الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 500 - 501 ] قال ( كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره ) لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال فيحتاج إلى أن يوكل غيره فيكون بسبيل منه دفعا للحاجة [ ص: 502 ] وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل بالشراء حكيم بن حزام وبالتزويج عمر بن أم سلمة رضي الله عنهما } .

التالي السابق


( قوله كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به ) هذا ضابط لا حد فلا يرد عليه أن المسلم لا يملك بيع الخمر ويملك توكيل الذمي به لأن إبطال القواعد بإبطال الطرد لا العكس ، ولا يبطل طرده عدم توكيل الذمي مسلما ببيع خمره ، وهو يملكه لأنه يملك التوصل به بتوكيل الذمي ، فصدق الضابط لأنه لم يقل كل عقد يملكه يملك توكيل كل أحد به بل التوصل به في الجملة ، وإنما يرد عليه توكيله الوكيل الذي لم يفوض إليه التصرف مطلقا فإنه يملك العقد الذي وكل به ولا يملك [ ص: 502 ] التوكيل به ، فذكروا أن المراد أنه يملكه بمجرد أهليته استبدادا لا بناء على إذن غيره ( قوله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلخ ) أما وكالة حكيم فرواية أبي داود بسند فيه مجهول { أنه صلى الله عليه وسلم دفع له دينارا ليشتري له أضحية فاشتراها بدينار وباعها بدينارين فرجع واشترى أضحية بدينار وجاء بدينار وأضحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتصدق النبي صلى الله عليه وسلم به ودعا له أن يبارك له في تجارته } ورواه الترمذي من حديث حبيب بن أبي ثابت عن حكيم وقال : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وحبيب عندي أنه لم يسمع من حكيم إلا أن هذا داخل في الإرسال عندنا فيصدق قول المصنف صح إذا كان حبيب إماما ثقة .

وأخرج أبو داود عن شبيب بن غرقدة قال : حدثني الحي عن عروة البارقي قال : { أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دينارا يشتري أضحية أو شاة فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى ترابا ربح فيه } وأخرجه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن أبي لبيد واسمه لمازة بن زبار عن عروة فذكره ، والذي يتحقق من هذا ظن أن هذه القضية وقعت له صلى الله عليه وسلم مع حكيم أو مع عروة أو مع كل منهما بناء على أنهما واقعتان فتثبت شرعية الوكالة على كل حال .

وأما أنه وكل عمر بن أبي سلمة : التزويج فأخرج النسائي عن ثابت أنه قال : حدثني ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليها يخطبها فأرسلت إليه إني امرأة مصبية ، وإني غيرى ، وإنه ليس أحد من أوليائي شاهدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما كونك غيرى فسأدعو الله فتذهب غيرتك ، وأما كونك مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك ، وأما أن أحدا من أوليائك ليس شاهدا فليس أحد من أوليائك لا شاهد ولا غائب إلا سيرضى به ، فقالت أم سلمة : قم يا عمر [ ص: 503 ] فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجه إياها } ورواه أحمد وابن راهويه وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال : صحيح الإسناد .

واسم ابن عمر بن أبي سلمة سعيد سماه غير حماد بن سلمة . ونظر فيه ابن الجوزي لعلة باطنة وهي أن عمر كان إذ ذاك : يعني حين تزوجها عليه الصلاة والسلام سنه ثلاث سنين فكيف يقال لمثله زوج . واستبعده صاحب التنقيح ابن عبد الهادي قال : وإن كان الكلاباذي وغيره قاله فإن ابن عبد البر قال إنه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى الحبشة .

ويقوي هذا ما أخرجه مسلم عن عمر بن أبي سلمة { أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : سل هذه فأخبرته أمه أم سلمة أنه عليه الصلاة والسلام يصنع ذلك ، فقال عمر : يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال صلى الله عليه وسلم : أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له } وظاهر هذا أنه كان كبيرا .

ثم لا يخفى أن ظاهر اللفظ يقتضي أنه كان وكيلا عن أمه لأنها هي القائلة له قم يا عمر فزوج لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يفيد ذلك حديث أخرجه البيهقي من طريق الواقدي { أنه صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام صغير } إلا أنهم يضعفون الواقدي خلافا لنا . وفيه دليل على وكالة الصبي العاقل خلافا لهم ، إن نظرنا إلى حديث الواقدي فظاهر ، وإلى الحديث الصحيح فلأنه لم يزوجها بحكم الولاية على أمه لأن الصبي لا ولاية له فيكون تزويجه بحكم الوكالة .

وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو المقول له زوج والمزوج هو سلمة بن أبي سلمة . ومما يدل على شرعية الوكالة ما أخرجه أبو داود عن ابن إسحاق في كتاب الوصايا : حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول { أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وقلت : إني أريد الخروج إلى خيبر ، فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته } وابن إسحاق عندنا من الثقات .

وأما على توكيل علي رضي الله تعالى عنه عقيلا فأخرجه البيهقي عن عبد الله بن جعفر قال : كان علي يكره الخصومة ، فكان إذا [ ص: 504 ] كانت له خصومة وكل فيها عقيل بن أبي طالب ، فلما كبر عقيل وكلني .

وأخرج أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وكل عبد الله بن جعفر بالخصومة . وقول المصنف رحمه الله : إن الإنسان قد يعجز إلى آخره .

بيان حكمة شرعية الوكالة




الخدمات العلمية