الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 495 ] ( ومن صلى العصر وهو ذاكر أنه لم يصل الظهر فهي فاسدة إلا إذا كان في آخر الوقت ) وهي مسألة الترتيب ( وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وعند محمد يبطل لأن التحريمة عقدت للفرض ) ، فإذا بطلت الفرضية بطلت . ولهما أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل [ ص: 496 ] ( ثم العصر يفسد فسادا موقوفا ، حتى لو صلى ست صلوات ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا عند أبي حنيفة . وعندهما يفسد فسادا باتا لا جواز له بحال ) وقد عرف ذلك في موضعه .

التالي السابق


( قوله إلا إذا كان في آخر الوقت ) يعني أصل الوقت ، وعند الحسن وهو رواية عن محمد آخر الوقت المستحب ، حتى لو تذكر في وقت العصر أن عليه قضاء الظهر وعلى أنه لو اشتغل بها يقع العصر قبل الغروب في الوقت المكروه لا يسقط الترتيب فيصلي الظهر في المستحب والعصر في المكروه . وعند الحسن يسقط الترتيب فيصلي العصر في المستحب ويؤخر الظهر إلى ما بعد الغروب ، ولو كان بقي من الوقت المستحب ما لا يسع الظهر سقط الترتيب بالاتفاق لعدم جواز الظهر في المكروه ، ولو شرع في العصر ذاكرا للظهر والشمس حمراء وغربت وهو فيها أتمها . طعن فيه عيسى بن أبان فقال : بل يقطعها ثم يبدأ بالظهر لأن ما بعد الغروب وقت مستحب وهو ذاكر للظهر وهو القياس . وجه الاستحسان أنه لو قطعها تكون كلها قضاء .

ولو مضى فيها كان بعضها في الوقت فكان أولى ، ولأنه حين شرع كان مأمورا بها مع العلم بأن الكل لا يقع في الوقت ، فلو كان هذا المعنى مانعا لما أمر به ( قوله وهي مسألة الترتيب ) وإنما ذكرها ليصل بها مسألة بطلان الوقت ( قوله وإذا فسدت الفرضية ) بتذكر الفائتة فيها ( لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وعند محمد يبطل ) حتى لو قهقه بعد التذكر لا تنتقض طهارته ( قوله فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل ) يعني ليس الموجود مما [ ص: 496 ] يبطل أصل الصلاة كالحدث بل وصف الفرضية . ولا تلازم بين بطلان الوصف وبطلان الأصل كالمكفر بالصوم إذا أيسر في خلال اليوم لا يبطل صومه فيصير مفطرا بل يبطل وصف وقوعه كفارة .

ويدل على ذلك حديث ابن عمر أول الباب حيث قال { فليتم صلاته ثم ليعد التي صلاها مع الإمام } ( قوله ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا ) بخلاف ما لو أعاد الظهر قبل أن يصلي السادسة فإنه يفسد الخمس . ولو صلى السادسة قبل الاشتغال بالقضاء صح الخمس ، وهذا ما يقال صلاة واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا . وجه قولهما وهو القياس أن سقوط الترتيب حكم والكثرة علة له ، فإنما يثبت الحكم إذا ثبتت العلة في حق ما بعدها لا في حق نفسها كما إذا [ ص: 497 ] رأى عبده يبيع فسكت ثبت الإذن فيما يبيع بعد هذا لا فيه نفسه ، وكذا صيرورة الكلب معلما بترك الأكل ثلاثا علة حل أكل مأخوذه وأثره في حل ما بعد الثالثة .

وجه قوله وهو الاستحسان أن المسقط الكثرة وهي قائمة بالكل فوجب أن تؤثر السقوط ، ولهذا لو أعادها بلا ترتيب جازت عندهما أيضا ، وهذا لأن المانع من الجواز قلتها وقد زالت فيزول المنع ، ولا يمتنع أن يتوقف حكم على أمر حتى يتبين حاله كتعجل الزكاة إلى الفقير يتوقف كونها فرضا على تمام الحول والنصاب تام ، فإن تم على تمامه كان فرضا وإلا نفلا ، وكون المغرب في طريق مزدلفة فرضا على عدم إعادتها قبل الفجر ، فإن أعادها كانت نفلا ، والظهر يوم الجمعة على عدم شهودها ، فإن شهدها كان نفلا ، وصحة صلاة المعذور إذا انقطع العذر فيها على عوده في الوقت الثاني ، فإن لم يعد فسدت وإلا صحت ، وكون الزائد على العادة حيضا على عدم مجاوزة العشرة ، فإن جاوز فاستحاضة وإلا حيض ، وصحة الصلاة التي صلتها صاحبة العادة فيما إذا انقطع دمها دون العادة فاغتسلت وصلت على عدم العود ، فإن عاد ففاسدة وإلا صحيحة .

ولا يخفى على متأمل أن هذا التعليل المذكور يوجب ثبوت صحة المؤديات بمجرد دخول وقت سادستها التي هي سابعة المتروكة لأن الكثرة تثبت حينئذ وهي المسقطة من غير توقف على أدائها كما هو المذكور في التصوير في سائر الكتب ، وأنه لا تتوقف الصحة على ما إذا كان ظانا عدم وجوب الترتيب عنده ، بخلاف ما إذا ظنه فإنه لا يصح كما نقله في المحيط عن مشايخهم ، فإن التعليل المذكور يقطع بإطلاق الجواب سواء ظن عدم الوجوب أو لا .




الخدمات العلمية