الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 211 ] قال ( وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن فلا تحالف بينهما ) لأن هذا اختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به ، [ ص: 212 ] فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء ، وهذا لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد ، بخلاف الاختلاف في وصف الثمن وجنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف ، ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف ; ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه ( والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه ) لأنهما يثبتان بعارض الشرط والقول لمنكر العوارض .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( وإن اختلفا في الأجل ) أي في أصله أو قدره ، كذا في الشروح ( أو في شرط الخيار ) أي في أصله أو قدره أيضا . كذا في معراج الدراية وغاية البيان ( أو في استيفاء بعض الثمن ) وكذا الحكم فيما إذا اختلفا في استيفاء كل الثمن ، لكن لم يذكره المصنف لأن ذلك مفروغ عنه باعتبار أنه صار بمنزلة سائر الدعاوى ، كذا في النهاية ومعراج الدراية ( فلا تحالف بينهما ) عندنا ، وبه قال أحمد ، وقال زفر والشافعي ومالك : يتحالفان .

ولو اختلفا في أصل البيع لم يتحالفا بالإجماع ، كذا في معراج الدراية . ثم إن القول في مسائل الكتاب لمنكر الأجل ولمنكر شرط الخيار ولمنكر الاستيفاء ، وفي مسألة الاختلاف في أصل المبيع لمنكر العقد ذكر كلها هاهنا في الكافي وسيجيء بعضها في الكتاب . قال صاحب العناية : وإذا اختلفا في الأجل في أصله أو في قدره أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن فلا تحالف بينهما والقول قول البائع انتهى . وقال بعض الفضلاء : هذا ليس بسديد لأنه قد يكون القول قول المشتري إذا كان منكرا كما إذا كان مدعي الخيار هو البائع انتهى . أقول : هذا ظاهر ، ولكن الغالب أن صاحب العناية سلك هاهنا مسلك التغليب اعتمادا على ظهور هذه الصورة . قال المصنف في تعليل المسائل المذكورة ( لأن هذا ) أي الاختلاف في الأجل أو شرط الخيار أو استيفاء بعض الثمن ( اختلاف في غير المعقود عليه ) وهو المبيع ( والمعقود به ) وهو الثمن والاختلاف [ ص: 212 ] في غيرهما لا يوجب التحالف لأن التحالف عرف بالنص ، والنص إنما ورد عند الاختلاف فيما يتم به العقد ، إذ قد علق فيه وجوب التحالف باختلاف المتبايعين ، وهو اسم مشتق من البيع فيتعلق وجوب التحالف باختلافهما فيما يثبت به البيع ، والبيع إنما يثبت بالمبيع والثمن لا بالأجل وشرط الخيار واستيفاء الثمن ، وكأنه قيل : إذا اختلف المتبايعان في المبيع أو في الثمن تحالفا ، فالاختلاف فيما ذكر من الأجل وشرط الخيار واستيفاء بعض الثمن لم يكن في معنى المنصوص عليه فلم يلحق به ، هذا زبدة ما في الشروح والكافي هاهنا ( فأشبه الاختلاف في الحط ) أي في الحط من الثمن ( والإبراء ) أي الإبراء عن الثمن ، ولا تحالف في الاختلاف فيهما ، بل القول قول من أنكر مع يمينه فكذا في الاختلاف في الأمور المذكورة ( وهذا ) أي كون الاختلاف في الأمور المذكورة اختلافا في غير المعقود عليه والمعقود به .

ويجوز أن يشار به إلى الأقرب : أي شبه الاختلاف في الأمور المذكورة للاختلاف في الحط والإبراء ( لأن بانعدامه ) أي بانعدام ما ذكر من الأجل وشرط الخيار واستيفاء بعض الثمن ( لا يختل ما به قوام العقد ) لأن العقد بلا شرط وأجل جائز ، فإذا اختلفا في الشرط أو في الأجل وحالفا بقي العقد بلا شرط وأجل ، وأنه لا يوجب الفساد . وأما إذا اختلف في المثمن أو الثمن وحالفا لم يثبت ما ادعاه أحدهما فيبقى الثمن أو المثمن مجهولا ، وذلك يوجب الفساد . ووجه آخر وهو أن الاختلاف في الثمن أو المثمن يوجب الاختلاف في العقد ; ألا ترى أنه لو اختلف الشاهدان فشهد أحدهما بالبيع بألف درهم والأخير بالدنانير لا يقبل ، وإذا اختلفا في العقد كان كل منهما مدعيا ومنكرا .

أما الاختلاف في الشرط والأجل فلا يوجب الاختلاف في العقد ; ألا ترى أنه لو شهد أحدهما أنه باعه بألف إلى شهر وشهد الآخر أنه باعه بألف يقضي بالعقد بألف حالة ، وكذا لو شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار ثلاثة أيام وشهد الآخر أنه باعه ولم يذكر الخيار جازت الشهادة ، كذا في النهاية نقلا عن جامع الإمامقاضي خان ( بخلاف الاختلاف في وصف الثمن ) كالجودة والرداءة ( أو جنسه ) كالدراهم والدنانير ( حيث يكون ) الاختلاف فيهما ( بمنزلة الخلاف في القدر ) أي في قدر الثمن ( في جريان التحالف لأن ذلك ) أي الاختلاف في وصف الثمن ( يرجع إلى نفس الثمن ) أي الاختلاف في نفس الثمن ( فإن الثمن دين وهو ) أي الدين ( يعرف بالوصف ) فلما اختلفا في الوصف وهو معرف صار اختلافهما في المعرف وهو الثمن ( ولا كذلك الأجل ) أي ليس الاختلاف فيه منزلة الاختلاف في قدر الثمن ( لأنه ) أي الأجل ( ليس بوصف ) بل هو أصل بنفسه لكنه يثبت بواسطة الشرط ، ونور هذا بقوله ( ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه ) أي بعد مضي الأجل ولو كان وصفا لتبعه كذا في الكافي .

قال في معراج الدراية : كذا قيل وفيه نوع تأمل انتهى ( قال ) أي القدوري في مختصره ( والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه لأنهما ) أي الخيار والأجل ( يثبتان بعارض الشرط ) أي بشرط عارض على أصل العقد ( والقول لمنكر العوارض ) والحكم في استيفاء بعض الثمن كذلك ، [ ص: 213 ] لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد لبقاء ما يحصل ثمنا ، كذا في العناية




الخدمات العلمية