الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن وجد ركازا ) أي كنزا ( وجب فيه الخمس ) عندهم لما روينا واسم الركاز ينطلق على الكنز لمعنى الركز وهو الإثبات [ ص: 237 ] ثم إن كان على ضرب أهل الإسلام كالمكتوب عليه كلمة الشهادة فهو بمنزلة اللقطة وقد عرف حكمها في موضعه ، وإن كان على ضرب أهل الجاهلية كالمنقوش عليه الصنم ففيه الخمس على كل حال لما بينا ثم إن وجده في أرض مباحة فأربعة أخماسه للواجد ; لأنه تم الإحراز منه إذ لا علم به للغانمين فيختص هو به ، وإن وجده في أرض مملوكة ، فكذا الحكم عند أبي يوسف ; لأن الاستحقاق بتمام الحيازة وهي منه ، [ ص: 238 ] وعند أبي حنيفة ومحمد هو للمختط له وهو الذي ملكه الإمام هذه البقعة أول الفتح ; لأنه سبقت يده إليه وهي يد الخصوص فيملك بها ما في الباطن وإن كانت على الظاهر ، كمن اصطاد سمكة في بطنها درة ملك الدرة ثم بالبيع لم تخرج عن ملكه ; لأنه مودع فيها بخلاف المعدن ; لأنه من أجزائها فينتقل إلى المشتري وإن لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك يعرف في الإسلام على ما قالوا ولو اشتبه الضرب يجعل جاهليا في ظاهر المذهب ; لأنه الأصل وقيل يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد

التالي السابق


( قوله وجب الخمس عندهم ) أي عند الكل على كل حال ذهبا كان أو رصاصا أو زئبقا بالاتفاق ، وإنما الخلاف في الزئبق المأخوذ من المعدن ، وسواء كان الواجد صغيرا أو كبيرا كما ذكرنا [ ص: 237 ] في المعدن إلا الحربي لما قدمنا ، ولأنه لا يترك أن يذهب بغنيمة المسلمين إلى دار الحرب إلا إذا كان بإذن الإمام وشرط مقاطعته على شيء فيفي بشرطه . قال عليه الصلاة والسلام { المسلمون عند شروطهم } غير أنه إن وجده في أرض مملوكة اختلف أصحابنا فيمن يستحق الأربعة الأخماس

( قوله كالمكتوب عليه كلمة الشهادة ) ذكره بكاف التشبيه ، وكذا في ضرب الكفار ليفيد عدم الحصر ، فلو كان للمسلمين نقش آخر معروف أو لأهل الحرب نقش غير الصنم كاسم من أسماء ملوكهم المعروفة اعتبر به ( قوله وقد عرف حكمها ) وهو أنه يجب تعريفها ثم له أن يتصدق بها على نفسه إن كان فقيرا ، وعلى غيره إن كان غنيا ، وله أن يمسكها أبدا ( قوله لما بينا ) أي من النص ، والمعنى أول الباب

( قوله ثم إن وجده إلخ ) أي الكنز الجاهلي لأن الإسلامي ليس حكمه ما ذكر ، بخلاف ما لو وجده في أرض مختطة غير مباحة فإنه مملوك للمختط له فلا يختص به كما سيذكره ، أما المباحة فما في ضمنها مباح إذ لم يعلموا به فيتملكوه فيبقى على ما كان ( قوله فكذا الحكم عند أبي يوسف ) أي الخمس للفقراء وأربعة أخماسه للواجد ، سواء كان مالكا للأرض أو لا لأن هذا المال لم يدخل تحت قسمة الغنائم لعدم المعادلة فبقي مباحا فيكون لمن سبقت يده إليه ، كما لو وجده في أرض غير مملوكة ، قلنا لا نقول : إن الإمام يملك المختط له الكنز بالقسمة بل يملكه البقعة ويقرر يده فيها ويقطع مزاحمة سائر الغانمين فيها ، وإذا صار مستوليا عليها أقوى [ ص: 238 ] الاستيلاءات وهو بيد خصوص الملك السابقة فيملك بها ما في الباطن من المال المباح للإنفاق على أن الغانمين لم يعتبر لهم ملك في هذا الكنز بعد الاختطاط وإلا لوجب صرفه إليهم أو إلى ذراريهم ، فإن لم يعرفوا وضع في بيت المال واللازم منتف ، ثم إذا ملكه لم يصر مباحا فلا يدخل في بيع الأرض فلا يملكه مشتري الأرض كالدرة في بطن السمكة يملكها الصائد لسبق يد الخصوص إلى السمكة حال إباحتها ، ثم لا يملكها مشتري السمكة لانتفاء الإباحة .

هذا وما ذكر في السمكة من الإطلاق ظاهر الرواية ، وقيل : إذا كانت الدرة غير مثقوبة تدخل في البيع بخلاف المثقوبة كما لو كان في بطنها عنبر يملكه المشتري لأنها تأكله وكل ما تأكله يدخل في بيعها ، وكذا لو كانت الدرة في صدفة ملكها المشتري : قلنا هذا الكلام لا يفيد إلا مع دعوى أنها تأكل الدرة غير المثقوبة كأكلها العنبر وهو ممنوع . نعم قد يتفق أنها تبتلعها مرة بخلاف العنبر فإنه حشيش والصدف دسم ومن شأنها أكل ذلك ( قوله على ما قالوا ) يفيد الخلاف على عادته ، قيل يصرف إلى أقصى ملك يعرف في الإسلام أو ذريته ، وقيل يوضع في بيت المال وهذا أوجه للمتأمل ( قوله لتقادم العهد ) فالظاهر أنه لم يبق شيء من آثار الجاهلية ويجب البقاء مع الظاهر ما لم يتحقق خلافه ، والحق منع هذا الظاهر بل دفينهم إلى اليوم يوجد بديارنا مرة بعد أخرى




الخدمات العلمية