الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن تبدوا الصدقات فنعما هي [ 271 ]

                                                                                                                                                                                                                                        هذه قراءة أبي عمرو ، وعاصم ، ونافع . وقرأ الأعمش ، وحمزة ، والكسائي : ( فنعما هي ) بفتح النون . وروي عن أبي عمرو ونافع بإسكان العين ، رواه قالون عن نافع . ويجوز في غير القرآن : " فنعم ما هي " ولكنه في السواد متصل فلزم الإدغام . وحكى النحويون في " نعم " أربع لغات : يقال : " نعم الرجل زيد " ، هذا الأصل ، ويقال : " نعم الرجل " فتكسر النون لكسرة العين ، ويقال : " نعم الرجل " والأصل نعم حذفت الكسرة لأنها ثقيلة ، ويقال : " نعم الرجل " وهذه أفصح اللغات . والأصل فيها " نعم " ، وهي تقع في كل مدح فخففت وقلبت كسرة العين على النون وأسكنت العين ، فمن قرأ : " فنعما هي " فله تقديران أحدهما : أن يكون جاء به على لغة من قال : " نعم " ، والتقدير الآخر : أن يكون على اللغة الجيدة فيكون الأصل " نعم " ثم كسرت العين لالتقاء الساكنين . فأما الذي حكي عن أبي عمرو ونافع من إسكان العين ؛ فمحال . حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : أما إسكان العين ، والميم مشددة ؛ فلا يقدر أحد أن ينطق به ، وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأبه .

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : ومن قرأ : " فنعما هي " فله تقديران ؛ أحدهما : أن يكون على لغة من قال : " نعم الرجل " ، والآخر أن يكون على لغة من قال : " نعم الرجل " ، فكسر العين لالتقاء الساكنين . ويجب على من قرأ : " فنعم " أن يقول : " بئس " . ( وإن تخفوها ) شرط فلذلك حذفت منه النون ( وتؤتوها ) عطف عليه ، والجواب : ( فهو خير لكم ) . قرأ قتادة ، وابن أبي إسحاق ، وأبو عمرو : ( ونكفر عنكم من سيئاتكم ) . وقرأ نافع ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : ( ونكفر عنكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 339 ] إلا أن الحسين بن علي الجعفي روى عن الأعمش : ( ونكفر عنكم ) بالنصب . قال أبو حاتم : قرأ الأعمش : ( فهو خير لكم نكفر عنكم ) بغير واو جزما ، والصحيح عن عاصم أنه قرأ مرفوعا بالنون ، وروى عنه حفص أنه قرأ : ( ويكفر ) بالياء والرفع ، وكذلك روي عن الحسن ، وروي عنه بالياء والجزم . وقرأ عبد الله بن عباس : ( وتكفر عنكم من سيئاتكم ) بالتاء وكسر الفاء والجزم . وقرأ عكرمة : ( وتكفر عنكم ) بالتاء وفتح الفاء والجزم . قال أبو جعفر : أجود القراءات : ( ونكفر عنكم ) بالرفع ، هذا قول الخليل وسيبويه ، قال سيبويه : والرفع ههنا الوجه ، وهو الجيد لأن الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء . وأجاز الجزم يحمله على المعنى ؛ لأن المعنى : ( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن خيرا لكم ونكفر عنكم ) ، والذي حكاه أبو حاتم عن الأعمش بغير واو جزما يكون على البدل كأنه في موضع الفاء ، والذي روي عن عاصم : " ويكفر عنكم " بالياء والرفع يكون معناه : يكفر الله ، هذا قول أبي عبيد . وقال أبو حاتم : معناه : يكفر الأعطاء . وقرأ ابن عباس : " وتكفر " يكون معناه : وتكفر الصدقات . وقراءة عكرمة : " وتكفر عنكم " أي أشياء من سيئاتكم ، فأما النصب " ونكفر " فضعيف وهو على إضمار " أن " ، وجاز على بعد لأن الجزاء إنما يجب به الشيء لوجوب غيره فضارع الاستفهام .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية