الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
عشرة تنبيهات هامة :

التنبيه الأول : انتهى الكلام الآن على مواطن التكبير الثلاثة في القرآن الكريم . فإن قال قائل إن مواطن التكبير في التنزيل أربعة كما يؤخذ من ظاهر الطيبة حيث يقول الحافظ ابن الجزري فيها :


من أول انشراح أو من الضحى من آخر أو أول قد صححا

مع قوله فيها أيضا :


. . . . وروى     عن كلهم أول كل يستوى

ا هـ

فالمواطن أربعة بزيادة واحد وهو التكبير من أول سورة الضحى وما بعدها إلى أول سورة الناس " قلنا " : هذا صحيح ولكن هذا الموطن الزائد خاص بقراءة ابن كثير بخلاف عن قنبل وعليه فمواطن التكبير عنده أربعة كما يفيد ظاهر [ ص: 596 ] الطيبة بخلاف غيره من القراء فالمواطن ثلاثة عنده كما ذكرنا فتأمل .

التنبيه الثاني : سبق أن قلنا قريبا أن الأوجه التي بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر ما بين الناس وأول الفاتحة سبعة أوجه على الأخذ بوجه التكبير وقد ذكرناها هناك مفصلة حسب ترتيب الأداء مع أوجه البسملة الثلاثة التي بين السورتين على وجه الأخذ بعدم التكبير، وبهذا يتم لحفص في هذا الموطن عشرة أوجه تم ذكرها في موطنها . ونريد هنا أن نقول : إن أهل الأداء رحمهم الله تعالى قسموا أوجه التكبير السبعة هذه إلى ثلاثة أقسام :

وجهان منها مختصان بأن التكبير لأول السورة .

ووجهان مختصان بأن التكبير لآخرها .

وثلاثة أوجه تحتمل كلا التقديرين أي كون التكبير لأول السورة وكونه لآخرها . ويجب على القارئ معرفة هذه الأقسام الثلاثة جيدا لما يترتب عليها من أحكام يجب مراعاتها حال قطع القراءة سواء أكان ذلك القطع في الصلاة أم في خارجها كما سنوضحه قريبا في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى .

وفيما يلي تفصيل هذه الأقسام الثلاثة :

القسم الأول : وفيه الوجهان المختصان بأن التكبير لأول السورة وهما :

الأول : الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء بأول السورة اللاحقة .

الثاني : الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة .

وقد أشار إلى هذين الوجهين شيخ شيوخنا العلامة الشيخ علي المنصوري بقوله :


واقطعه عن آخرها ثم صل     بالبسملة موصولة بالأول
أو قف على بسملة وجهان     بأول السورة مخصوصان

ا هـ

[ ص: 597 ] كما أشار إليهما العلامة شيخ شيوخنا الشيخ عثمان راضي السنطاوي بقوله :


لأول سورة ببسملة فصل     وقطع كذا وصل لبسملة جلا

ا هـ

قوله رحمه الله تعالى : " ببسملة فصل " أي فصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها أو وصلها بأول السورة التالية فمفعول صل محذوف وهو التكبير فتأمل .

القسم الثاني : وفيه الوجهان المختصان بأن التكبير لآخر السورة وهما :

الأول : وصل آخر السورة السابقة بالتكبير موقوفا عليه وعلى البسملة أيضا والابتداء بأول السورة اللاحقة .

الثاني : وصل آخر السورة السابقة بالتكبير مع الوقف عليه أيضا ثم وصل البسملة بأول السورة اللاحقة .

وقد أشار إلى هذين الوجهين شيخ شيوخنا العلامة المنصوري بقوله :


ووصل تكبير بختم السورة     وقطعه عن تلوه البسملة
مع وصل باسم الله بابتداء     فصلها وجهان لانتهاء

ا هـ

كما أشار إليهما شيخ شيوخنا العلامة السنطاوي بقوله :


وآخر سورة فصله بها فقط     وبسملة فصل أو اقطع لتجملا

ا هـ

القسم الثالث : وفيه الأوجه الثلاثة المحتملة لكلا التقديرين وهي :

الأول : قطع الجميع أي الوقف على آخر السورة السابقة وعلى التكبير وعلى البسملة والابتداء بأول السورة التالية .

الثاني : الوقف على آخر السورة السابقة وعلى التكبير أيضا ووصل البسملة بأول السورة اللاحقة .

