الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر ) ، إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام العيد ، فأما أهل السواد فيذبحون بعد الفجر .

والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 512 ] { من ذبح شاة قبل الصلاة فليعد ذبيحته ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين } وقال عليه الصلاة والسلام { إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة ثم الأضحية } غير أن هذا الشرط في حق من عليه الصلاة وهو المصري دون أهل السواد ، لأن التأخير لاحتمال التشاغل به عن الصلاة ، ولا معنى للتأخير في حق القروي ولا صلاة عليه ، وما رويناه حجة على مالك والشافعي رحمهما الله في نفيهما الجواز بعد الصلاة قبل نحر الإمام ، ثم المعتبر في ذلك مكان الأضحية ، حتى لو كانت في السواد والمضحي في المصر يجوز كما انشق الفجر ، ولو كان على العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة . وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها إلى خارج المصر فيضحي بها كما طلع الفجر ، لأنها تشبه الزكاة من حيث إنها تسقط بهلاك المال قبل مضي أيام النحر كالزكاة بهلاك النصاب فيعتبر في الصرف مكان المحل لا مكان الفاعل اعتبارا بها ، بخلاف صدقة الفطر لأنها لا تسقط بهلاك المال بعدما طلع الفجر من يوم الفطر

التالي السابق


( قوله ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر ، إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام العيد ) قال صاحب النهاية : وهذه العبارة تشير إلى ما ذكره في المبسوط بقوله ومن ضحى قبل الصلاة في المصر لا يجزيه لعدم الشرط لا لعدم الوقت . أقول : في هذا إشكال ، لأن الحديثين اللذين ذكرهما المصنف فيما بعد وجعلهما الأصل في هذه المسألة وكذا سائر الأحاديث الواردة في بيان وقت جواز التضحية لا يدل شيء منها على دخول وقت الأضحية بطلوع الفجر من يوم النحر في حق أهل الأمصار ، بل يدل ظاهر كل منها على أن أول وقتها في حق من عليه الصلاة بعد الصلاة فمن أين أخذ دخولها وقتها بطلوع الفجر من يوم النحر في حق أهل الأمصار أيضا ، وعلى تقدير أن يتحقق المأخذ لذلك فالإشكال [ ص: 512 ] باق ، لأنه إذ لم تتأد الأضحية بالذبح بعد طلوع الفجر من يوم النحر قبل الصلاة في حق أهل الأمصار بل لم يمكن أداؤها قبل الصلاة في حقهم لعدم تحقق الشرط فما معنى جعل ذلك الوقت قبل الصلاة من يوم النحر وقتا للأضحية في حق أهل الأمصار أيضا ، وما ثمرة ذلك ؟ والظاهر أن ثمرة كون وقت ما وقت الواجب صحة أداء ذلك الواجب في ذلك الوقت ولا أقل من إمكان أدائه فيه فتأمل .

ثم إن صاحب الوقاية قال في تحرير هذه المسألة : وأول وقتها بعد الصلاة إن ذبح في مصر ، وبعد طلوع فجر يوم النحر إن ذبح في غيره ، وآخره قبيل غروب اليوم الثالث انتهى . ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال في متنه : وأول وقتها بعد طلوع فجر يوم النحر ، وآخره قبيل غروب اليوم الثالث ، وشرط تقديم الصلاة عليها إن ذبح في مصر ، وإن ذبح في غيره لا .

وقال فيما نقل عنه في الحاشية : هذا من المواضع التي أخطأ فيها تاج الشريعة حيث زعم أن أول وقتها يختلف بحسب مكان الفعل ولم يتنبه له تاج الشريعة . انتهى كلامه .

أقول : لا خطأ في كلام تاج الشريعة أصلا ، فإن مراده بقوله وأول وقتها أول وقت أدائها لا أول وقت وجوبها ، ولا شك أنه إذا كان تقديم الصلاة عليه شرطا في حق أهل الأمصار كان أول وقت أدائها في حقهم بعد الصلاة ، وإن كان أول وقت وجوبها بعد طلوع الفجر من يوم النحر ويؤيده جدا عبارة الإمام قاضي خان في فتاواه حيث قال : ووقت الأداء لمن كان في المصر بعد فراغ الإمام عن صلاة العيد انتهى




الخدمات العلمية