الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا بأس أن يصلي على بساط فيه تصاوير ) لأن فيه استهانة بالصور ( ولا يسجد على التصاوير ) لأنه يشبه عبادة الصورة ، وأطلق الكراهة في الأصل لأن المصلى [ ص: 415 ] معظم ( ويكره أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو بحذائه تصاوير أو صورة معلقة ) { لحديث جبريل : إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة } ، ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو للناظر لا يكره لأن الصغار جدا لا تعبد [ ص: 416 ] ( وإذا كان التمثال مقطوع الرأس ) أي ممحو الرأس ( فليس بتمثال ) لأنه لا يعبد بدون الرأس وصار كما إذا صلى إلى شمع أو سراج على ما قالوا ( ولو كانت الصورة على وسادة ملقاة أو على بساط مفروش لا يكره ) لأنها تداس وتوطأ ، بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة أو كانت على السترة لأنه تعظيم لها ، وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلي ثم من فوق رأسه ثم على يمينه ثم على شماله ثم خلفه ( ولو لبس ثوبا فيه تصاوير يكره ) لأنه يشبه حامل الصنم ، والصلاة جائزة في جميع ذلك لاستجماع شرائطها ، وتعاد على وجه غير مكروه ، وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة ( ولا يكره تمثال غير ذي الروح ) لأنه لا يعبد

التالي السابق


( قوله فيه تصاوير ) في المغرب الصورة عام في ذي الروح وغيره ، والتمثال خاص بمثال ذي الروح لكن المراد هنا ذو الروح ، فإن غير ذي الروح لا يكره كالشجر ، وفيه عن ابن عباس الأثر قال للمصور : إن كنت لا بد فاعلا فعليك بتمثال غير ذي الروح ( قوله وأطلق الكراهة في الأصل ) أي يكره أن يسجد على الصورة أولا ، وقيدها في الجامع بأن يكون في موضع سجوده .

فإن كانت في موضع قيامه وقعوده لا يكره لما فيه من الإهانة . وجه ما في الأصل أن المصلي : أي السجادة التي يصلى عليها معظم فوضع الصورة فيه تعظيم لها حيثما كانت منه ، بخلاف [ ص: 415 ] وضعها على البساط الذي لم يعد للصلاة ( قوله ويكره أن تكون فوق رأسه ) أي تكره الصلاة وفوق رأسه إلخ ، فلو كانت الصورة خلفه أو تحت رجليه ففي شرح عتاب لا تكره الصلاة .

ولكن تكره كراهة جعل الصورة في البيت للحديث { إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة } وإلا أن هذا يقتضي كراهة كونها في بساط مفروش ، وعدم الكراهة إذا كانت خلفه وصريح كلامهم في الأول خلافه . وقوله وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلي إلى أن قال : ثم خلفه يقتضي خلاف الثاني أيضا ، لكن قد يقال كراهة الصلاة تثبت باعتبار التشبه بعبادة الوثن وليسوا يستدبرونه ولا يطؤنه فيها ففيما يفهم مما ذكرنا من الهداية نظر .

وقد يجاب بأنه لا بعد في ثبوتها في الصلاة باعتبار المكان كما كرهت الصلاة في الحمام على أحد التعليلين ، وهو كونها مأوى الشياطين ، وهو متحقق هنا لأن امتناع الملائكة من الدخول للصورة مع تسلط الشياطين لا يكون إلا لمانع يوجب ذلك ، وكذا لو لم يتحقق كالأرض المغصوبة فإنه ثبتت كراهة الصلاة في خصوص مكان باعتبار معنى فيه نفسه لا فيها . فإن قيل : فلم لم يقل بالكراهة وإن كانت تحت القدم وما ذكرت يفيده لأنها في البيت .

وكذا ظاهر الحديث المذكور في الكتاب وهو ما أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها { واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في ساعة يأتيه فيها ، فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصا فألقاها ، وقال : ما يخلف الله وعده ولا رسوله ، ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ متى دخل هذا الكلب هاهنا ؟ فقالت : والله ما دريت ، فأمر به فأخرج ، فجاء جبريل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : واعدتني فجلست لك فلم تأت فقال : منعني الكلب الذي كان في بيتك ، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة } انتهى .

وبه يعترض على المصنف أيضا حيث كان دليله عاما لجميع الصور ، وهو يقول لا يكره كونها في وسادة ملقاة إلى آخر ما ذكر . فالجواب لا يكره جعلها في المكان كذلك لتعدى إلى الصلاة . وحديث جبريل مخصوص بذلك ، فإنه وقع في صحيح ابن حبان ، وعند النسائي { استأذن جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادخل ، فقال : كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير ، فإن كنت لا بد فاعلا فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطا } ولم يذكر النسائي اقطعها وسائد .

وفي البخاري في كتاب المظالم عن عائشة رضي الله عنها { أنها اتخذت على سهوة لها سترا فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت فاتخذت منه نمرقتين فكانت في البيت تجلس عليهما } زاد أحمد في مسنده { ولقد رأيته متكئا على إحداهما وفيها صورة } ( قوله بحيث لا تبدو للناظر ) أي على بعد ما ، والكبيرة ما تبدو على البعد ( قوله لأنها لا تعبد ) فليس لها حكم الوثن فلا يكره في البيت .

ونقل أنه كان على خاتم [ ص: 416 ] أبي هريرة ذبابتان . ولما وجد خاتم دانيال وجد عليه أسد ولبوة بينهما صبي يلحسانه ، وذلك أن بخت نصر قيل له يولد مولود يكون هلاكك على يديه ، فجعل يقتل من يولد ، فلما ولدت أم دانيال إياه ألقته في غيضة رجاء أن يسلم . فقيض الله له أسدا يحفظه ولبوة ترضعه فنقشه بمرأى منه ليتذكر نعم الله تعالى ( قوله أي ممحو الرأس ) فسر به احترازا من أن تقطع بخيط ونحوه فإنه لا ينفي الكراهة ، لأن بعض الحيوانات مطوق فلا يتحقق قطعه إلا بمحوه ، وهو بأن يجعل الخيط على كل رأسه بحيث يخفى أو يطليه بطلاء يخفيه أو يغسله أو نحو ذلك ، أما لو قطع يديها ورجليها لا ترتفع الكراهة لأن الإنسان قد تقطع أطرافه وهو حي ( قوله على ما قالوا ) يشعر بالخلاف ، وقيل يكره .

والصحيح الأول ، لأنهم لا يعبدونه بل الضرام جمرا أو نارا ( قوله وتعاد ) صرح بلفظ الوجوب الشيخ قوام الدين الكاكي في شرح المنار ، ولفظ الخبر المذكور : أعني قوله وتعاد ، يفيده أيضا على ما عرف ، والحق التفصيل بين كون تلك الكراهة كراهة تحريم فتجب الإعادة أو تنزيه فتستحب ، فإن كراهة التحريم [ ص: 417 ]

في رتبة الواجب ، فإن الظني إن أفاد المنع بدلالة قطعية : أعني بطريق الحقيقة مجرد عن القرائن الصارفة عنه ، فالثابت كراهة التحريم ، وإن أفاد إلزام الفعل كذلك فالوجوب ، وإن أفاد ندب المنع فتنزيهية أو الفعل فالمندوب ولذا كان لازمهما معنى واحدا وهو ترتب الإثم بترك مقتضاهما




الخدمات العلمية