الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الخبر معرفا بالألف واللام نحو زيد هو الشجاع، وتفصيل فروق الوجه الأول

                          195- واعلم أنك تجد الألف واللام في الخبر على معنى الجنس ثم ترى له في ذلك وجوها :

                          أحدها : أن تقصر جنس المعنى على المخبر عنه لقصدك المبالغة وذلك قولك : " زيد هو الجواد " و " عمرو هو الشجاع " تريد أنه الكامل . إلا أنك تخرج الكلام في صورة توهم أن الجود أو الشجاعة لم توجد إلا فيه، وذلك لأنك لم تعتد بما كان من غيره، لقصوره عن أن يبلغ الكمال . فهذا [ ص: 180 ] كالأول في امتناع العطف عليه للإشراك . فلو قلت : " زيد هو الجواد وعمرو " كان خلفا من القول .

                          معنى الوجه الثاني

                          والوجه الثاني : أن تقصر جنس المعنى الذي تفيده بالخبر على المخبر عنه، لا على معنى المبالغة وترك الاعتداد بوجوده في غير المخبر عنه، بل على دعوى أنه لا يوجد إلا منه . ولا يكون ذلك إلا إذا قيدت المعنى بشيء يخصصه ويجعله في حكم نوع برأسه، وذلك كنحو أن يقيد بالحال والوقت كقولك : “ هو الوفي حين لا تظن نفس بنفس خيرا " . وهكذا إذا كان الخبر بمعنى يتعدى ثم اشترطت له مفعولا مخصوصا كقول الأعشى :


                          هو الواهب المائة المصطفاة إما مخاضا وإما عشارا



                          فأنت تجعل الوفاء في الوقت الذي لا يفي فيه أحد نوعا خاصا من الوفاء ، وكذلك تجعل هبة المائة من الإبل نوعا خاصا وكذا الباقي . ثم إنك تجعل كل هذا خبرا على معنى الاختصاص، وأنه للمذكور دون من عداه.

                          ألا ترى أن المعنى في بيت الأعشى: أنه لا يهب هذه الهبة إلا الممدوح؟ وربما ظن الظان أن اللام في :


                          هو الواهب المائة المصطفاة



                          بمنزلتها في نحو : " زيد هو المنطلق " من حيث كان القصد إلى هبة مخصوصة، كما كان القصد إلى انطلاق مخصوص، وليس الأمر كذلك لأن القصد هاهنا إلى جنس من الهبة مخصوص، لا إلى هبة مخصوصة بعينها . يدلك على ذلك أن المعنى على أنه يتكرر منه، وعلى أن يجعله يهب المائة مرة بعد أخرى . وأما [ ص: 181 ] المعنى في قولك : " زيد هو المنطلق " فعلى القصد إلى انطلاق كان مرة واحدة لا إلى جنس من الانطلاق . فالتكرر هناك غير متصور كيف؟ وأنت تقول : جرير هو القائل :


                          وليس لسيفي في العظام بقية



                          تريد أن تثبت له قيل هذا البيت وتأليفه .

                          فافصل بين أن تقصد إلى نوع فعل وبين أن تقصد إلى فعل واحد متعين، حاله في المعاني حال زيد في الرجال في أنه ذات بعينها .

                          الوجه الثالث

                          197- والوجه الثالث: أن لا يقصد قصر المعنى في جنسه على المذكور لا كما كان في : " زيد هو الشجاع " تريد أن لا تعتد بشجاعة غيره ولا كما ترى في قوله :


                          هو الواهب المائة المصطفاة



                          ولكن على وجه ثالث وهو الذي عليه قول الخنساء :


                          إذا قبح البكاء على قتيل     رأيت بكاءك الحسن الجميلا



                          لم ترد أن ما عدا البكاء عليه فليس بحسن ولا جميل ولم تقيد الحسن بشيء فيتصور أن يقصر على البكاء، كما قصر الأعشى هبة المائة على الممدوح . ولكنها أرادت أن تقره في جنس ما حسنه الحسن الظاهر الذي لا ينكره أحد ولا يشك فيه شاك .

                          ومثله قول حسان :


                          وإن سنام المجد من آل هاشم     بنو بنت مخزوم ووالدك العبد



                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية