الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 362 ] قال ( فإن غصب من مسلم خمرا فخللها أو جلد ميتة فدبغه فلصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ جلد الميتة ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه ) ، والمراد بالفصل الأول إذا خللها بالنقل من الشمس إلى الظل ومنه إلى الشمس ، وبالفصل الثاني إذا دبغه بما له قيمة كالقرظ والعفص ونحو ذلك . والفرق أن هذا التخليل تطهير له بمنزلة غسل الثوب النجس فيبقى على ملكه إذ لا تثبت المالية به وبهذا الدباغ اتصل بالجلد مال متقوم للغاصب كالصبغ في الثوب فكان بمنزلته فلهذا يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ الجلد ويعطي ما زاد الدباغ فيه . وبيانه أنه ينظر إلى قيمته ذكيا غير مدبوغ ، وإلى قيمته مدبوغا فيضمن فضل ما بينهما ، وللغاصب أن يحبسه حتى يستوفي حقه كحق الحبس في البيع . قال ( وإن استهلكهما ضمن الخل ولم يضمن الجلد عند أبي حنيفة ، وقالا : يضمن الجلد مدبوغا ويعطي ما زاد الدباغ فيه ) [ ص: 363 ] ولو هلك في يده لا يضمنه بالإجماع .

أما الخل ; فلأنه لما بقي على ملك مالكه وهو مال متقوم ضمنه بالإتلاف ، يجب مثله ; لأن الخل من ذوات الأمثال . وأما الجلد فلهما أنه باق على ملك المالك حتى كان له أن يأخذه وهو مال متقوم فيضمنه مدبوغا بالاستهلاك ويعطيه المالك ما زاد الدباغ فيه كما إذا غصب ثوبا فصبغه ثم استهلكه ويضمنه ويعطيه المالك ما زاد الصبغ فيه ، ولأنه واجب الرد ، فإذا فوته عليه خلفه قيمته كما في المستعار . وبهذا [ ص: 364 ] فارق الهلاك بنفسه .

وقولهما يعطي ما زاد الدباغ فيه محمول على اختلاف الجنس . أما عند اتحاده فيطرح عنه ذلك القدر ويؤخذ منه الباقي لعدم الفائدة في الأخذ منه ثم في الرد عليه .

وله أن التقوم حصل بصنع الغاصب وصنعته متقومة لاستعماله مالا متقوما فيه ، ولهذا كان له أن يحبسه حتى يستوفي ما زاد الدباغ فيه فكان حقا له والجلد تبع له في حق التقوم ، ثم الأصل وهو الصنعة غير مضمون عليه فكذا التابع ، كما إذا هلك من غير صنعة ، بخلاف وجوب الرد حال قيامه ; لأنه يتبع الملك ، والجلد غير تابع للصنعة في حق الملك لثبوته قبلها وإن لم يكن متقوما ، بخلاف الذكي والثوب ; لأن التقوم فيهما كان ثابتا قبل الدبغ والصبغ فلم يكن تابعا للصنعة ، [ ص: 365 ] ولو كان قائما فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه ويضمنه قيمته قيل : ليس له ذلك ; لأن الجلد لا قيمة له ، بخلاف صبغ الثوب ; لأن له قيمة .

وقيل ليس له ذلك عند أبي حنيفة ، وعندهما له ذلك ; لأنه إذا تركه عليه وضمنه عجز الغاصب عن رده فصار كالاستهلاك ، وهو على هذا الخلاف على ما بيناه . [ ص: 366 ] ثم قيل : يضمنه قيمة جلد مدبوغ ويعطيه ما زاد الدباغ فيه كما في الاستهلاك . وقيل يضمنه قيمة جلد ذكي غير مدبوغ ، ولو دبغه بما لا قيمة له كالتراب والشمس فهو لمالكه بلا شيء ; لأنه بمنزلة غسل الثوب . ولو استهلكه الغاصب يضمن قيمته مدبوغا .