الثالث : وصل الجميع أي وصل آخر السورة السابقة بالتكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة دفعة واحدة .

وقد أشار إلى هذه الأوجه الثلاثة شيخ شيوخنا العلامة المنصوري بقوله :

[ ص: 598 ]

ولهم ثلاثة محتمله . . .     وصل الجميع قطعه عن بسمله
وآخر مع وصلها بالابتدا     ثالثها قطع الجميع أفردا

ا هـ

كما أشار إليها شيخ شيوخنا العلامة السنطاوي بقوله :


ويحتمل القولين أيضا ثلاثة     فقطع كذا وصل الجميع تخللا
أو اقطع لآخر وتكبيرا اقطعن     وبسملة فقط فصلها بأولا

ا هـ

التنبيه الثالث : في سبب تقسيم أوجه التكبير السبعة إلى هذه الأقسام الثلاثة وفيه سبب ورود التكبير .

وهذا يرجع في الأصل إلى سبب ورود التكبير . ومما جاء في سبب وروده أن الوحي انقطع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة اختلف فيها كما هو مشهور فقال المشركون -زورا وكذبا- إن محمدا قد ودعه ربه وقلاه فنزل - تكذيبا لهم - قوله تبارك وتعالى : والضحى والليل إذا سجى إلى آخر السورة فلما فرغ جبريل - عليه السلام - من قراءة سورة الضحى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر " شكرا لله لما كذب المشركين وتصديقا لما هو عليه وفرحا وسرورا بنزول الوحي . وبالنعم التي عددها الله تعالى عليه في هذه السورة خصوصا وعد الله تعالى له في قوله سبحانه : ولسوف يعطيك ربك فترضى ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكبر إذا بلغ والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم تعظيما لله تعالى واستحبابا للشكر وتعظيما لختم القرآن الكريم . وقد قال العلماء في ذلك : فهل كان تكبيره صلى الله عليه وسلم لختم قراءة جبريل فيكون لأولها . وهذا هو السبب في أن التكبير قد يكون لأول [ ص: 599 ] السورة وقد يكون لآخرها . ويمكن حمل تكبيره صلى الله عليه وسلم على كلا التقديرين أي كون التكبير لآخر السورة أو لأولها وعلى ذلك يحمل كلام العلماء أهل الأداء في الأوجه الثلاثة المتقدمة المحتملة لكلا التقديرين وقد قدمناه، وسواء كان التكبير لأول الضحى أو لآخرها أو كان محتملا لكلا القولين فهذا الحكم ليس خاصا بسورة الضحى وحدها بل ينسحب على سائر سور الختم بعدها فتأمل .

التنبيه الرابع : في منع وصل آخر السورة بالتكبير بالبسملة موقوفا عليها يمتنع وصل آخر السورة السابقة بالتكبير بالبسملة مع الوقف عليها فهذا الوجه ممنوع بالإجماع لأن فيه إيهاما بأن البسملة لآخر السورة لا لأولها وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في باب البسملة وفي هذا يقول الحافظ ابن الجزري في الطيبة :


وامنع على الرحيم وقفا إن تصل     كلا وغير ذا أجز ما يحتمل

ا هـ

التنبيه الخامس : في بيان حكم آخر السورة عند وصله بالتكبير اعلم أن آخر السورة في حالة وصل الجميع بالتكبير مطلقا أو في حالة وصله بالتكبير موقوفا عليه وذلك خاص بأواخر سور الختم ينقسم إلى ستة أقسام :

الأول : أن يكون آخر السورة حرف مد سواء كان ألفا أو واوا كقوله تعالى : فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى الله أكبر وقوله تعالى : ولسوف يرضى الله أكبر ، وقوله سبحانه : فاسجدوا لله واعبدوا الله أكبر ، والحكم في هذا القسم أنه يحذف حرف المد لالتقاء الساكنين كما هو مقرر .

الثاني : أن يكون آخر السورة ساكنا صحيحا في غير ميم الجمع كقوله تعالى : وإلى ربك فارغب وقوله عز شأنه : واسجد واقترب وهنا [ ص: 600 ] يحرك الساكن بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين كما هي القاعدة . أما إذا كان الساكن الصحيح ميم جمع كما في قوله تعالى : لا يكونوا أمثالكم الله أكبر فإن ميم الجمع هنا تحرك بالضم من غير صلة على القاعدة .

