد ولا يجوز كما في قوله { خمس من الفواسق } قلنا : تعليق الحكم بالمشتق كالطعام في قوله { لا تبيعوا الصاع بالصاعين } كما سيأتي عند الشافعي دليل ، وسنقيم عليه الدليل .

وأما إبطال العدد فهو بناء على اعتبار مفهوم المخالفة وهو ممنوع ، ولو سلم فالقياس مقدم عليه باتفاق القائلين به ، والإبطال الممنوع هو الإبطال بالنقص ، أما بالزيادة بالعلة فلا ، وتخصيص هذه الستة بالذكر لأن عامة المعاملات الكائنة يومئذ بين المسلمين كان فيها ، وممن نقل عنه قصر حكم الربا على الستة ابن عقيل من الحنابلة ، وهو أيضا مأثور عن قتادة وطاوس ، قيل فانحزم قوله بإجماع القائسين ( قوله لكن العلة عندنا ما ذكرناه ) يعني القدر والجنس فعند اجتماعهما يحرم التفاضل والنساء ، وبأحدهما مفردا يحرم النساء ويحل التفاضل كما سيأتي ( وعند الشافعي الطعم في المطعومات والثمنية في الأثمان والجنسية شرط والمساواة مخلص ) من الحرمة ( وهي ) أعني الحرمة ( الأصل ) وعند مالك العلة [ ص: 6 ] الاقتيات والادخار ، فكل ما يقتات ويدخر فهو ربا وما لا فلا ، لأنه صلى الله عليه وسلم خص البر وما ذكر معه ليفيد بكل معنى ظاهرا فيه ، فنبه بالبر على مقتات تعم الحاجة إليه وتقوم الأبدان به ، والشعير يشاركه فيه مع كونه علفا وقوتا لبعض الناس عند الاضطرار فيلحق به الذرة ونحوها ، ونبه بالتمر على كل حلاوة تدخر غالبا كالعسل والسكر والزبيب ، وبالملح على أن ما أصلح المقتات من المأكولات فهو في حكمها فيلحق الأبازير وما في معناها ، والذهب والفضة معللان بعلة قاصرة عندهم وهي كونهما قيم الأشياء وأصول الأثمان .

وقال الشافعي في القديم : العلة الطعم مع الكيل أو الوزن ، وفي الجديد : هي الطعم فقط في الأربعة والثمنية في النقدين ، ومنهم من يجعلها عينهما والتعدي إلى الفلوس الرائجة وجه .

والصحيح أنه لا ربا فيها لانتفاء الثمنية الغالبة وهو قول أحمد في رواية ، والجنسية شرط عمل العلة وعن هذا لم يجعل الجنس بانفراده يحرم نساء . وعلى الجديد يحرم الربا في الماء ، وجه قوله قوله : صلى الله عليه وسلم { الطعام بالطعام مثلا بمثل } رواه مسلم ، والطعام مشتق من الطعم فكان مبدأ الاشتقاق علة ، وروي { لا تبيعوا الطعام } إلى آخره . فأفاد أن الحرمة أصل والمساواة مخلص منها ، إذ لو اقتصر على قوله " لا تبيعوا " لم يجز بيع أحدهما بالآخر مطلقا ، فما لم تثبت المساواة كانت الحرمة ثابتة لأنها هي الأصل فامتنع بيع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين والتمرة بالتمرتين والجوزة بالجوزتين والبيضة بالبيضتين ، والتعليل بالقدر يقتضي تخصيص هذا النص ، إذا يجوز الحفنة بالحفنتين ، وهذا الطريق يفيد أنها علة منصوصة ، ولو أخذنا في استنباط علته أدانا إلى هذه العلة أيضا .

