الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 86 ] قال ( ولا يجوز السلم إلا مؤجلا ) وقال الشافعي رحمه الله : يجوز حالا لإطلاق الحديث ورخص في السلم . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { إلى أجل معلوم } فيما روينا ، ولأنه شرع رخصة دفعا لحاجة المفاليس فلا بد من الأجل ليقدر على التحصيل فيه فيسلم ، [ ص: 87 ] ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص فبقي على النافي .

التالي السابق


( قوله ولا يجوز السلم إلا مؤجلا ) وهو مذهب مالك وأحمد رحمهم الله ( وقال الشافعي رحمه الله : يجوز السلم الحال ) بأن يقول مثلا : أسلمت هذه العشرة في كر حنطة صفتها كذا وكذا إلى آخر الشروط .

وبه قال عطاء وأبو ثور وابن المنذر ( لإطلاق النص ) وهو قوله ( ورخص في السلم ) والظاهر أنهم لا يستدلون به لأنهم أهل حديث . وهذا لا يثبت إلا من كلام الفقهاء وإنما الوجه عندهم أنه لا دليل في اشتراط الأجل فوجب نفيه ، وربما استدلوا على نفيه بأنه لو شرط الأجل لكان لتحصيل القدرة على التسليم التي هي شرط جواز العقد وهي ثابتة ، والظاهر من حال العاقد أنه لا يلتزم تسليم ما لا يقدر عليه والفرض وجود المسلم فيه فيقدر عليه ، [ ص: 87 ] ولو لم يكن قادرا حقيقة فقد ثبتت قدرته بما دخل في يده من رأس المال ولهذا أوجبنا تسليم رأس المال ، بخلاف الكتابة الحالة فإن العبد يخرج بالكتابة من يد مولاه من غير أن يدخل في ملكه شيء فلا يصير قادرا على تسليم بدل الكتابة .

وأما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم { من أسلم منكم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم } فليس معناه الأمر بالتأجيل في السلم فيمنع الحال ، بل معناه : من أسلم في مكيل فليسلم في مكيل معلوم أو في موزون فليسلم في موزون معلوم أو إلى أجل فليكن إلى أجل معلوم ، لأنه لو لم يكن كذلك لكان أيضا أمرا بأن يكون السلم في مكيل أو موزون فلم يجز في المعدود والمذروع لأن النسق في الفصول الثلاثة واحد .

ونحن نقول : لا شك أن أهل الإجماع قاطبة في إخراجه من ذلك الحكم العام للترخيص للمفاليس المحتاجين إلى نفقة عاجلة قادرين على البدل بقدرة آجلة فلا يتحقق محل الرخصة إلا مع ذكر الأجل فلا يجوز في غيره ، وكونه قادرا حال العقد لم يتحقق المبيح في حقه . ولما كان جوازه للحاجة وهي باطنة أنيط بأمر ظاهر كما هو المستمر في قواعد الشرع كالسفر للمشقة ونحوه وهو ذكر الأجل فلم يلتفت بعد ذلك إلى كون المبيع معدوما من عند المسلم إليه حقيقة أو موجودا قادرا هو عليه ، فقول المصنف ( ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص ) معناه لو لم يذكر الأجل . والله تعالى أعلم .

وقولهم : الغرر في السلم الحال أقل منه في المؤجل بعدما ذكرنا لا يفيد شيئا : أعني بعدما بينا من أن شرعيته لدفع حاجة المحتاج إلى المال العاجز عن العوض في الحال ، فإن الغرر قد يحمل فيه لتلك الحاجة وهي منتفية في السلم الحال




الخدمات العلمية