وقيل طاهرا غير مدبوغ ; لأن وصف الدباغة هو الذي حصله فلا يضمنه . وجه الأول وعليه الأكثرون أن صفة الدباغة تابعة للجلد فلا تفرد عنه ، وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته ، ولو خلل الخمر بإلقاء الملح فيه قالوا عند أبي حنيفة : صار ملكا للغاصب ولا شيء له عليه .

وعندهما أخذه المالك وأعطى ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد ، ومعناه هاهنا أن يعطي مثل وزن الملح من الخل ، وإن أراد المالك تركه عليه وتضمينه فهو على ما قيل . وقيل في دبغ الجلد ولو استهلكها لا يضمنها عند أبي حنيفة خلافا لهما كما في دبغ الجلد ، ولو خللها بإلقاء الخل فيها ، فعن محمد أنه إن صار خلا من ساعته يصير ملكا للغاصب ولا شيء عليه ; لأنه استهلاك له وهو غير متقوم ، وإن لم تصر خلا إلا بعد زمان بأن كان الملقى فيه خلا قليلا فهو بينهما على قدر كليهما ; لأن خلط الخل بالخل في التقدير وهو على أصله ليس باستهلاك [ ص: 367 ] وعند أبي حنيفة هو للغاصب في الوجهين ، ولا شيء عليه ; لأن نفس الخلط استهلاك عنده ، ولا ضمان في الاستهلاك ; لأنه أتلف ملك نفسه . وعند محمد لا يضمن بالاستهلاك في الوجه الأول لما بينا . ويضمن في الوجه الثاني ; لأنه أتلف ملك غيره . وبعض المشايخ أجروا جواب الكتاب على إطلاقه للمالك أن يأخذ الخل في الوجوه كلها بغير شيء ; لأن الملقى فيه يصير مستهلكا في الخمر فلم يبق متقوما . وقد كثرت فيه أقوال المشايخ وقد أثبتناها في كفاية المنتهى . .

التالي السابق


( قوله ولو هلك في يده لا يضمن بالإجماع ) قال صاحب العناية : والمجمع عليه لا يحتاج إلى دليل ; لأن دليله الإجماع فلهذا لم يذكره المصنف ا هـ أقول : هذا ليس بسديد ; لأن الذي لا يحتاج إلى دليل ما أجمع عليه الأمة بالإجماع الذي هو أحد الأدلة الأربعة الشرعية فإن الإجماع عليه بالمعنى المذكور يكفي دليلا عليه .

والظاهر أن مراد المصنف بالإجماع هاهنا هو إجماع أئمتنا الثلاثة الذين وقع الخلاف بين أعظمهم وبين صاحبيه فيما ذكر آنفا من مسألة الاستهلاك ، لا إجماع الأمة الذي هو من الأدلة ; لأن هذا الإجماع إنما يتحقق باتفاق جميع المجتهدين الموجودين في عصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي وهو غير ثابت فيما نحن فيه ، كيف وقد قال في معراج الدراية هاهنا : وعند الأئمة الثلاثة : يعني مالكا والشافعي وأحمد لو تخللت الخمرة بنفسها وهلكت في يد الغاصب يضمن ، وأما إذا تخللت بفعل الغاصب لا يضمن .

