الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن صلى أربعا ولم يقرأ فيهن شيئا أعاد ركعتين ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله يقضي أربعا ، وهذه المسألة على ثمانية أوجه : [ ص: 457 ] والأصل فيها أن عند محمد رحمه الله ترك القراءة في الأوليين أو في إحداهما يوجب بطلان التحريمة لأنها تعقد للأفعال وعند أبي يوسف رحمه الله ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة ، وإنما يوجب فساد الأداء لأن القراءة ركن زائد ، ألا ترى أن الصلاة وجودا بدونها غير أنه لا صحة للأداء إلا بها ، وفساد الأداء لا يزيد على تركه [ ص: 458 ] فلا يبطل التحريمة . وعند أبي حنيفة رحمه الله ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة ، وفي إحداهما لا يوجب لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة وفسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه فقضينا بالفساد في حق وجوب القضاء وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا ، إذا ثبت هذا نقول : إذا لم يقرأ في الكل قضى ركعتين عندهما لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما فلم يصح الشروع في الشفع الثاني وبقيت عند أبي يوسف رحمه الله فصح الشروع في الشفع الثاني ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه فعليه قضاء الأربع عنده .

التالي السابق


( قوله والأصل عند محمد أن ترك القراءة في ركعة يبطل التحريمة ) إذا قيد الركعة بسجدة لأنها تعقد للأفعال والأفعال فسدت بترك القراءة فيفسد ما عقد لها ( قوله أن للصلاة وجودا بدونها ) حقيقة في الأخرس والأمي وحكما في المقتدي ، لكن لا صحة للأداء إلا بالقراءة ، وفساد الأداء لا يزيد على تركه : أي لا يكون أقوى من ترك الأداء بأن تحرم واقفا ثم ترك أداء كل الأفعال بأن وقف ساكتا طويلا لا تبطل التحريمة ، وهذا لأنها ليست لم تعقد إلا لهذا الشفع ، فإن بناء الشفع الثاني على هذه التحريمة جائز فعلم أنها له ولغيره فبفساده لا تنتفي فائدتها بالكلية لتفسد هي ، ويرد أن هذا تأخير لا ترك ، فإن أريد بالترك إياه منعنا كونه مثل الفساد فلا يلزم من عدم بطلان التحريمة بذلك الترك عدم بطلانها بالفساد لأنه أقوى من ذلك الترك .

والأولى أن يستدل هكذا التحريمة تراد لكل من الشفعين فإنما تبطل بفسادهما ، ففساد الأول فقط ليس قاطعا في عدم حصول المقصود منها بالكلية فلا يوجب فسادها . فإن قيل : إنما عقدت للثاني بواسطة أداء الأول قبله فإذا فسد لم يتحقق الثاني : فالجواب إن قلت إذا فسد الأول امتنع أداء الثاني لأن أداءه [ ص: 458 ] بناء على صحة أداء الأول منعنا كون أدائه بناء على صحته ، وإن قلت بناء على صحة التحريمة وقد فسدت كان مصادرة على المطلوب لأنه أول المسألة ، ثم لا يخفى أن قولهم إن القراءة منتفية في حق المقتدي حكما باطل بل منتفية حقيقة ثابتة حكما .

وعند أبي حنيفة ترك القراءة في الأولين مبطل التحريمة لما قلنا لمحمد ، بخلاف تركها في ركعة لأن فسادها به مجتهد فيه لأن عند الحسن البصري لا تفسد ، فحكمنا بالفساد في حق وجوب القضاء إعمالا للدليل الدال على فرضية القراءة في الأوليين ، وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني إعمالا للدليل الدال على فرضية القراءة في ركعة احتياطا في البابين .

ولا يخفى أن بهذا التقرير لم يحصل الجواب عما قررناه لأبي يوسف ، بل جوابه منع أن فساده لا يزيد على تركه لأن الترك مجرد تأخير والفساد فعل مفسد ، ولو سلم اخترنا الشق الأول من ترديده المتقدم ومنع كون أداء الثاني مبنيا على صحة الأول مندفع بأنه لا يتصور وجوده قبله ووجود الأول بصحته فكيف لا يتوقف أداؤه عليه .




الخدمات العلمية