الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 156 ] قال ( ويجوز البيع بالفلوس ) لأنها مال معلوم ، فإن كانت نافقة جاز البيع بها وإن لم تتعين لأنها أثمان بالاصطلاح ، وإن كانت كاسدة لم يجز البيع بها حتى يعينها لأنها سلع فلا بد من تعيينها ( وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت بطل البيع عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما ) وهو نظير الاختلاف الذي بيناه .

التالي السابق


( قوله ويجوز البيع بالفلوس ) لأنها نوع من أنواع المال ( فإن كانت نافقة جاز البيع وإن لم تتعين ) بل لو عينت لا تتعين وللعاقد أن يدفع غير ما عين ( لأنها ) حينئذ ( أثمان ) كالدراهم حتى لو هلكت قبل القبض لا ينفسخ العقد ويجوز ، ولو استبدل بها جاز ، ولو باع فلسا بفلسين يجوز على ما سلف في باب الربا ; ولو باع فلسا بغير عينه بفلسين بأعيانهما لا يجوز لأن الفلوس الرائجة أمثال متساوية وضعا لاصطلاح الناس على سقوط قيمة الجودة فيكون ربا ، وإن كانت كاسدة فهي مبيعة لا يصح العقد عليها ما لم تتعين ( وإذا باع الفلوس النافقة ثم كسدت قبل القبض بطل البيع عند أبي حنيفة خلافا لهما ، وهو نظير الاختلاف الذي بيناه ) أي في الدراهم الغالبة الغش يبطل البيع عنده لا عندهما ، ثم تجب قيمتها يوم البيع عند أبي يوسف ، وعند محمد يوم الانقطاع ، هكذا ذكر القدوري الخلاف .

والذي في الأصل وشرح الطحاوي والأسرار البطلان من غير ذكر خلاف سوى خلاف زفر رحمه الله . استدل بما تقدم من انقطاع الرطب المشترى به وإباق العبد المبيع قبل التسليم وتخمير العصير المشترى قبل التسليم لا يبطل [ ص: 157 ] العقد فيها ، وأجيب بما تقدم في الرطب . وأما العبد فماليته لم تبطل بالإباق بل هو مال باق حيث هو ، وإنما عرض العجز عن التسلم وكذا بالتخمر لم يزل عن ملك المالك بل عجز عن تسليمه شرعا ، بخلاف الكساد لهلاك الثمن به ، إلا أن الذي يقتضيه النظر ثبوت الخلاف كما ذكر القدوري ، إذ لا فرق بين كساد المغشوشة وكساد الفلوس إذ كل منهما سلعة بحسب الأصل ثمن بالاصطلاح ، فإن غالبة الغش الحكم فيها للغالب وهو النحاس مثلا ، فلو لم ينص على الخلاف في الفلوس وجب الحكم به .

وفي شرح الطحاوي : لو اشترى مائة فلس بدرهم وقبض الفلوس أو الدرهم ثم افترقا جاز البيع لأنهما افترقا عن عين بدين وقد قدمناه ، فإن كسدت الفلوس بعد ذلك فإنه ينظر إن كان الفلس هو المقبوض لا يبطل البيع ; لأن كسادها كهلاكها . وهلاك المعقود عليه بعد القبض لا يبطل البيع ، وإن كان الفلس غير مقبوض بطل البيع استحسانا ; لأن كساد الفلوس كهلاكها ، وهلاك المعقود عليه قبل القبض يبطل العقد ، والقياس أن لا يبطل لأنه قادر على أداء ما وقع العقد عليه .

وقال بعض مشايخنا : إنما يبطل العقد إذا اختار المشتري إبطاله فسخا لأن كسادها كعيب فيها والمعقود عليه إذا حدث به عيب قبل القبض يثبت للمشتري فيه الخيار والأول أظهر .

ولو نقد الدرهم وقبض نصف الفلوس ثم كسدت الفلوس قبل أن يقبض النصف الآخر بطل البيع في نصفها ، وله أن يسترد نصف الدرهم وعلى هذا لو اشترى فاكهة أو شيئا بعينه بفلوس ثم كسدت وقد قبض المبيع فسد البيع ، وعليه أن يرد المبيع إن كان قائما أو القيمة أو مثله ، وهذا معلوم مما ذكرنا إلا أن أبا يوسف قال في هذا : إن عليه قيمة الفلوس ولا يفسد البيع ، وفرق بين هذا وبين المسألة الأولى وهي ما إذا باع الفلوس بدرهم ; لأن هناك لو أوجبنا رد قيمة الفلوس يتمكن فيه الربا وهاهنا لا يتمكن . وفي المسألتين جميعا إذا لم تكسد الفلوس غير أن قيمتها غلت أو رخصت لا يبطل البيع وعليه أن يدفع العدد الذي عينه منها .




الخدمات العلمية