وفي الجلد المدبوغ على قول لا يلزمه رده ولا يضمن ، وفي قول وجب رده ويضمن ا هـ . فظهر منه مخالفة هؤلاء الأئمة الثلاثة لأئمتنا في بعض صور الهلاك فيما نحن فيه أن مالكا من معاصري أبي حنيفة والشافعي من معاصري محمد ، فلم يتحقق إجماع الأمة في زمنهم على عدم الضمان في بعض صور هذه المسألة قطعا ، ولم ينقل إجماع أمة أخرى من قبل ، فلم يمكن حمل الإجماع المذكور على إجماع الأمة كما لا يخفى وقال صاحب النهاية هاهنا ولم يذكر الدليل لقوله ولو هلك في يده لا يضمن بالإجماع ; لأن دليله ظاهر ، وهو أنه لو ضمن لا يخلو إما أن يضمن قيمته يوم الغصب أو يوم الهلاك ، ولا وجه لضمان قيمته يوم الغصب ; لأنه لم يكن لكل واحد من الخمر وجلد الميتة قيمة يوم الغصب ، ولا وجه لضمان قيمته يوم الهلاك أيضا ; لأنه لم يوجد فعل في هلاكه ، والضمان لا يجب إلا بفعل موصوف بالتعدي ا هـ كلامه . أقول : ظهور هذا الدليل المفصل الدائر على الترديد غير مسلم ، ولو سلم فكونه أظهر من سائر الأدلة التي ذكرها لسائر المسائل سيما دليل وجوب الضمان في استهلاك الخل ممنوع ، ولو سلم فليس من دأب المصنف ترك ذكر الدليل بالكلية في شيء من المسائل . ثم أقول : لعل وجه عدم ذكر المصنف دليل هذه المسألة هاهنا انفهامه مما ذكره في دليل مسألة الاستهلاك يرشدك إليه قطعا قوله في أثناء ذلك وبهذا فارق الهلاك بنفسه ، تبصر ترشد .

( قوله كما إذا غصب ثوبا فصبغه ثم استهلكه ويضمنه ويعطيه المالك ما زاد الصبغ فيه ) قال صاحب العناية : وفيه نظر ; لأن نفس الغصب في هذه الصورة يوجب الضمان بخلاف المتنازع فيه ا هـ . أقول : هذا النظر ساقط جدا ، إذا لا نسلم أولا أن نفس الغصب في هذه الصورة يوجب الضمان فإن نفس الغصب إنما يوجب رد العين على ما عرف في صدر كتاب الغصب ، وإنما يجب ضمان المثل أو القيمة بالهلاك أو الاستهلاك ، ولئن سلم ذلك فكون نفس الغصب [ ص: 364 ] سببا للضمان لا ينافي كون الاستهلاك أيضا سببا له ، ومقصود المصنف قياس المتنازع فيه على تلك الصورة في كون التعدي بالاستهلاك سببا لضمان المتعدي ما استهلكه وإعطاء المالك ما زاده الصنعة ، وهذا المعنى متحد بين المقيس والمقيس عليه ، غاية الأمر أن في جانب المقيس عليه سببا آخر للضمان ، وهذا لا ينافي صحة القياس عليه في السبب المشترك ، وقد أشار إليه صاحب النهاية حيث قال في حل هذا المحل : إن الاستهلاك جناية موجبة للضمان في محل هو مال متقوم ، وقد وجد ذلك لما بقي الجلد على ملك صاحبه بعدما صار مالا متقوما كما في الثوب ، إلا أن هناك السبب الأول وهو الغصب موجب للضمان أيضا ، فله أن يضمنه بأي السببين شاء ، هاهنا السبب الأول وهو الغصب غير موجب للضمان فتعين التضمين بالسبب الثاني فكان هو في السبب كغيره ولو استهلكه غيره كان للمغصوب منه أن يضمن المستهلك ويعطي الغاصب ما زاد الدباغ فيه ، إلى هنا كلامه .

