الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويبتدئ بيمين المشتري ) وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا ، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، وهو الصحيح لأن المشتري أشدهما إنكارا لأنه يطالب أولا بالثمن [ ص: 209 ] ولأنه يتعجل فائدة النكول وهو إلزام الثمن ، ولو بدئ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن . وكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا : يبدأ بيمين البائع لقوله عليه الصلاة والسلام { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع } خصه بالذكر ، وأقل فائدته التقديم .

[ ص: 210 ] ( وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بثمن بدأ القاضي بيمين أيهما شاء ) لاستوائهما

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( ويبتدئ ) أي القاضي ( بيمين المشتري ) قال المصنف ( وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا ورواية عن أبي حنيفة وهو الصحيح ) احترازا عن القول الأول لأبي يوسف كما سيجيء ( لأن المشتري أشدهما إنكارا لأنه يطالب أولا بالثمن ) فهو البادئ بالإنكار .

قال صاحب العناية : وهذا يدل على تقدم الإنكار دون شدته ، ولعله أراد بالشدة التقدم وهو أنسب بالمقام ، لأنه لما تقدم في الإنكار تقدم في الذي يترتب عليه انتهى . أقول : فيه نظر ، لأن الظاهر أن مدار ما ذكره المصنف على كون البادي أظلم لكونه منشأ للثاني أيضا فيكون أشد كما يكون أقدم ، ويجوز أيضا أن يكون مداره على أن المشتري لما كان مطالبا أولا بالثمن كان منكرا للشيئين أصل [ ص: 209 ] الوجوب ووجوب الأداء في الحال فكان أشد إنكارا ، وعند هذين المحملين الصحيحين لإجراء الكلام على الحقيقة كيف يجوز حمل الأشد على الأقدم تجوزا مع عدم ظهور العلاقة بينهما ( ولأنه يتعجل فائدة النكول ) أي بالابتداء بيمين المشتري ( وهو ) أي فائدة النكول إلزام الثمن ذكر الضمير الراجع إلى الفائدة ، وإما باعتبار الخبر وهو ( إلزام الثمن ) أو بتأويل الفائدة بالنفع ( ولو بدئ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن ) لأن تسليم المبيع يؤخر إلى زمان استيفاء الثمن لأنه يقال له : امسك المبيع إلى أن تستوفي الثمن فكان تقديم ما تتعجل فائدته أولى ، كذا في الكافي ( وكان أبو يوسف يقول أولا : يبدأ بيمين البائع ) وذكر في المنتقى وفي جامع أبي الحسن أنه رواية عن أبي حنيفة وهو قول زفر ، كذا في العناية وغيرها ( لقوله عليه الصلاة والسلام { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع } ) وجه الاستدلال أنه عليه الصلاة والسلام ( خصه بالذكر ) أي خص البائع بالذكر حيث قال : فالقول ما قاله البائع ( وأقل فائدته ) أي فائدة التخصيص ( التقديم ) يعني أنه عليه الصلاة والسلام جعل القول قول البائع ، وهذا بظاهره يقتضي الاكتفاء بيمينه ، فإذا كان لا يكتفى بيمينه فلا أقل من أن يبدأ بيمينه .

وفي غاية البيان قال في شرح الأقطع جوابا عن هذا الحديث : إنما خص البائع بالذكر لأن يمين المشتري معلومة لا تشكل لقوله عليه الصلاة والسلام { واليمين على من أنكر } فسكت صلى الله عليه وسلم عما تقدم بيانه وبين ما يشكل ولم يتقدم بيانه انتهى .

أقول : فيه نظر لأن قوله عليه الصلاة والسلام { واليمين على من أنكر } كما أنه دليل في حق المشتري دليل أيضا في حق البائع ، فإنه قد مر أن كل واحد منهما ينكر في كل واحدة من الصور الثلاث المذكورة فيما إذا اختلفا قبل القبض وفيما إذا اختلفا بعد القبض . ففي صورة الاختلاف في الثمن بعد قبض المبيع المنكر هو المشتري ، وفي صورة الاختلاف في المبيع بعد قبض الثمن المنكر هو البائع ، فاستوى كل واحد من البائع والمشتري في الاندراج تحت قوله عليه الصلاة والسلام { واليمين على من أنكر } في أكثر الصور وعدم الاندراج تحته في بعض الصور ، فلا فرق بينهما في إشكال اليمين وعدم إشكالها ، وتقدم البيان وعدم تقدمه فلم يتم الجواب المذكور .

ثم إن هذا الذي ذكر من لزوم الابتداء بيمين المشتري على القول الصحيح ، أو بيمين البائع على القول [ ص: 210 ] الآخر إذا كان البيع بيع عين بثمن ( وإن كان بيع عين بعين ) وهو المسمى بالمقايضة ( أو ثمن بثمن ) أي بيع ثمن بثمن وهو المسمى بالصرف ( بدأ القاضي بيمين أيهما شاء ) من البائع والمشتري ( لاستوائهما ) أي في الإنكار وفي فائدة النكول .




الخدمات العلمية