الثالث : أن يكون آخر السورة منونا كقوله تعالى : " وهو على كل شيء قدير " الله أكبر، وقوله سبحانه : " وكان الله غفورا رحيما " الله أكبر، وقوله تعالى : وآمنهم من خوف الله أكبر . وفي هذا القسم يحرك التنوين بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين .

الرابع : أن يكون آخر السورة محركا بحركة الإعراب أو بحركة البناء .

فمثال المحرك بحركة الإعراب قوله تعالى : وليذكر أولو الألباب الله أكبر، وقوله تعالى : سلام هي حتى مطلع الفجر الله أكبر . وقوله عز من قائل : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم الله أكبر . ومثال المحرك بحركة البناء نحو قوله تعالى : فانصرنا على القوم الكافرين الله أكبر، وقوله سبحانه : ومن شر حاسد إذا حسد الله أكبر ، وفي هذا القسم تبقى حركة الإعراب على حالها وكذلك حركة البناء .

الخامس : أن يكون آخر السورة هاء الضمير كقوله تعالى : ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الله أكبر ، وهنا تحذف صلة هاء الضمير للساكن بعدها .

[ ص: 601 ] السادس : أن يكون آخر السورة ياء الإضافة وذلك في قوله تعالى : وادخلي جنتي الله أكبر ، وفي هذا القسم تفتح ياء الإضافة لالتقاء الساكنين كما هو الأصل في نحو " بي ونبأني " في قوله تعالى : فلا تشمت بي الأعداء وفي قوله سبحانه : قال نبأني العليم الخبير نص على ذلك الإمام مصطفى الإزميري في كتابه " عمدة العرفان " وعبارته قوله تعالى : وادخلي جنتي إلى قوله : وما ولد إذا وصلت التكبير بآخر السورة مع وصل الكل فتحت الياء في قوله : " جنتي " لالتقاء الساكنين ثم قال رحمه الله تعالى في كتابه : " بدائع البرهان : شرح عمدة العرفان " بهذا الخصوص أيضا ما نصه قوله تعالى : وادخلي جنتي إلى قوله : وما ولد إذا وصلت آخر السورة بالتكبير مع وصل الكل فتحت الياء في قوله : جنتي لالتقاء الساكنين كما فتحت في قوله تعالى : حسبي الله و بلغني الكبر و نعمتي التي وبعض الناس يقرئ بإسكان الياء وحذفها لالتقاء الساكنين وهو خطأ لأنه لم يرد في القرآن أن القراء العشرة اتفقوا على إسكان ياء الإضافة إذا لقيت لام التعريف بل اتفقوا على فتحها في أكثر المواضع واختلف في بعضها فالأكثرون على الفتح كما في النشر والطيبة والتقريب فإن قيل إن يعقوب يثبت ياء ولي دين في آخر سورة الكافرون في الحالين فإذا وصلها بالتكبير يحذفا فلم يفتحها هنا قلنا الياء في هذه السورة مرسومة في الخط فتكون من باب ياءات الإضافة فمذهب القراء العشرة الفتح في ياءات الإضافة إذا لقيت لام التعريف سوى أربعة عشر [ ص: 602 ] موضعا فاختلف فيها الأكثرون على الفتح وفي سورة الكافرون محذوفة رسما فتكون من باب الزوائد فلذلك يحذفها إذا وصلها بالتكبير كما هو مذهبه في نظائرها نحو واخشون اليوم و يردن الرحمن فاعلم ذلك ا هـ منه بلفظه .

ويؤخذ مما نص عليه الإمام الإزميري -رحمه الله- أن حفصا بل ومعه باقي الأئمة العشرة يفتحون الياء في كلمة جنتي إذا وصلت بالتكبير كما ذكر آنفا فتنبه جيدا لهذه المسألة .

هذا : ويراعى في هذه الأقسام الستة تفخيم لفظ الجلالة وترقيقه فيفخم بعد الفتح والضم ويرقق بعد الكسر ولو كان تنوينا كما يراعى في اللفظ الكريم حذف همزة الوصل في الدرج عند وصل آخر السورة بالتكبير فتأمل .

