الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ؛ الفائدة في ذكر الآية أنه - عز وجل - أعلمهم أنه يبتليهم بالطاعة؛ وأنه يجازيهم بالجنة عليها؛ وبالنار على تركها؛ وأن هذا الابتلاء وقع عند الهبوط على الأرض؛ وإعراب " إما " ؛ في هذا الموضع؛ إعراب حروف الشرط؛ والجزاء؛ إلا أن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة؛ أو الخفيفة؛ لزمتها " ما " ؛ ومعنى لزومها إياها معنى التوكيد؛ وكذلك معنى دخول النون في الشرط التوكيد؛ والأبلغ فيما يؤمر العباد به التوكيد عليهم فيه؛ وفتح ما قبل النون في قوله: يأتينكم ؛ لسكون الياء؛ وسكون النون الأولى؛ وجواب الشرط في الفاء مع الشرط الثاني؛ وجوابه؛ وهو: " فمن تبع هداي " ؛ [ ص: 118 ] وجواب " فمن تبع هداي " : قوله: فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؛ و " هداي " ؛ الأكثر في القراءة؛ والرواية عن العرب: " هداي فلا خوف " ؛ فالياء في " هداي " ؛ فتحت لأنها أتت بعد ساكن؛ وأصلها الحركة التي هي الفتح؛ فالأصل أن تقول: " هذا غلامي قد جاء " ؛ بفتح الياء؛ لأنها حرف في موضع اسم مضمر؛ منع الإعراب؛ فألزم الحركة؛ كما ألزمت " هو " ؛ وحذف الحركة جائز؛ لأن الياء من حروف المد؛ واللين؛ فلما سكن ما قبلها لم يكن بد من تحريكها؛ فجعل حظها ما كان لها في الأصل من الحركة؛ وهو الفتح؛ ومن العرب من يقولون: " هدي " ؛ و " عصي " ؛ فمن قرأ بهذه القراءة فإنما قلبت الألف إلى الياء؛ للياء التي بعدها؛ إلا أن شأن ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها؛ فجعل بدل كسر ما قبلها - إذ كانت الألف لا يكسر ما قبلها؛ ولا تكسر هي - قلبها ياء؛ وطيئ تقول في " هدى " ؛ و " عصا " ؛ و " أفعى " ؛ وما أشبه هذا - في الوقف -: " هدي " ؛ و " عصي " ؛ و " أفعي " ؛ بغير إضافة؛ وأنشد أبو الحسن الأخفش ؛ وغيره من النحويين:


                                                                                                                                                                                                                                        تبشري بالرفه والماء الروي ... وفرج منك قريب قد أتي



                                                                                                                                                                                                                                        وبعض العرب يجري ما يجريه في الوقف - في الأصل - مجراه في [ ص: 119 ] الوقف؛ وليس هذا الوجه الجيد؛ وزعم سيبويه أن الذين أبدلوا من الألف الياء؛ أبدلوها في الوقف؛ ليكون أبين لها؛ وحكى أيضا أن قوما يقولون في الوقف: " حبلو " ؛ و " أفعو " ؛ وإنما يحكي أهل اللغة والعلم بها كل ما فيها؛ ليتميز الجيد المستقيم المطرد؛ من غيره؛ ويجتنب غير الجيد؛ فالباب في هذه الأشياء أن ينطق بها في الوصل والوقف بألف؛ فليس إليك أن تقلب الشيء لعلة؛ ثم تنطق به على أصله والعلة لم تزل؛ فالقراءة التي ينبغي أن تلزم هي: هداي فلا خوف ؛ إلا أن تثبت برواية صحيحة " هدي " ؛ فيقرأ بها؛ ووجهه من القياس ما وصفنا؛ فأما قوله: " هذا صراط علي مستقيم " ؛ وقوله: " إلي مرجعكم " ؛ فلا يجوز أن يقرأ: " هذا صراط علاي " ؛ ولا: " ثم إلاي مرجعكم " ؛ لأن الوصل كان في هذا: " إلاي " ؛ و " علاي " ؛ ولكن الألف أبدلت منها مع المضمرات الياء؛ ليفصل بين ما آخره مما يجب أن يعرب ويتمكن؛ وما آخره مما لا يجب أن يعرب؛ فقلبت هذه الألف ياء لهذه العلة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية