الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله (تعالى): فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ؛ قوله: ففسق عن أمر ربه ؛ دليل على أنه أمر بالسجود مع الملائكة؛ وأكثر ما في التفسير أن إبليس من غير الملائكة؛ وقد ذكره الله - عز وجل - أنه كان من الجن بمنزلة آدم من الإنس؛ وقد قيل: إن الجن ضرب من الملائكة؛ كانوا خزان الأرض؛ وقيل: خزان الجنان؛ فإن قال قائل: فكيف استثني مع ذكر الملائكة؛ فقال: فسجدوا إلا إبليس ؛ فكيف وقع الاستثناء وليس هو من الأول؟ فالجواب في هذا أنه أمر معهم بالسجود؛ فاستثني من أنه لم يسجد؛ والدليل على ذلك أنك تقول: "أمرت عبدي وإخوتي؛ فأطاعوني إلا عبدي"؛ وكذلك قوله - عز وجل -: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ؛ ورب العالمين ليس كمثله شيء؛ وقد جرى ذكره في [ ص: 294 ] الاستثناء؛ وهو استثناء ليس من الأول؛ ولا يقدر أحد أن يعرف معنى الكلام غير هذا؛ ففسق عن أمر ربه ؛ فيه ثلاثة أوجه؛ يجوز أن يكون معناه: "خرج عن أمر ربه"؛ يقال: "فسقت الرطبة"؛ إذا خرجت عن قشرها؛ وقال قطرب : يجوز أن يكون معناه: "فسق عن رد أمر ربه"؛ ومذهب سيبويه ؛ والخليل ؛ وهو الحق عندنا؛ أن معنى "فسق عن أمر ربه": أتاه الفسق لما أمر؛ فعصى؛ فكان سبب فسقه أمر ربه؛ كما تقول: "أطعمه عن جوع؛ وكساه عن عري"؛ المعنى: "كان سبب فسقه الأمر بالسجود"؛ كما كان سبب الإطعام الجوع؛ وسبب الكسوة العري.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: بئس للظالمين بدلا ؛ معناه أنه بئس ما استبدل به الظالمون من رب العزة - جل وعز -؛ إبليس.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية