الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 51 ] الفصل السادس

في معرفة أركان القرآن الكريم

تقدم أن الأخذ بقواعد التجويد واجب شرعي في قراءة القرآن الكريم، يثاب القارئ بفعلها ويأثم بتركها، ولا يكفيه مجرد العلم بها من الكتب، بل لا بد له من الرجوع إلى الشيوخ المتقنين الآخذين ذلك عن أمثالهم، المتصل سندهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأخذ عنهم، والسماع من أفواههم؛ لأن هناك أمورا لا تدرك إلا بالسماع منهم، ورياضة اللسان عليها المرة تلو المرة أمامهم؛ كالروم، والإشمام، والإدغام، والإخفاء، والمد، والقصر، والإمالة، والتسهيل، إلى آخر ما هنالك.

وبهذا يكون القارئ سليم النطق، حسن الأداء، بعيدا عن اللحن، بخلاف من أخذ من الكتب وترك الرجوع إلى الشيوخ، فإنه يعجز لا محالة عن الأداء الصحيح، ويقع في التحريف الصريح، الذي لا تصح به القراءة، ولا توصف به التلاوة، ولله در القائل:


من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم     ومن يكن آخذا للعلم من صحف
فعلمه عند أهل العلم كالعدم

والأخذ عن الشيوخ هو أحد أركان القرآن الثلاثة التي يجب على القارئ معرفتها وهي كما يلي:

الأول: موافقة القراءة لوجه من وجوه العربية ولو ضعيفا.

الثاني: موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالا، ومعنى الاحتمال هنا أي: ما يحتمله رسم المصحف الشريف كقراءة من قرأ " مالك " في قوله تعالى: مالك يوم الدين [الفاتحة: 4] بالألف، فإنها كتبت في عموم المصاحف العثمانية بغير ألف [ ص: 52 ] فاحتملت الكتابة أن تكون " مالك " بالألف، وفعل بها كما فعل باسم الفاعل في نحو قادر وصالح مما حذفت منه الألف اختصارا، فهذا موافق للرسم تقديرا.

وحينئذ فلا بد للقارئ من معرفة طرف من علم الرسم كمعرفة المقطوع والموصول والثابت والمحذوف من حروف المد، وما كتب بالتاء المجرورة والمربوطة ليقف على المقطوع في محل قطعه، وعلى الموصول عند انقضائه، وعلى المرسوم بالتاء المجرورة تاء حسب الرواية، وبالمربوطة هاء بالاتفاق، وعلى الثابت من حروف المد بإثباته، وعلى المحذوفة منها بحذفه مما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.

الثالث: صحة السند، وهذا الركن شرط صحة للركنين السابقين، وهو أن يأخذ القارئ القراءة عن شيخ متقن فطن، لم يتطرق إليه اللحن، واتصل سنده برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة كانت القراءة شاذة، ولو كانت من قراءات الأئمة السبعة المجمع على صحتها وتواترها.

وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في طيبة النشر بقوله رحمه الله تعالى:


فكل ما وافق وجه نحو     وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن     فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت     شذوذه لو أنه في السبعة

التالي السابق


الخدمات العلمية