( قوله ثم الأصل وهو الصنعة غير مضمون عليه فكذا التابع كما إذا هلك من غير صنعه ) قال صاحب العناية في شرح قوله كما إذا هلك من غير صنعه : فإن عدم الضمان هناك باعتبار أن الأصل وهو الصنعة غير مضمون فكذلك الجلد ، وإلا فالغصب موجب للضمان في الهلاك والاستهلاك ا هـ كلامه ، واقتفى أثره الشارح العيني . فيه نظر ، إذ لا شك أن عدم الضمان في صورة الهلاك من غير صنعه لا يجب أن يكون باعتبار أن الأصل وهو الصنعة غير مضمون ، فكذلك الجلد كما يقتضيه قول الشارحين المزبورين ، وإلا فالغصب موجب للضمان في الهلاك والاستهلاك ، بل الظاهر أن عدم الضمان هناك باعتبار عدم تحقق فعل موصوف بالتعدي هناك كتحققه في صورة الاستهلاك على ما أشار إليه صاحب النهاية وصاحب العناية أيضا في تعليل تلك المسألة فيما مر وكون الغصب موجبا للضمان في كل من صورتي الهلاك والاستهلاك إنما هو عند تحقيق الغصب الشرعي وفيما نحن فيه لم يتحقق ذلك ; لأن كون المأخوذ مالا متقوما معتبر في حقيقة الغصب الشرعي كما تقرر في صدر الكتاب ، وجلد الميتة ليس بمال متقوم قبل الدباغ قطعا ، وإنما يصير متقوما بالدباغ ، وكلامنا فيما إذا غصب جلد الميتة فدبغه فحين الأخذ لم يتحقق الغصب الشرعي الموجب للضمان فيما نحن فيه بلا ريب ، ويؤيد ما قلنا إن الخمر المتخللة بنفسها أيضا غير مضمونة في صورة الهلاك بالإجماع كما مر ، وليس فيها صنعة متقومة يتبعها تقومها ، فلو كان مجرد الغصب وهو الأخذ جبرا بدون [ ص: 365 ] تحقق الغصب الشرعي موجبا للضمان في الهلاك والاستهلاك ، أو كان مجرد حصول التقوم للمأخوذ بعد الأخذ كافيا في تحقق الغصب الشرعي لوجب الضمان في صورة هلاك الخمر المتخللة بنفسها في يد الآخذ جبرا مع أنه خلاف ما عليه الإجماع .

ثم أقول : لما ظهر بما بيناه أن كون مراد المصنف بقوله كما إذا هلك من غير صنعه ما ذكره الشارحان المزبوران مما يليق بقدره الجليل وإن كان في ظاهر لفظه مساعدة لذلك كان حقا علينا أن نحمل كلامه على خلاف ذلك فنقول : يجوز أن يكون مراده بقوله كما إذا هلك من غير صنعه هو التشبيه والتنظير في مجرد عدم وجوب الضمان وإن كان السبب مختلفا في الصورتين ، ويجوز أن يكون مراده بقوله المذكور هو القياس على تلك الصورة في خصوص السبب ، وهو كون الأصل الذي هو الصنعة غير مضمون فكذا التابع ، لكن من حيث جواز أن يكون هذا السبب سببا أيضا في صورة هلاك المدبوغ في يده من غير صنعه لا من حيث وجوب أن يكون هذا السبب هو السبب في تلك الصورة كما يقتضيه قولهما ، وإلا فالغصب موجب للضمان في الهلاك والاستهلاك ، فإنه إذا لم يجب أن يكون هذا السبب هو السبب لعدم الضمان في صورة الهلاك بل جاز أن يكون له فيها سبب آخر وهو عدم تحقق فعل موصوف بالتعدي كما مر بيانه لم يجب الضمان هناك بانتفاء هذا السبب ; لأن انتفاء أحد السببين المستقلين لا يوجب انتفاء المسبب فيلزم أن لا يصح قولهما ، وإلا فالغصب موجب للضمان في الهلاك والاستهلاك تأمل تقف ( قوله ولو كان قائما فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه ويضمنه قيمته . قيل ليس له ذلك ; لأن الجلد لا قيمة له ، بخلاف صبغ الثوب ; لأن له قيمة ) قال الشراح في تفسير قوله قيل ليس له ذلك : أي مطلقا بلا خلاف ، ويقتضي هذا التفسير مقابلة قوله : وقيل ليس له ذلك عند أبي حنيفة وعندهما له ذلك كما لا يخفى أقول : تعليل هذا القول الاتفاقي بقوله ; لأن الجلد لا قيمة له ، بخلاف صبغ الثوب ; لأن له قيمة مشكل عندي ، فإنه لا يتمشى على أصل الإمامين ، إذ قد مر أن أصلهما أن الجلد باق على ملك المالك وهو مال متقوم فيضمنه مدبوغا بالاستهلاك ويعطيه المالك ما زاد الدباغ فيه ، كما إذا غصب ثوبا فصبغه ثم استهلكه يضمنه ويعطيه المالك ما زاد الصبغ فيه ، والتعليل المذكور هاهنا صريح في خلاف ذلك كما ترى .

