الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 167 ] ولو كان الدين على مقر مليء أو معسر تجب الزكاة لإمكان الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل ، وكذا لو كان على جاحد وعليه بينة أو علم به القاضي لما قلنا [ ص: 168 ] ولو كان على مقر مفلس فهو نصاب عند أبي حنيفة رحمه الله لأن تفليس القاضي لا يصح عنده . وعند محمد لا تجب لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس . وأبو يوسف مع محمد في تحقق الإفلاس ، ومع أبي حنيفة رحمه الله في حكم الزكاة رعاية لجانب الفقراء .

التالي السابق


( قوله ولو كان الدين على مقر مليء أو معسر تجب الزكاة ) وكذا قوله بعده فهو : أي الدين نصاب بعد تحقق الوجوب حال كون مسمى الدين فيستلزم أنه إذا قبض زكاة لما مضى وهو غير جار على إطلاقه بل ذلك في بعض أنواع الدين .

ولنوضح ذلك إذ لم يتعرض له المصنف فنقول : قسم أبو حنيفة الدين إلى ثلاثة أقسام : قوي وهو بدل القرض ومال التجارة ، ومتوسط وهو بدل مال ليس للتجارة كثمن ثياب البذلة وعبد الخدمة ودار السكنى ، وضعيف وهو بدل ما ليس بمال كالمهر والوصية وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والدية وبدل الكتابة والسعاية .

ففي القوي تجب الزكاة إذا حال الحول ويتراخى الأداء إلى أن يقبض أربعين درهما ففيها درهم وكذا فيما زاد فبحسابه ، وفي المتوسط لا تجب ما لم يقبض نصابا وتعتبر لما مضى من الحول في صحيح الرواية ، وفي الضعيف لا تجب ما لم يقبض نصابا ويحول الحول بعد القبض عليه ، وثمن السائمة كثمن عبد الخدمة .

ولو ورث دينا على رجل فهو كالدين الوسط ، ويروى عنه أنه كالضعيف . وعندهما الديون كلها سواء تجب الزكاة قبل القبض ، وكلما قبض شيئا زكاه قل أو كثر إلا دين الكتابة والسعاية .

وفي رواية أخرجا الدية أيضا قبل الحكم بها وأرش الجراحة لأنه ليس بدين على الحقيقة فلذا لا تصح الكفالة ببدل الكتابة ، ولا تؤخذ من تركة من مات من العاقلة الدية لأن وجوبها بطريق الصلة إلا أنه يقول : الأصل أن المسببات تختلف بحسب اختلاف الأسباب . ولو أجر عبده أو داره بنصاب إن لم يكونا للتجارة لا يجب ما لم يحل الحول بعد القبض في قوله وإن كانا للتجارة كان حكمه كالقوي لأن أجرة مال التجارة كثمن مال التجارة في صحيح الرواية ( قوله ابتداء أو بواسطة التحصيل ) لف ونشر مرتب ، ابتداء يتصل بمليء وبواسطة التحصيل بالمعسر .

وعن الحسن بن زياد أن ما على المعسر ليس نصابا لأنه لا ينتفع به ، فقول المصنف أو بواسطة التحصيل دفع له ( قوله وكذا لو كان على جاحد وعليه بينة أو علم القاضي به ) يعني يكون نصابا .

وروى هشام عن محمد أن مع علم القاضي يكون نصابا ، وفيما إذا كانت له بينة عادلة ولم يقمها حتى مضت سنون لا يكون نصابا ، وأكثر المشايخ على خلافه . وفي الأصل لم يجعل الدين نصابا ولم يفصل . قال شمس الأئمة : الصحيح جواب الكتاب ، إذ ليس كل قاض يعدل ولا كل بينة تعدل ، وفي الجثو بين يدي القضاة ذل وكل أحد لا يختار ذلك فصار في هذين البينة ، وعلم القاضي شمول العدم وشمول الوجوب والتفصيل ، وإن كان [ ص: 168 ] المديون يقر في السر ويجحد في العلانية لم يكن نصابا ، ولو كان مقرا فلما قدمه إلى القاضي جحد وقامت عليه بينة ومضى زمان في تعديل الشهود سقطت الزكاة من يوم جحد إلى أن عدلوا لأنه كان جاحدا وتلزمه الزكاة فيما كان مقرا قبل الخصومة ، وهذا إنما يتفرع على اختيار الإطلاق في المجحود .

( قوله لأن تفليس القاضي إلخ ) يفيد أن لفظ مفلس بالتشديد في قوله ولو كان على مقر مفلس لأنه تعليله ، ولأنه ذكر المفلس بالتخفيف وأعطى حكمه من غير خلاف بين الثلاثة وهو قوله ولو كان الدين على مقر مليء أو معسر إذ المعسر هو المفلس ، والخلاف إنما هو فيمن فلسه القاضي .

وصرح بعضهم بأن ما على المقر المفلس بالتخفيف ليس بينهم خلاف في أنه نصاب ، ولم يشرط الطحاوي التفليس على قول محمد ، وقول المحبوبي : لو كان المديون مقرا مفلسا فعلى صاحب الدين زكاة ما مضى إذا قبضه عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد إن كان الحاكم فلسه فلا زكاة عليه لما مضى بناء على مذهبه أن التفليس يتحقق فيصير الدين تاويا به ، وعند أبي حنيفة لا لأن المال غاد ورائح فهو في ذمة المفلس مثله في المليء يوافق نافي الخلاف ( قوله وأبو يوسف رحمه الله مع أبي حنيفة إلخ ) وقيل قول أبي يوسف مبني على قوله الأول ، وذكر صدر الإسلام قول أبي يوسف مع قول محمد في عدم وجوب الزكاة مطلقا من غير ذكر اختلاف الرواية عنه بناء على اختلافهم في تحقق الإفلاس ( قوله رعاية لجانب الفقراء ) هذا من القضايا المسلمة المسكوت عن النظر فيها مع أنها لا تصلح للوجه أصلا ، إذ بمجرد رعاية الفقراء لا يصلح دليلا للحكم بإيجاب الله تعالى المال ، فكل موضع يتأتى فيه رعايتهم ، وكم من موضع لا تجب فيه فلا يثبت إيجاب عليه إلا بدليله .

فالأولى ما قيل إن التفليس وإن تحقق لكن محل الدين الذمة وهي والمطالب باقيان حتى كان لصاحب الدين حق الملازمة فبقاء الملازمة دليل بقاء الدين على حاله ، فإذا قبضه زكاه لما مضى




الخدمات العلمية