الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يقاتلون في حال الصلاة ، فإن فعلوا بطلت صلاتهم ) ; لأنه عليه السلام شغل عن أربع صلوات يوم الخندق ، [ ص: 101 ] ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها .

التالي السابق


( قوله : ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها ) قيل فيه نظر ; لأن صلاة الخوف إنما شرعت في الصحيح بعد الخندق فلذا لم يصلها إذ ذاك . وقوله في الكافي : إن صلاة الخوف بذات الرقاع وهي قبل الخندق هو قول ابن إسحاق وجماعة أهل السير في تاريخ هذه الصلاة وهذه الغزوة . واستشكل بأنه قد تقدم في طريق حديث الخندق للنسائي التصريح بأن تأخير الصلاة يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف ، ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي والشافعي والدارمي وأبو يعلى الموصلي كلهم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه { حبسنا يوم الخندق } فذكره إلى أن قال وذلك قبل أن تنزل { فرجالا أو ركبانا } انتهى .

وهذا لا يمس ما نحن فيه ; لأن الكلام في الصلاة حالة القتال ، وهذه الآية تفيد الصلاة راكبا للخوف ونحن نقول به وهي المسألة التي بعد هذه ولا تلازم بين الركوب والقتال ، فالحق أن نفس صلاة الخوف بالصفة المعروفة من الذهاب والإياب إنما شرعت بعد الخندق ، وإن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق . ثم لا يضرنا في مدعى المصنف في هذه المسألة ، أما الأول فقد ثبت أنه عليه السلام صلى بعسفان صلاة الخوف كما قال أبو هريرة { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلا بين ضجنان وعسفان فحاصر المشركين فقال المشركون : إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم ، أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة ، فجاء جبريل فأمره أن يقسم أصحابه نصفين } وذكر الحديث .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفي رواية أبي عياش الزرقي : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد فساقه وقال فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، وصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين } الحديث ، رواه أحمد وأبو داود والنسائي .

ولا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق ، وأما الثاني فقد صح { أنه عليه الصلاة والسلام صلى الخوف بذات الرقاع } على ما ذكرناه من رواية مسلم عن جابر ، فلزم أنها بعد الخندق وبعد عسفان ويؤيد هذا أن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري شهدا غزوة ذات الرقاع كما في الصحيحين عن أبي موسى { أنه شهد غزوة ذات الرقاع ، وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما نقبت فسميت غزوة ذات الرقاع } ، وفي مسند أحمد والسنن { أن مروان بن الحكم سأل أبا هريرة : هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ قال نعم ، قال متى ؟ قال عام غزوة نجد } . وهذا يدل على أنها بعد غزوة خيبر ، فإن إسلام أبي هريرة رضي الله عنه كان في غزوة خيبر [ ص: 102 ] وهي بعد الخندق ، فهي بعد ما هو بعد ، فمن جعلها قبل الخندق فقد وهم . وأما الثالث فلما ذكرناه .

وتوضيحه أن المدعي أن لا تصلى حالة المقاتلة والمسايفة ، وهذا مما يدل عليه تأخيره الصلاة يوم الخندق ، إذ لو جازت في تلك الحالة لم يؤخروا المشروع بعدها من صلاة الخوف بالصفة الخاصة لم يفد جوازه ، وإن اشتملت الآية على الأمر بأخذ الأسلحة فإنه لا ينفي وجوب الاستئناف إن وقع محاربة ، فالقدر المتحقق من فائدة الأمر بأخذ الأسلحة إباحة القتال الذي هو ليس من أعمال الصلاة بل هو من المفسدات .

فأفادت حل فعل هذا المفسد بعد أن كان حراما فيبقى كل ما علم على ما علم ما لم ينفه ناف ، والذي كان معلوما حرمة مباشرة المفسد وثبوت الفساد بفعله . والقدر الذي يستلزمه الأمر بأخذ الأسلحة رفع الحرمة لا غير فيبقى الآخر فتجب الإعادة .




الخدمات العلمية