الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا قرأ الإمام من المصحف فسدت صلاته عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا هي تامة ) لأنها عبادة انضافت إلى عبادة أخرى [ ص: 403 ] ( إلا أنه يكره ) لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب . ولأبي حنيفة رحمه الله أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير ، ولأنه تلقن من المصحف فصار كما إذا تلقن من غيره ، وعلى هذا لا فرق بين الموضوع والمحمول ، وعلى الأول يفترقان ، ولو نظر إلى مكتوب وفهمه فالصحيح أنه لا تفسد صلاته بالإجماع بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد رحمه الله لأن المقصود هنالك الفهم ، أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير ولم يوجد .

[ ص: 404 ]

التالي السابق


( قوله وعلى الأول يفترقان ) فيحمل ما روي عن ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها أنه كان يؤم بها في شهر رمضان وكان يقرأ من المصحف على أنه كان موضوعا ، وعلى الثاني كون تلك مراجعة كانت قبيل الصلاة ليكون بذكره أقرب ، وهو المعول عليه في دفع قول الشافعي يجوز بلا كراهة { لأنه صلى الله عليه وسلم صلى حاملا أمامة بنت أبي العاص على عاتقه فإذا سجد وضعها . وإذا قام حملها } فإن هذه الواقعة ليس فيها تلقن ، وتحقيقه أنه قياس قراءة ما تعلمه في الصلاة من غير معلم حي عليها من معلم حي بجامع أنه تلقن من خارج وهو المناط في الأصل فقط ، فإن فعل الخارج لا أثر له في الفساد بل المؤثر فعل من في الصلاة وليس منه إلا التلقن ، ولم يفصل في الجامع بين القليل والكثير في الإفساد ، وقيل إن قرأ آية تفسد ، وقيل بل قدر الفاتحة ولو كان يحفظ إلا أنه نظر فقرأ لا تفسد ( قوله فالصحيح ) احتراز عن قول من قال إن كان مستفهما فسدت على قول محمد خلافا لأبي يوسف قياسا على مسألة اليمين وجوابها من الكتاب ظاهر .

وقولهم لأنه تلقن غلط ، إذ المفسد التلقن المقترن بقول ما تلقنه وهو منتف ، وهذا الكلام في مكتوب غير قرآن ، أما في القرآن لا تفسد اتفاقا ( قوله أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير ) واختلفوا في حده ، فقيل ما يحصل بيد واحدة قليل وبيدين كثير ، وقيل لو كان بحال لو رآه إنسان من بعيد تيقن أنه ليس في الصلاة فهو كثير ، وإن كان يشك أنه فيها أو لم يشك أنه فيها فقليل وهو اختيار العامة . وقيل يفوض إلى رأي المصلي إن استكثره فكثيره مفسد وإلا لا .

قال الحلواني : هذا أقرب إلى مذهب أبي حنيفة



[ ص: 404 ] ومن الفروع المؤسسة : لو أرضعت ابنها أو رضعها هو فنزل لبنها فسدت ، ولو مص مصة أو مصتين ولم تنزل لم تفسد ، وبثلاث تفسد وإن لم تنزل ، ولو مس المصلية بشهوة أو قبلها ولو بغير شهوة تفسد ، ولو قبلت المصلي ولم يشتهها لم تفسد . كذا في الخلاصة ، والله أعلم بوجه الفرق .

ولو رأى فرج المطلقة رجعيا بشهوة يصير مراجعا ، ولا تفسد في رواية وهو المختار . ولو كتب ثلاث كلمات أو دهن رأسه أو لحيته أو اكتحل أو جعل ماء الورد على رأسه بأن تناول القارورة فصب على يده أو سرح أحدهما أو نتف ثلاث شعرات بمرات أو حك ثلاثا في ركن يرفع يده كل مرة أو قتل القملة بمرار متداركا أو رمى عن قوس أو ضرب إنسانا .

كذلك أو دفع المار بيده أو رأسه أو تعمم أكثر من كورين أو تخمرت أو شد السراويل أو زر القميص أو لبسه أو الخفين أو مشى قدر صفين دفعة أو تقدم أمام الوجه أكثر من قدر صف أو ساق الدابة بمد رجليه تفسد ، لا إن كسب أو شرب أو تعمم أو حك أو مشى أو نتف أقل مما عيناه أو غير متدارك أو لم يتناول القارورة بل كان في يده فمسح بها أو نزع اللجام أو القميص أو ساق برجل واحدة لا تفسد . وقولهم إذا دفع المار بيده تفسد يجب أن يحمل على التكرر دون فترة ليكون عملا كثيرا ، وإلا فالدفعة الواحدة عمل قليل



. وقد قالوا في قتل الحية إنه إذا كان بعمل قليل لا تفسد . وبالكثير تفسد . بل اختار السرخسي أنها لا تفسد بالكثير أيضا لأنه مرخص فيه بالنص فكان كالمشي الكثير في سبق الحدث ، ولا شك أن هذا كذلك بالنص .

وهو ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان } وسنتكلم فيه عند مسألة قتل الحية فلا أقل من تقييد الفساد بكونه كثيرا




الخدمات العلمية