التنبيه السادس : في بيان ذكر التهليل والتحميد مع التكبير سبق أن قلنا إنه يجوز لحفص وكذلك لباقي القراء العشرة عند سور الختم أي من آخر الضحى إلى آخر الناس التهليل مع التكبير أو التهليل مع التكبير والتحميد إذا قصد بذلك تعظيم الختم على رأي بعض المتأخرين كما تقدم .

ولذكر التهليل والتحميد مع التكبير طريقان :

الأول : يقدم لفظ التهليل على التكبير بأن يقول القارئ : " لا إله إلا الله والله أكبر " .

[ ص: 603 ] الثاني : يقدم لفظ التهليل على التكبير ويؤخر لفظ التحميد عن التكبير بأن يقول القارئ : " لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد " دفعة واحدة على هذا النسق . وإذا قرئ بالطريق الثاني فلا يجوز بحال فصل التهليل عن التكبير ولا التكبير عن التحميد ولا الإتيان بالتحميد بعد التكبير من غير التهليل بل توصل الألفاظ الثلاثة كلها دفعة واحدة كما تقدم، وهكذا قرأت وبه آخذ قراءة وإقراء . ولا التفات إلى من نبغ في عصرنا هذا من القراء من فصل جملة التهليل عن التكبير موقوفا عليها ووصل التكبير بالتحميد عند ختم القرآن الكريم كما سمعنا منه، فهذا لا يجوز بحال لمخالفته الرواية الواردة في ذلك ولما نص عليه أئمتنا . وقد تكلم في هذه المسألة غير واحد من الثقات ونورد هنا قول الحافظ ابن الجزري في النشر في التنبيه الثالث ما نصه " التهليل مع التكبير مع الحمد لله عند من رواه حكمه حكم التكبير لا يفصل بعضه من بعض بل يوصل جملة واحدة، كذا وردت به الرواية وكذا قرأنا لا نعلم في ذلك خلافا ا هـ منه بلفظه .

ثم قال رحمه الله في هذا الخصوص أيضا في التنبيه السادس لا يجوز الحمد لله مع التكبير إلا أن يكون التهليل معه، كذا وردت به الرواية ا هـ منه بلفظه .

وقد أشار إلى كل هذا شيخ شيوخنا العلامة المنصوري بقوله رحمه الله تعالى :


تهليلا التكبير مع حمد لة     رتب ولا تفصله للرواية
ولا يجوز الحمد مع تكبير     إلا مع التهليل للقدير

ا هـ

إذا علمت هذا وأردت أن تقرأ بالتهليل مع التكبير أو بالتهليل مع التكبير والتحميد عند سور الختم فما ذكرناه آنفا من ترتيب الأوجه السبعة حسب الأداء بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر الناس على القول بالتكبير لحفص يسري على أوجه التكبير مع التهليل أو مع التهليل والتحميد ويجوز لك [ ص: 604 ] أن تجمع بين التكبير مفردا وبين التكبير مقرونا بالتهليل أو بالتهليل مع التحميد وبذلك ترتقي الأوجه السبعة إلى واحد وعشرين وجها كما يجوز لك أن تقصر المنفصل وتوسطه للتعظم في لفظ التهليل مع التكبير أو هما مع التحميد فتصير الأوجه بذلك خمسة وثلاثين وجها كلها صحيحة لا سقيم فيها .

وإليك تفصيلها ثانيا :

تأتي أولا بالأوجه السبعة بالتكبير مفردا من غير تهليل ولا تحميد ثم تأتي بها ثانيا مع التهليل والتكبير فقط مقصورا وموسطا . ثم تأتي بها ثالثا مع التهليل والتكبير والتحميد مقصورا وموسطا كذلك فإذا أضفت إليها أوجه البسملة الثلاثة من غير تكبير فتبلغ الأوجه ثمانية وثلاثين وجها لحفص بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر الناس وأول الفاتحة فتنبه .