ووجهه أنه نص على شرطي التقابض والتماثل وهذا الاشتراط ( يشعر بالعزة والخطر كاشتراط الشهادة في النكاح ) فوجب تعليله بعلة توجب العزة والخطر ، وفي الطعم ذلك لتعلق بقاء النفوس به والثمنية التي بها يتوصل إلى تحصيل العروض التي بها حصول المقاصد الأصلية من بقاء النفس وغيرها من حصول الشهوات ( ولا أثر للجنسية ) والقدر ( في ذلك ) أي في إظهار العزة والخطر ( فجعلناه شرطا ، والحكم قد يدور مع الشرط ) كالرجم مع الإحصان ( ولنا أنه ) أي النص المشهور ( أوجب التماثل شرطا للبيع ) وإيجاب المماثلة ( هو المقصود بسوق الحديث ) إذا لا بد فيه من إضمار لفظ بيعوا حيث انتصب مثلا : أي بيعوا هذه الأشياء مثلا بمثل ، [ ص: 7 ] وبهذا تبين أن الإباحة في بيع الأموال الربوية بعضها ببعض هي الأصل .

وقوله { لا تبيعوا الطعام } الحديث إنما ينصرف النهي إلى ما بعد إلا نحو ما جاء زيد إلا راكبا ، وحاصله الأمر بالتسوية عند بيعها ، ولا شك أن في إيجاب المماثلة تحقيقا لمعنى البيع المنبئ عن التقابل إذ كان عقد معاوضة فاستدعى شيئين كما أن المماثلة تستدعي شيئين وكذا تحقيق معناه بالتماثل فإن كلا منهما مساو للآخر في كونه مستدعي العقد فسوى بينهما في المماثلة عند اتحاد الجنس في القدر ليتم معنى البيع ( أو ) أوجب المماثلة ( صيانة لأموال الناس عن التوى ) فإنه إذا قوبل بجنسه قابل كل جزء كل جزء ، فإذا كان فضل في أحدهما صار ذلك الفضل تاويا على مالكه ، فلقصد صيانة أموال الناس عن التوى أوجب المماثلة ، بخلاف ما إذا قوبل المال بغير جنسه فإنه لا يتحقق فيه جزء لم يقابل بجزء من الآخر فلا يتحقق التوى إلا عند المقابلة بالجنس مع تحقق الفضل في إحدى الجهتين ، ثم من تتميم التماثل المساواة في التقابض فإن للحال مزية على المؤخر فإيجاب التقابض أيضا لذلك وبه ظهر قصد المبالغة في الصيانة عن التفاوت حفظا عليهم أموالهم ( والمماثلة بين الشيئين ) تمامها ( باعتبار الصورة والمعنى والمعيار يسوى الذات ) أي الصورة ( والجنسية تسوى المعنى [ ص: 8 ] فيظهر بذلك الفضل فيتحقق الربا ، لأن الربا هو الفضل المستحق لأحد المتعاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه ) أي في العقد ، وعلمت أن الخلو في المعاوضة لا يتحقق إلا عند المقابلة بالجنس فلزم ما قلنا من الكيل أو الوزن مع الجنس ( ولم يعتبر ) في إثبات المماثلة عدم تفاوت ( الوصف ) إما ( لأنه لا يعد تفاوتا عرفا ) وفيه نظر ( أو لأن في اعتباره سد باب البياعات ) وهو الوجه لأنه قلما يخلو عوضان من جنس عن تفاوت ما فلم يعتبر .

وقوله صلى الله عليه وسلم { جيدها ورديئها سواء } إن صح يفيده ، وإلا فهو مفاد من حديث بيع التمر بالجنيب والإجماع عليه ، وعلة إهداره ما ذكرنا ، وعند تأمل هذا الكلام يتبادر أن المتناظرين لم يتواردا على محل واحد ، فإن الشافعي وكذا مالك عينوا العلة بمعنى الباعث على شرع الحكم ، وهؤلاء عينوا العلة بمعنى المعرف للحكم ، فإن الكيل يعرف المماثلة فيعرف الجواز وعدمها فيعرف الحرمة .

فالوجه أن يتحد المحل وذلك بجعلها الطعم والاقتيات إلى آخر ما ذكروا عندهم . وعندنا هي قصد صيانة أموال الناس وحفظها عليهم ، وظهور هذا القصد من إيجاب المماثلة في المقدار والتقابض أظهر من أن يخفى على من له أدنى لب فضلا عن فقيه .

