الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وكل إهاب دبغ فقد طهر وجازت الصلاة فيه والوضوء منه إلا جلد الخنزير والآدمي ) لقوله عليه الصلاة والسلام { أيما إهاب دبغ فقد طهر } وهو بعمومه حجة على مالك رحمه الله في جلد الميتة ، ولا يعارض بالنهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب لأنه اسم لغير المدبوغ [ ص: 93 ] وحجة على الشافعي رحمه الله في جلد الكلب وليس الكلب بنجس العين ، ألا يرى أنه ينتفع [ ص: 94 ] به حراسة واصطيادا ، بخلاف الخنزير لأنه نجس العين ، إذ الهاء في قوله تعالى { فإنه رجس } منصرف إليه لقربه وحرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته فخرجا عما روينا [ ص: 95 ] ثم ما يمنع النتن والفساد فهو دباغ وإن كان تشميسا أو تتريبا لأن المقصود يحصل به فلا معنى لاشتراط غيره

التالي السابق


( قوله وكل إهاب دبغ فقد طهر ) يتناول كل جلد يحتمل الدباغة لا ما لا يحتمله ، فلا يطهر جلد الحية والفأرة به كاللحم [ ص: 93 ] وعند محمد لو أصلح مصارين شاة ميتة أو دبغ المثانة وأصلحها طهرت .

وقال أبو يوسف : هي كاللحم ، ثم استثنى جلد الخنزير والآدمي فيدخل جلد الفيل خلافا لمحمد في قول إن الفيل نجس العين . وعندهما هو كسائر السباع ، واستدل بحديث ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم { أيما إهاب دبغ فقد طهر } رواه الترمذي وصححه ، ورواه مسلم بلفظ آخر ، وهو كما تراه عام ، فإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب إياه فيه وهو قوله تعالى { أو لحم خنزير فإنه رجس } بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه لأنه صالح لعوده ، وعند صلاحية كل من المتضايفين لذلك يجوز كل من الأمرين .

وقد جوز عود ضمير ميثاقه في قوله تعالى { ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } إلى كل من العهد ولفظ الجلالة ، وتعين عوده إلى المضاف إليه في قوله تعالى { واشكروا نعمة الله عليكم إن كنتم إياه تعبدون } ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في قولك رأيت ابن زيد فكلمته لأنه المحدث عنه بالرؤية ، رتب على الحديث الأول عنه الحديث الثاني فتعين هو مرادا به وإلا اختل النظم ، وإذا جاز كل منهما لغة ، والموضع موضع احتياط وجب إعادته على ما فيه الاحتياط ، وهو بما قلنا .

وأما جلد الآدمي فليس فيه إلا كرامته وهو ما ذكره بقوله وحرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته ولا يخفى أن هذا مقام آخر غير طهارته بالدباغ وعدمها فلذا صرح في العناية بأنه إذا دبغ جلد الآدمي طهر لكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه ، وبقي جلد الكلب داخلا في العموم إذ نجاسة سؤره لا تستلزم نجاسة عينه بل نجاسة لحمه المتولد منه اللعاب فيطهر بالدباغ ، [ ص: 94 ] على أن فيه روايتين في رواية لا يطهر بناء على نجاسة عينه .

قال شيخ الإسلام : وهو ظاهر المذهب . وفي فتاوى قاضي خان : فروع عليه : منها وقع الكلب في بئر تنجس ، أصاب فمه الماء أو لم يصب ولو ابتل فأصاب ثوبا أكثر من الدرهم أفسده . واختلف المشايخ في التصحيح ، والذي يقتضيه هذا العموم طهارة عينه ولم يعارضه ما يوجب نجاستها فوجب أحقية تصحيح عدم نجاستها فيطهر بالدباغ ويصلى عليه ويتخذ دلوا للماء .

فإن قيل يجب أن يخرج منه إهاب الميتة أيضا بطريق النسخ بما رواه أصحاب السنن الأربعة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم عنه صلى الله عليه وسلم { أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر : أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب } حسنه الترمذي .

وعند أحمد قبل موته بشهر أو بشهرين . قلنا الاضطراب في متنه وسنده يمنع تقديمه على حديث ابن عباس ، فإن الناسخ أي معارض فلا بد من مشاكلته في القوة . ولذا قال به أحمد . وقال : هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تركه للاضطراب فيه . أما في السند فروي عن عبد الرحمن عن ابن عكيم كما قدمنا .

وروى أبو داود من جهة خالد الحذاء ، عن الحكم بن عتيبة بالتاء من فوق ، عن عبد الرحمن أنه انطلق هو وناس إلى عبد الله بن عكيم قال : فدخلوا ووقفت على الباب فخرجوا إلي فأخبروني أن عبد الله بن عكيم أخبرهم [ ص: 95 ] { أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة } الحديث . ففي هذا أنه سمع من الداخلين وهم مجهولون .

وأما في المتن ففي رواية بشهر ، وفي أخرى بأربعين يوما ، وفي أخرى بثلاثة أيام مع الاختلاف في صحبة ابن عكيم ، ثم كيف كان لا يوازي حديث ابن عباس الصحيح في جهة من جهات الترجيح ، ثم لو كان لم يكن قطعيا في معارضته لأن الإهاب اسم لغير المدبوغ وبعده يسمى شنا وأديما .

وما رواه الطبراني في الأوسط من لفظ هذا الحديث { هكذا كنت رخصت لكم في جلود الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب } في سنده فضلة بن مفضل مضعف : والحق أن حديث ابن عكيم ظاهر في النسخ لولا الاضطراب ، فإن من المعلوم أن أحدا لا ينتفع بجلد الميتة قبل الدباغة لأنه حينئذ مستقذر فلا يتعلق النهي به ظاهرا ( قوله لأن المقصود يحصل به ) فخرج ما جف ولم يستحل فلا يطهر ، والإلقاء في الريح كالتشميس ، وفيه حديث أخرجه الدارقطني عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما كان بعد أن يزيد صلاحه } وفيه معروف بن حسان مجهول ، والمعنى المذكور في الكتاب كاف .




الخدمات العلمية