الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن اشترى جارية وقبضها ثم تقايلا ثم اختلفا في الثمن فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأول ) ونحن ما أثبتنا التحالف فيه بالنص لأنه ورد في البيع المطلق والإقالة فسخ في حق المتعاقدين ، [ ص: 226 ] وإنما أثبتناه بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل القبض والقياس يوافقه على ما مر ولهذا نقيس الإجارة على البيع قبل القبض والوارث على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري .

التالي السابق


( قال ) أي محمد في بيوع الجامع الصغير ( ومن اشترى جارية وقبضها ) أي ونقد ثمنها ، كذا في الشروح وفي أصل الجامع الصغير ( ثم تقايلا ) ولم يقبض البائع المبيع بعد الإقالة ، كذا في الشروح ، وسيشير إليه المصنف بقوله والمسألة مفروضة قبل القبض ( ثم اختلفا في الثمن ) فقال المشتري : كان الثمن ألفا فعليك أن ترد الألف وقال البائع : كان خمسمائة فعلي رد الخمسمائة ( فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأول ) حتى يكون حق البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع كما كان قبل الإقالة ; معناه : يعود البيع الأول إذا فسخ القاضي أو فسخا بأنفسهما الإقالة لأن الإقالة كالبيع لا تنفسخ إلا بالفسخ ، كذا في النهاية ومعراج الدراية نقلا عن صدر الإسلام .

ولما استشعر أن يقال النص الوارد في حق التحالف وهو قوله عليه الصلاة والسلام { إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا وترادا } لم يتناول الإقالة ، فما وجه جريان التحالف فيها ؟ أجاب بقوله ( ونحن ما أثبتنا التحالف فيه ) أي في التقايل ( بالنص لأنه ورد في البيع المطلق ) أي في البيع من كل وجه ( والإقالة فسخ في حق المتعاقدين ) وإن كان بيعا جديدا في حق غيرهما .

فإن قلت : قوله والإقالة فسخ في حق المتعاقدين إنما يتمشى على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا على قول أبي يوسف ، فإن الإقالة عنده بيع في حق المتعاقدين أيضا ، والمسألة التي نحن فيها متفق عليها فما وجه بناء الوفاقية على الخلافية ؟ قلت : كلام المصنف هذا جواب عن سؤال مقدر ذكرناه آنفا ، وذلك السؤال إنما [ ص: 226 ] يكاد يتوجه على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا على قول أبي يوسف كما لا يخفى ، فبنى الجواب أيضا على أصلهما دون أصله فتدبر ( وإنما أثبتناه بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل القبض ) أي قبل قبض البائع الجارية بحكم الإقالة ( والقياس يوافقه على ما مر ) أي في أول الباب ( ولهذا نقيس الإجارة على البيع قبل القبض ) توضيح لقوله وإنما أثبتناه بالقياس : يعني إذا اختلف المؤجر والمستأجر قبل استيفاء المعقود عليه في الأجرة يجري التحالف بينهما ( والوارث على العاقد ) أي ونقيس الوارث على العاقد : يعني إذا اختلف وارث البائع والمشتري في الثمن قبل القبض يجري التحالف بينهما ( والقيمة على العين ) أي نقيس القيمة على العين ( فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري ) يعني إذا استهلك غير المشتري العين المبيعة في يد البائع وضمن القيمة قامت القيمة مقام العين المستهلكة ، فإن اختلف العاقدان في الثمن قبل القبض يجري التحالف بينهما بالقياس على جريان التحالف عند بقاء العين المشتراة لكون النص إذ ذاك معقول المعنى .

وفي غاية البيان : وهذه هي النسخة المقابلة بنسخة المصنف . وفي بعض النسخ فيما إذا استهلك المشتري ، وفي بعضها فيما إذا استهلك المبيع . قال الإمام حافظ الدين الكبير البخاري على حاشية كتابه الصحيح : استهلك المشتري المشترى انتهى . وفي معراج الدراية : الصواب إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري ، وهذه العبارة على حاشية نسخة قوبلت بنسخة المصنف ، أو الصواب استهلك المشترى بضم التاء على صيغة بناء المفعول والمشترى على صيغة المفعول انتهى




الخدمات العلمية