وأما الطعم فربما يكون التعليل به من فساد الوضع لأن الطعم مما تشتد الحاجة إليه اشتدادا تاما ( والسبيل في مثل ذلك الإطلاق بأبلغ الوجوه دون التضييق ) فإن السنة الإلهية جرت في حق جنس الإنسان أن ما كانت الحاجة إليه أكثر كان إطلاق الشرع فيه أوسع كالماء والكلإ للدواب ، فإن قال : دل الترتيب على المشتق عليه ، قلنا : ذلك بشرط كونه صالحا مناسبا للحكم على أنا نمنع [ ص: 9 ] أن الطعام مشتق بل هو اسم لبعض الأعيان الخاصة وهو البر والشعير لا يعرف المخاطبون بهذا الخطاب غيره بل التمر وهو غالب مأكولهم لا يسمونه طعاما ولا يفهمونه من لفظ الطعام ; ألا ترى أن مالكا فيما قدمنا أجاز التصرف في كل مبيع قبل القبض سوى الطعام ، قال : لأنه صلى الله عليه وسلم خصه بالذكر ولم يرد كل ما يؤكل أو يشرب من البقل والماء والطين الأرمني ، وهو صحيح لولا دليل آخر عمه .

وإلحاقه بالبضع فيه خلل لأن البضع مصون شرعا وعرفا وعادة عن الابتذال والإباحة فكان الاشتراط من تحقيق غرض الصيانة ، بخلاف باقي الأموال فإن أصلها الإباحة ، ويوجد كثير منها مباحا حتى الذهب والفضة ، وإنما لزم فيها العقد بعد تعلق حق إنسان به دفعا لمفسدة التغالب فوضعها على ضد وضع البضع من الابتذال والامتهان دفعا للحوائج الأصلية فإلحاقها به غير صحيح ، إلا أنهم لما حصروا المعرف في الكيل والوزن أجازوا بيع ما لا يدخل تحت الكيل مجازفة ، فأجازوا بيع التفاحة بالتفاحتين والحفنة من البر بحفنتين لعدم وجود المعيار المعرف للمساواة فلم يتحقق الفضل ، ولهذا كان مضمونا بالقيمة عند الإتلاف لا بالمثل ، وهذا في غير الجوز من العددي المتقارب . أما فيه فكلام فخر الإسلام أن الجوزة مثل الجوزة في ضمان العدوان ، وكذا التمرة بالتمرة لا في حكم الربا ، لأن الجوزة ليست مثلا للجوزة لعدم دليل المماثلة ولوجود التفاوت ، إلا أن الناس أهدروا التفاوت فقبل في حقهم وهو ضمان العدوان فأما في حق الشرع وهو وجوب التسوية فلا .

ومن فروع ضمان ما دون نصف صاع بالقيمة أنه لو غصب حفنة فعفنت عنده ضمن قيمتها ، فإن أبى إلا أن يأخذ عينها أخذها ولا شيء له في مقابلة الفساد الذي حصل لها . وعند الشافعي لما كانت الطعم حرم الحفنة والتفاحة بثنتين وقالوا ما دون نصف صاع في حكم الحفنة لأنه لا تقدير في الشرع بما دونه ، فعرف أنه لو وضعت مكاييل أصغر من نصف الصاع لا يعتبر التفاضل بها ، وهذا إذا لم يبلغ أحد البدلين نصف صاع ، فإن بلغ أحدهما نصف صاع لم يجز حتى لا يجوز بيع نصف صاع فصاعدا بحفنة .

وفي جمع التفاريق قيل : لا رواية في الحفنة بقفيز واللب بالجوز ، والصحيح ثبوت الربا ، ولا يسكن الخاطر إلى هذا بل يجب بعد التعليل بالقصد إلى صيانة أموال الناس تحريم التفاحة بالتفاحتين والحفنة بالحفنتين ، أما إن كانت مكاييل أصغر منها كما في ديارنا من وضع ربع القدح وثمن القدح المصري فلا شك ، وكون الشرع لم يقدر بعض [ ص: 10 ] المقدرات الشرعية في الواجبات المالية كالكفارات وصدقة الفطر بأقل منه لا يستلزم إهدار التفاوت المتيقن ، بل لا يحل بعد تيقن التفاضل مع تيقن تحريم إهداره ، ولقد أعجب غاية العجب من كلامهم هذا .

وروى المعلى عن محمد أنه كره التمرة بالتمرتين وقال : كل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام




الخدمات العلمية