الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولو أن امرأة أخبرها ثقة أن زوجها الغائب مات عنها ، أو طلقها ثلاثا أو كان غير ثقة وأتاها بكتاب من زوجها بالطلاق ، ولا تدري أنه كتابه أم لا . إلا أن أكبر رأيها أنه حق ) يعني بعد التحري ( فلا بأس بأن تعتد ثم تتزوج ) ; لأن القاطع طارئ ولا منازع ، وكذا لو قالت لرجل طلقني زوجي وانقضت عدتي فلا بأس أن يتزوجها . وكذا إذا قالت المطلقة الثلاث انقضت عدتي وتزوجت بزوج آخر ، ودخل بي ثم طلقني وانقضت عدتي فلا بأس بأن يتزوجها الزوج الأول ، وكذا لو قالت جارية كنت أمة فلان فأعتقني ; لأن القاطع طارئ . ولو أخبرها مخبر أن أصل النكاح كان فاسدا أو كان الزوج حين تزوجها مرتدا أو أخاها من الرضاعة لم يقبل قوله حتى يشهد بذلك رجلان أو رجل وامرأتان .

وكذا إذا أخبره مخبر أنك تزوجتها وهي مرتدة أو أختك من الرضاعة لم يتزوج بأختها أو أربع سواها حتى يشهد بذلك عدلان ; لأنه أخبر بفساد مقارن ، والإقدام على العقد يدل على صحته وإنكار فساده فثبت المنازع بالظاهر ، بخلاف ما إذا كانت المنكوحة صغيرة فأخبر الزوج أنها ارتضعت من أمه أو أخته حيث يقبل قول الواحد فيه ; لأن القاطع طارئ ، والإقدام الأول لا يدل على انعدامه فلم يثبت المنازع فافترقا ، وعلى هذا الحرف يدور الفرق . ولو كانت جارية صغيرة لا تعبر عن نفسها في يد رجل يدعي أنها له فلما كبرت لقيها رجل في بلد آخر فقالت أنا حرة الأصل لم يسعه أن يتزوجها لتحقق المنازع وهو ذو اليد بخلاف ما تقدم .

التالي السابق


( قوله لأن القاطع طارئ والإقدام الأول لا يدل على انعدامه فلم يثبت المنازع ) اعترض عليه بأنه إن قبل خبر الواحد في إفساد النكاح بعد الصحة من هذا الوجه فوجه آخر فيه يوجب عدم القبول ، وهو أن الملك للزوج فيها ثابت والملك الثابت للغير لا يبطل بخبر الواحد .

وأجيب بأن ذلك إذا كان [ ص: 58 ] ثابتا بدليل موجب وملك الزوج فيها في الحال ليس بدليل موجب بل باستصحاب الحال ، وخبر الواحد أقوى من استصحاب الحال ، كذا في العناية وكثير من الشروح . وقال بعض المتأخرين بعد ذكر هذا الاعتراض : والجواب فيه بحث ; لأنه سبق في فصل الأكل والشرب أن الحل والحرمة من باب الديانات ، فيقبل قول الواحد فيهما إذا لم تتضمن الحرمة زوال الملك ، كما إذا أخبر واحد عدل بحل طعام فيؤكل أو حرمته فلا يؤكل ، لأن الحرمة لا تنافي الملك .

وأما إذا تضمنت زوال الملك فلا يقبل ولا يثبت به الحرمة ، كما إذا أخبر عدل للزوجين أنهما ارتضعا من فلانة ; لأن الحرمة المؤبدة لا تتصور مع بقاء ملك النكاح فاضمحل الجواب وبقي الإشكال انتهى كلامه . أقول : بحثه ساقط جدا ; لأن الذي تقرر في فصل الأكل والشرب هو أن خبر الواحد العدل يقبل في باب الحل والحرمة إذا لم يتضمن زوال الملك . وأما إذا تضمن زواله فلا يقبل بناء على أن بطلان الملك لا يثبت بخبر الواحد ، وذلك كلام مجمل لم يفصل فيه أنه إذا تضمن زوال الملك الثابت بدليل موجب لم يقبل ، وأما إذا تضمن زوال الملك الثابت باستصحاب الحال فيقبل .

فنشأ الاعتراض هاهنا نظرا إلى ظاهر إجمال ما ذكر هناك فأجيب عنه بأن المراد من زوال الملك هناك زوال الملك الثابت بدليل موجب لا زواله ولو كان باستصحاب الحال ; لأن خبر الواحد أقوى من استصحاب الحال لكون الاستصحاب حجة دافعة لا مثبتة أصلا ، بخلاف خبر الواحد فكان الجواب المذكور هاهنا تفصيلا للإجماع الواقع هناك في الظاهر [ ص: 59 ] فكان جوابا شافيا قد اضمحل به الإشكال كما لا يخفى .




الخدمات العلمية