ويراعى ذلك أيضا في أوجه الاستعاذة عند الابتداء من سور الختم أي من أول ألم نشرح إلى أول الناس فقد ذكرنا في موطن التكبير الأول أن الابتداء بالاستعاذة على الأخذ بوجه التكبير لحفص يجوز معه ثمانية أوجه وقد رتبناها هناك مع أوجه الاستعاذة الأربعة المعروفة بدون تكبير حسب الأداء، فبلغ عددها اثني عشر وجها . وهنا نقول إذا أراد القارئ أن يأتي بالتهليل مع التكبير أو بالتهليل مع التكبير والتحميد عند الابتداء من سور الختم فلا مانع من الأخذ بذلك ويجوز له حينئذ أن يأتي بالتكبير مفردا أو بالتهليل مع التكبير فحسب أو بالتهليل مع التكبير والتحميد كما يجوز له القصر والتوسط في لفظ التهليل في الحالتين أي في حالة التهليل مع التكبير أو في حالة التهليل مع التكبير والتحميد فتصبح الأوجه الثمانية التي في الابتداء على القول بالتكبير أربعين وجها كلها صحيحة، فإذا أضفت إليها أوجه الاستعاذة الأربعة المعروفة بدون تكبير على القول بتركه فتبلغ الأوجه كلها أربعة وأربعين وجها لحفص عند الابتداء من سور الختم .

أما الابتداء من غيرها من سائر السور فالأوجه الاثنا عشر المعروفة والتي ذكرناها في الموطن الأول من مواطن التكبير فتنبه لذلك والله الموفق .

التنبيه السابع : منع العلامة الصفاقسي في كتابه " غيث النفع " وصل الاستعاذة بالتكبير موقوفا عليه سواء أكان مفردا أم كان مقرونا بالتهليل فحسب أم [ ص: 605 ] كان مقرونا بالتهليل والتحميد وحجته في ذلك أن التكبير إما أن يكون لآخر السورة وإما أن يكون لأولها وليست الاستعاذة واحدا منهما. انتهى كلامه بالمعنى .

قلت : وما منعه العلامة الصفاقسي منعه العلامة البقري والعلامة سلطان المزاحي أيضا وحجتهما كحجة الصفاقسي، نقل ذلك عنهما العلامة الميهي في فتح الكريم فإذا تأملت الأوجه الممنوعة وفق كلام هؤلاء الأعلام وجدتها عشرة أوجه وهي وصل الاستعاذة بالتكبير موقوفا عليه مفردا كان أو مقرونا بالتهليل وحده أو بالتهليل والتحميد وسواء كان لفظ التهليل مقصورا أو كان موسطا فهذه خمسة أوجه يأتي عليها الوقف على البسملة والابتداء بأول السورة ثم وصل البسملة بأول السورة وعليه . فتكون أوجه الاستعاذة مع الابتداء بسور الختم حسب قول هؤلاء ثلاثين وجها على القول بالتكبير بدلا من الأربعين التي تقدمت، وتكون أوجهها مع الابتداء بغيرها من سائر سور التنزيل ستة أوجه بدلا من الأوجه الثمانية التي تقدمت على القول بالتكبير أيضا، فما ذكره هؤلاء من منعهم وصل الاستعاذة بالتكبير مع الوقف عليه وما يترتب على ذلك من الوجوه مخالف لما قرأنا به .

وقد رد على العلامة الصفاقسي صاحب " غيث الرحمن " شرح هبة المنان بعد أن أورد عبارته التي سقناها بالمعنى وعبارته " لكن ما ذكره من الأوجه - أي الممنوعة - لا يناسب قول الإمام الشاطبي حيث قال : " وما لقياس في القراءة مدخل " فتأمل منصفا ا هـ منه بلفظه، كما رد على العلامتين البقري وسلطان العلامة الميهي بعد أن أورد عبارتهما بجواز ما منعاه ونسب هذا الجواز إلى الحق وقال وبه أخذت عن شيخي النبتيتي قلت : وقريب من هذين الردين أن يقال إن وصل التكبير بالاستعاذة والوقف عليه مشابه لوصل الاستعاذة بالبسملة مع الوقف [ ص: 606 ] عليها إذ أن الاستعاذة ليست من القرآن بالاتفاق وكذلك التكبير . فإذا ساغ وصل ما ليس من القرآن بالقرآن والوقف عليه من غير معارض - كما في وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها - ساغ وصل ما ليس من القرآن بعضه ببعض والوقف عليه من باب أولى - كما في وصل الاستعاذة بالتكبير والوقف عليه وهذا جائز من غير نكير خلافا لما منعه العلامة الصفاقسي والبقري والمزاحي وقد قدمنا لك أننا قرأنا به على جميع مشايخنا وبه نأخذ قراءة وإقراء كما أخذ غيرنا فتأمل وبالله التوفيق .