لا يقال : المراد هاهنا أن الجلد لا قيمة له وقت الغصب ، بخلاف الثوب فإن له قيمة وقتئذ ، والمراد بما مر أن الجلد مال متقوم بعد الدباغ فصار كالثوب بعده فلا منافاة ; لأنا نقول الكلام فيما إذا أراد المالك أن يتركه على الغاصب ويضمنه قيمته بعد أن صار مالا متقوما بالدباغ كما أشار إليه المصنف بقوله في هذا الوجه فلا وجه لتعليل ما قيل ليس له ذلك بلا خلاف بأن الجلد لا قيمة له وقت الغصب ، بخلاف الثوب فإن عدم تقوم جلد الميتة وقت الغصب لا ينافي عندهما كونه مضمونا على الغاصب بعد أن صار مالا متقوما بالدباغ ، وهذا يجب عليه الضمان عندهما بالاستهلاك في هذه الصورة بناء على كونه مالا متقوما بالدباغ باقيا على ملك المالك كما مر . على أنه لو كان المراد هاهنا أن الجلد لا قيمة له وقت الغصب لقال المصنف بخلاف الثوب دون أن يقول بخلاف صبغ الثوب ; لأن الصبغ في الثوب بإزاء الدباغ في الجلد تأمل ( قوله لأنه إذا تركه عليه وضمنه عجز الغاصب عن رده فصار كالاستهلاك وهو على هذا الخلاف على ما بيناه ) قال صاحب العناية : وفيه نظر ; لأن العجز في الاستهلاك لأمر من جهة [ ص: 366 ] الغاصب وفيما تركه وضمنه القيمة من جهة المالك ، ولا يلزم من جواز التضمين في صورة تعدى فيها الغاصب جوازه فيما ليس كذلك ا هـ .

أقول : يمكن أن يجاب عن هذا النظر بأن العجز في الاستهلاك لما كان لأمر من جهة الغاصب لذلك العجز فيما تركه المالك على الغاصب وضمنه القيمة كان الأمر من جهة الغاصب فإن المالك إنما تركه عامة وضمنه القيمة بسبب أن الغاصب زاد عليه ما له قيمة فوجب على المالك على تقدير أخذه إعطاء ما يقابل ذلك الزائد وهو لا يقدر على إعطائه ولا يهمه ذلك فكان السبب الأصلي لعجز الغاصب عن رده فعل نفسه ; ألا يرى أنه لو دبغه بما لا قيمة له وكان هو لمالكه بلا شيء كما سيجيء لم يكن للمالك تركه عليه وتضمنه القيمة عند أحد أصلا .

( قوله ثم قيل يضمنه قيمة جلد مدبوغ ويعطيه ما زاد الدباغ فيه كما في الاستهلاك . وقيل يضمنه قيمة جلد ذكي غير مدبوغ ) يعني اختلف المشايخ في كيفية التضمين على قولهما ، فقال بعضهم يضمنه قيمة جلد ذكي مدبوغ ويعطيه ما زاد الدباغ فيه كما في صور الاستهلاك ، وقال بعضهم : يضمنه قيمة جلد ذكي غير [ ص: 367 ] مدبوغ ، كذا في الشروح .

أقول : ثمرة هذا الاختلاف غير ظاهرة عندي فإن قيمة جلد مدبوغ بعد أن يطرح عنها قدر ما زاد الدباغ فيه هي قيمة جلد ذكي غير مدبوغ بعينها ، إذا قد قال المصنف فيما مر في بيان أخذ الجلد وإعطاء ما زاد الدباغ فيه أنه ينظر إلى قيمته ذكيا غير مدبوغ وإلى قيمته مدبوغا فيضمن ما بينهما ، وذاك صريح في أن ما بقي من قيمة جلد مدبوغ بعد إعطاء ما زاد الدباغ فيه هو قيمة جلد ذكي بعينها ، فما فائدة الاختلاف المذكور والمآل واحد ، والله تعالى أعلم وأحكم .




الخدمات العلمية