الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق ، ويكره أن يقوم في الطاق ) لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام [ ص: 413 ] بالمكان ، بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق ( ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان ) لما قلنا ( وكذا على القلب في ظاهر الرواية ) لأنه ازدراء بالإمام ( ولا باس بأن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث ) [ ص: 414 ] لأن ابن عمر رضي الله عنهما ربما كان يستتر بنافع في بعض أسفاره ( ولا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق ) لأنهما لا يعبدان ، وباعتباره تثبت الكراهة

التالي السابق


( قوله في الطاق ) أي المحراب ، وفيه طريقان : كونه يصير ممتازا عنهم ، وكي لا يشتبه على من عن يمينه ويساره حاله حتى إذا كان بجنبتي الطاق عمودان وراءهما فرجتان يطلع منها أهل الجهتين على حاله لا يكره ، وإنما هذا بالعراق لأن محاريبهم مجوفة مطوقة ، فمن اختار هذه الطريقة لا يكره عنده إذا لم يكن كذلك ، ومن اختار الأولى يكره عنده مطلقا .

ولا [ ص: 413 ] يخفى أن امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه ، وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ، ولا أثر لذلك فإنه بني في المساجد المحاريب من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو لم تبن كانت السنة أن يتقدم في محاذاة ذلك المكان لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب ، إذ قيامه في غير محاذاته مكروه ، وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام .

ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل فلا تشبه . ( قوله بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق ) أي ورجلاه خارجها فإنه لا يكره لأن العبرة للقدم في مكان الصلاة حتى يشترط طهارته رواية واحدة ، بخلاف مكان السجود إذ فيه روايتان ، ولذا لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بوضع القدم وإن كان باقي بدنه خارجها ، والصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارجه صيد الحرم ففيه الجزاء .

( قوله وحده ) احتراز مما إذا كان معه بعض القوم فإنه لا يكره ( قوله لما قلنا ) من أنه تشبه بأهل الكتاب فإنهم يخصون إمامهم بالمكان المرتفع فقوله في ظاهر الرواية احتراز عن رواية الطحاوي أنه لا يكره لعدم مناطها وهو التشبه فإنهم لا يخصونه بالمكان المنخفض . والجواب أن الكراهة هنا لمعنى آخر وهو ما ذكر في الكتاب . واختلف في مقدار الارتفاع الذي تتعلق به الكراهة فقيل قدر القامة ، وقيل ما يقع به الامتياز ، وقيل ذراع كالسترة .

وهو المختار والوجه أوجهية الثاني لأن الموجب هو شبه الازدراء يتحقق فيه غير مقتصر على قدر الذراع ( قوله يتحدث ) لإفادة نفي الكراهة بحضرة المتحدثين خلافا للقائلين وكذا بحضرة النائمين . وما روي عنه صلى الله عليه وسلم { لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث } فضعيف ، وقد صح { أنه صلى الله عليه وسلم صلى وعائشة رضي الله عنها نائمة معترضة بينه وبين القبلة } . قاله الخطابي . وقد يقال : لم تكن عائشة رضي الله عنها نائمة بل مضطجعة ، ولذا قالت : فكان إذا سجد غمزني فقبضت رجلي .

فإذا قام بسطتها إلا أن يقال : كان ذلك الغمز المتكرر مرارا إيقاظا ، لكن ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة ، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت } يقتضي أنها كانت نائمة لا مضطجعة يقظى . وقد يستدل بما في مسند البزار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين } وإن قال البزار لا نعلمه إلا عن ابن عباس .

[ ص: 414 ] ويجاب بأن محمله إذا كانت لهم أصوات يخاف منها التغليظ أو الشغل ، وفي النائمين إذا خاف ظهور صوت يضحكه وقدمنا أن في كون ظهر النائم سترة اختلافا ( قوله لأن ابن عمر ربما كان يستتر بنافع ) روى ابن أبي شيبة عن نافع قال كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية قال لي : ول ظهرك . وما روى البزار عن علي رضي الله عنه { أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة } واقعة حال لا تستلزم كونه كان إلى ظهره لجواز كونه كان مستقبله فأمره بالإعادة لرفع الكراهة .

وهو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة ، ولو صلى إلى وجه إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره ( قوله وباعتباره تثبت الكراهة ) قدم المعمول لقصد إفادة الحصر فيفيد الرد على من قال من الناس بالكراهة لأن السيف آلة الحرب والبأس فيكره استقباله في مقام الابتهال ، وفي استقبال المصحف تشبه بأهل الكتاب . والجواب أن استقبالهم إياه للقراءة منه لا لأنه من أفعال تلك العبادة ، وقد قلنا بكراهة استقباله لذلك .

والحال ابتهال إلى الله تعالى فهي محاربة للشيطان والنفس المخالفة . وعن هذا سمي المحراب




الخدمات العلمية