التنبيه الثامن : ذكر شيخ شيوخنا العلامة السنطاوي رحمه الله تعالى في تحريره على الطيبة أنه يجوز في لفظ التهليل مطلقا ثلاث مراتب في مده وهي : القصر والتوسط والإشباع ولم أر فيما وقفت عليه من قال بالإشباع في ذلك ولعله أراد - رحمه الله تعالى - بمرتبة الإشباع في لفظ التهليل قراءة حمزة ورواية ورش عن نافع من طريق الأزرق ورواية ابن ذكوان عن ابن عامر من طريق النقاش عن الأخفش إذا أخذ لهم بوجه التهليل مع التكبير أو بوجه التهليل مع التكبير والتحميد عند سور الختم على رأي بعض المتأخرين كما مر . ومن المعلوم أن حمزة والأزرق عن ورش مذهبهما الإشباع في المدين - المنفصل والمتصل من جميع الطرق بالإجماع، وكذلك ابن ذكوان عن ابن عامر من طريق النقاش عن الأخفش من طريق طيبة النشر خاصة فعلى هذا تحمل مرتبة الإشباع في التهليل التي ذكرها العلامة السنطاوي وغير هذا الاحتمال لا يجوز الأخذ بها لأن أهل الأداء الذين أخذوا بمرتبة التوسط في مد التعظيم إنما أخذوها لأصحاب القصر في المنفصل كما هو معروف، وليس منهم حمزة ولا الأزرق عن ورش ولا ابن ذكوان بل لحمزة والأزرق عن ورش الإشباع في المدين كما أسلفنا ولابن ذكوان فيهما من الطريق التي ذكرنا . وعليه فيكون الإشباع لهم في لفظ التهليل هو مذهبهم وليس داخلا في المد للتعظيم بحال فما ذكره أستاذنا السنطاوي فسبق قلم منه رحمه الله ورحمنا معه بفضله وكرمه آمين .

التنبيه التاسع : في بيان حكم أواخر سور الختم عند وصلها بالتهليل مطلقا اعلم أن أواخر سور الختم في حالة وصلها بالتهليل مع التكبير أو بالتهليل مع [ ص: 607 ] التكبير والتحميد سواء كان ذلك في وجه وصل الجميع أو كان في غيره كوصل آخر السورة بالتهليل مع التكبير أو هما مع التحميد مع الوقف عليه، وعندئذ يبقى آخر السورة على حاله من غير تغيير فالساكن يظل ساكنا كما في آخر الضحى والعلق وصلة هاء الضمير تبقى كما هي كآخر البينة والزلزلة وكذلك يبقى المحرك بحركة الإعراب أو البناء على حاله كآخر الفلق بالنسبة للمبني وآخر الناس بالنسبة للمعرب، أما إذا كان آخر السورة منونا فيدغم التنوين في اللام من لفظ التهليل على القاعدة، وحينئذ تجوز الغنة وعدمها في اللام، نص على ذلك العارف بالله شيخ شيوخنا سيدي الشيخ مصطفى الميهي في فتح الكريم الرحمن . كما نص عليه العلامة الطباخ في هبة المنان وكذلك العلامة الشيخ أحمد شرف الأبياري في غيث الرحمن شرح هبة المنان فتنبه .

التنبيه العاشر : في بيان حكم الاختلاف في أوجه التكبير مطلقا اعلم أن الاختلاف في أوجه التكبير مطلقا سواء أكان مفردا أم كان مقرونا بالتهليل أم بالتهليل مع التحميد عند سور الختم، ليس اختلاف رواية بحيث يلزم الإتيان بها كلها بين كل سورتين وإن لم يفعل يكن اختلالا في الرواية بل هو من اختلاف التخيير كأوجه البسملة الثلاثة الجائزة بين السورتين فأي وجه أتى به القارئ منها أجزأه وكذلك أوجه التكبير وكان بعضهم يأخذ بوجه واحد من أوجه التكبير الجائزة بين السورتين ويأخذ بين السورتين الأخريين بوجه آخر غير الذي أخذه بين الأوليين وهكذا إلى أن يأتي على جميع أوجه التكبير لأجل حصول التلاوة بجميعها .

