الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والثالث أن عينها حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه : ومن الناس من أنكر حرمة عينها ، وقال : إن السكر منها حرام ; لأن به يحصل الفساد وهو الصد عن ذكر الله ، وهذا كفر ; لأنه جحود الكتاب فإنه تعالى سماه رجسا والرجس ما هو محرم العين ، وقد جاءت السنة متواترة أن النبي عليه الصلاة والسلام [ ص: 95 ] حرم الخمر ; وعليه انعقد الإجماع ، ولأن قليله يدعو إلى كثيره وهذا من خواص الخمر ، ولهذا تزداد لشاربه اللذة بالاستكثار منه ، بخلاف سائر المطعومات

ثم هو غير معلول عندنا حتى لا يتعدى حكمه إلى سائر المسكرات ، والشافعي رحمه الله يعديه إليها ، وهذا بعيد ; لأنه خلاف السنة المشهورة وتعليله لتعديه الاسم ، والتعليل في الأحكام لا في الأسماء

التالي السابق


( قوله : والثالث أن عينها حرام غير معلول بالسكر ) قال بعض الفضلاء : فرق ما بين السكر والإسكار فلا يخالف هذا القول لما مر من قوله وكذا المعنى المحرم انتهى أقول : ليس هذا بشيء ; لأن السكر لازم الإسكار ومطاوعه فلا يفترقان في التحقيق ، فالتعليل بأحدهما يؤدي إلى التعليل بالآخر ، ومجرد الفرق بينهما في المفهوم لا يجدي شيئا فقهيا ها هنا كما لا يخفى ، كيف ولا شك أن مراد المصنف بيان كون حرمتها لعينها غير معلولة بشيء ما أصلا

لا أنها غير معلولة بالسكر ولكنها معلولة بشيء آخر كالإسكار

لأن ما ذكره فيما بعد من لزوم الكفر وجحود كتاب الله تعالى إنما يترتب على ادعاء كونها معلولة بما ينافي كونها محرمة العين مطلقا لا على ادعاء كونها معلولة بالسكر فقط

وإنما قال غير معلول بالسكر لكون الواقع في كلام [ ص: 95 ] المنكر هذه العبارة تبصر تفهم ( قوله والشافعي يعديه إليها ، وهذا بعيد ; لأنه خلاف السنة المشهورة ) قال تاج الشريعة : وهي ما روى ابن عباس من قوله صلى الله عليه وسلم { حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب } وقالوا : ولما كانت حرمتها لعينها لا يصح التعليل ; لأن التعليل حينئذ يكون مخالفا للنص انتهى

أقول : لقائل أن يقول : إن كان تعليلها وتعديتها إلى غيرها منافيا لحرمة عينها يلزم من تعليلها وتعديتها إلى سائر المسكرات المخالفة لكتاب الله تعالى أيضا فإنه سماه رجسا ، والرجس ما هو محرم العين كما مر ، والسنة المتواترة وإجماع الأمة أيضا على ما مر من قبل ، وذلك يؤدي إلى جحود تلك الأدلة القطعية ، وحاشى للشافعي من ذلك ، وإن لم يكن تعليلها وتعديتها إلى غيرها منافيا لحرمة عينها بل كانت حرمة عينها ثابتة بتلك الأدلة القطعية ، وحرمة عين غيرها ثابتة بتعديه حرمة عينها إلى حرمة عين غيرها بطريق القياس لم يتم القول بأنه خلاف السنة المشهورة ; لأن مدلول السنة المشهورة إنما هو حرمة عين الخمر ، والفرض أن تعديتها إلى غيرها لا ينافي حرمة عينها

ثم أقول : الحق عندي ها هنا تعليلها بالإسكار ينافي حرمة عينها ; لأن قليلها ليس بمسكر فيلزم أن لا يكون قليلها حراما على مقتضى التعليل بالإسكار ، ويلزم منه أن لا يكون عينها حراما ، لكن الشافعي لم يقل بتعليلها بالإسكار ، وأما تعليلها بما هو غير منفك عن عينها بل هو لازم لها كالمخامرة ونحوها ، فالظاهر أنه لا ينافي حرمة عينها ، والشافعي إنما قال بتعليلها بالمخامرة فعدى حكمها إلى غيرها من المسكرات حتى أوجب الحد بشرب قطرة من الباذق قياسا على الخمر كما صرح به في الكافي والشروح فمن أين يلزمه المخالفة للسنة المشهورة




الخدمات العلمية