قال الحافظ ابن الجزري في هذا الصدد : " وهو حسن ولا يلزم بل التلاوة بوجه منها إذا حصل معرفتها من الشيخ كاف " ا هـ ثم قال رحمه الله تعالى في [ ص: 608 ] هذا الخصوص أيضا : " نعم الإتيان بوجه مما يختص بكون التكبير لآخر السورة وبوجه مما يختص بكونه لأولها وبوجه مما يحتملها متعين إذ الاختلاف في ذلك اختلاف رواية فلا بد من التلاوة به إذا قصد جمع تلك الطرق " ا هـ قلت: والمراد بالطرق في قوله أي الطرق الثلاثة التي هي كون التكبير لأول السورة أو لآخرها أو كونه محتملا لكلا التقديرين . وقد مر ذلك آنفا . وقوله رحمه الله تعالى : " إذا قصد جمع تلك الطرق " يؤخذ منه أنه إذا لم يقصد جمع تلك الطرق فلا يتعين الأخذ بوجه من كل من تلك الثلاثة ويرجع الأمر إلى التخيير السابق فأي وجه أتى به القارئ أجزاءه فتأمل هذا القصد وبالله التوفيق .

وقد أشار إلى ما ذكرناه في هذا التنبيه العلامة الشيخ الأمين الطرابلسي ثم المدني في رسالته بقوله رحمه الله تعالى :


واعلم بأن الخلف في التكبير     من جملة الخلف على التخيير
لكن ثلاثة لكل الجمع     يجب الإتيان بها في الجمع
فواحد من وجهي ابتداء     وواحد من وجهي انتهاء
وآخر من أوجه احتمال     والحمد لله بكل حال

ا هـ

هذا : ويؤخذ من نظم العلامة الطرابلسي الوجوب قولا واحدا في الأخذ بوجه من كل من الطرق الثلاثة وقد تقدم أن الوجوب في ذلك مرتبط بقصد جمع هذه الطرق أما إذا لم يكن هناك قصد لجمعها فلا يتعين الوجوب . ويرجع الأمر إلى التخيير كما أسلفنا فتأمل .

" تتمة " : بشأن تعلق التكبير ببعض حالات القصر في المد الجائز المنفصل لحفص عن عاصم من طريق طيبة النشر .

تقدم أن ذكرنا في باب " المد والقصر " بعض الحالات المتعلقة بالقصر في المد المنفصل وبالإشباع في المد المتصل لحفص من طريق طيبة النشر كما [ ص: 609 ] تعرضنا هناك في بعض تلك الحالات لذكر التكبير كما ذكر محررو الطيبة والآن نلفت نظر القارئ إلى أن هناك حالة من حالات قصر المد المنفصل وهي القصر المطلق مع التوسط في المد المتصل، وهذه هي الحالة الأولى من حالات القصر التي ذكرناها هناك مع ذكر أحكامها الواجب اتباعها حالة الأداء وقد قلنا عنها فيما قلنا إنه يجوز فيها التكبير الخاص وعدمه، وقد سبق معنى الخاص بأنه الخاص بسور الختم فحسب وفيه مذهبان :

الأول : التكبير من آخر الضحى إلى آخر الناس .

الثاني : التكبير من أول ألم نشرح إلى أول الناس ويستوي في ذلك الأوجه التي بين السورتين في هذا المحل . وقد تقدم توضيح ذلك بما فيه الكفاية كما يستوي في ذلك أيضا إفراد التكبير أو اقترانه بالتهليل أو بالتهليل والتحميد وسواء كان لفظ التهليل مقصورا أو موسطا إلى آخر ما ذكرناه آنفا .

كما أن هناك حالة أخرى من حالات القصر في المد المنفصل أيضا وهي القصر المطلق في المنفصل مع الإشباع في المتصل، وهذه هي الحالة الثانية التي ذكرناها هناك مع ذكرنا للأحكام المتعينة عليها حالة الأداء وقد قلنا فيما قلنا من أحكامها إنه يجوز فيها الأخذ بوجه التكبير العام وعدمه، وقد سبق معنى العام أنه العام في جميع سور القرآن الكريم ويستوي في ذلك التكبير في أوائل سور التنزيل أي من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى أول سورة الناس باستثناء البدء من أول سورة براءة كما تقدم، كما يستوي في ذلك أيضا التكبير بين السورتين في سائر التنزيل باستثناء ما بين آخر الأنفال وأول براءة كما مر فتنبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية