الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 148 ] وجاز سواك كل النهار ، ومضمضة لعطش ، وإصباح بجنابة ، وصوم دهر وجمعة فقط وفطر بسفر قصر [ ص: 149 ] شرع فيه قبل الفجر ولم ينوه فيه ، وإلا قضى ولو تطوعا ، ولا كفارة ; إلا أن ينويه بسفر [ ص: 150 ] كفطره بعد دخوله ، وبمرض خاف : زيادته ، أو تماديه . ووجب إن خاف هلاكا ، أو شديد أذى : [ ص: 151 ] كحامل ، ومرضع لم يمكنها استئجار أو غيره خافتا على ولديهما ، والأجرة في مال الولد ، ثم هل في مال الأب ، أو مالها ؟ تأويلان

التالي السابق


( وجاز ) أي : لم يحرم على الصائم ولم يكره ( سواك ) أي : استياك إذ لا تكليف إلا بفعل اختياري بما لا يتحلل منه شيء وكره بالرطب لما يتحلل منه ، فإن تحلل منه شيء ووصل لحلقه عمدا ففيه القضاء والكفارة وإلا فالقضاء فقط ( كل النهار ) لقوله صلى الله عليه وسلم {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } ، أي : أمر إيجاب وهذا يعم الصائم وغيره ( و ) جاز له ( مضمضة لعطش ) ونحوه فما تطلب المضمضة فيه كوضوء وغسل أحرى ، وتكره لغير موجب ; لأنها تغرير بالفطر يسبقها للحلق المصنف إذا تمضمض لعطش أو نحوه ثم ابتلع ريقه فلا شيء عليه . الباجي إذا ذهب طعم الماء وخلص ريقه ( و ) جاز ( إصباح بجنابة ) والأولى الاغتسال منها قبل الفجر .

( و ) جاز أي : ندب ( صوم دهر ) إن لم يضعفه عن عمل بر ولم يقل أحد بجوازه مستويا ، وإنما قيل بندبه وكراهته ابن العربي احتج على جواز صومه بالإجماع على لزومه بالنذر ، ولو كره أو منع لم يلزم على القاعدة القباب هذه حجة لا بأس بها . البناني قد يقال في حجة ابن العربي أن القائل بكراهته يجيب عن لزومه بالنذر بما يأتي في رابع النحر ( و ) جاز صوم يوم ( جمعة ) ( فقط ) لا قبله يوم ولا بعده يوم أي : ندب فإن ضم إليه آخر فلا خلاف في ندبه ، وإنما فسر الجواز بالندب ; لأنه ليس لنا صوم مستوى الطرفين وحمل النهي عن الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم { لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله يوما أو بعده } ، على التقية من فرضه كما اتقى قيام رمضان وقد أمنا من هذه العلة بوفاته صلى الله عليه وسلم ولذا يذكر أن ابن رشد كان يصومه إلى أن مات .

( و ) جاز له بمعنى كره ( فطر ) أي : نيته وفعله ( بسفر قصر ) أي : أربعة برد بلا [ ص: 149 ] عصيان ولا لهو به ولو أقام بمحل يوما أو يومين أو ثلاثة صرح به في النوادر ، ونقله ابن عرفة ( شرع ) المكلف ( فيه ) أي : السفر ( قبل ) طلوع ( الفجر ) أو معه هذا مصب الشرطية فلا يقال الشروع فيه علم من قوله بسفر ، فاشتراطه فيه من باب تحصيل الحاصل ( و ) الحال أنه ( لم ينوه ) أي : الصوم ( فيه ) أي : السفر هذا شرط في جواز الفطر بالفعل لا بالنية لئلا يلزم شرط الشيء في نفسه ، وبقي من الشروط كون السفر في رمضان لا في نحو كفارة ظهار .

( وإلا ) أي : وإن لم تجتمع هذه الشروط بأن لم يكن سفر قصر أو لم يشرع فيه أو شرع فيه بعد الفجر أو نوى الصوم فيه ( قضى ) ذكره وإن علم من قوله وقضى في الفرض مطلقا ليرتب عليه قوله ( ولو ) كان الصوم الذي أفطر فيه ( تطوعا ) بيت صومه في الحضر وسافر بعد الفجر أو في السفر وأفطر فيه لغير عذر فيقضيه ، ; لأن فطره حينئذ عمد حرام فلا حاجة لهذه المبالغة وبحث فيها أيضا بأن ما قبلها لا يصدق عليها ; لأن رخصة فطر السفر خاصة برمضان بدليلها إذ لو رخص فيه في التطوع لم يلزم قضاؤه فالمناسب إبدال قضى بفلا يجوز ولأنه نقيض الجواز المشروط فيه ، ولأنه لازم في الفطر الجائز باستيفاء الشروط .

( ولا كفارة ) على من أفطر مع فقد شرط مما تقدم ( إلا ) من فقد الشرط الرابع ب ( أن ينويه ) أي : صوم رمضان ( بسفر ) أي : فيه ثم يفطر فيه لغير عذر فتلزمه الكفارة ولو تأول وأولى من لم يشرع فيه قبل الفجر ورفع نيته ليلا واستمرار أفعالها حتى طلع الفجر سواء عزم عليه قبله أو بعده تأول أو لا ، أفطر بالفعل أو لا ، ويكفر أيضا إن بيت الصوم بحضر ثم أفطر قبل عزمه تأول أو لا أو بعده ولم يتأول أو تأول ولم يسافر في يومه ، فإن تأول وسافر في يومه فلا يكفر كتبييته الصوم بحضر وفطره بعد شروعه بعد الفجر تأول أو لا . [ ص: 150 ] وسأل سحنون ابن القاسم عن الفرق بين من بيت الصوم في الحضر ثم أفطر بعد أن سافر بعد الفجر من غير أن ينويه فلا كفارة عليه ، وبين من نوى الصوم في السفر ثم أفطر فعليه الكفارة فقال ; لأن الحاضر من أهل الصوم فسافر فصار من أهل الفطر فسقطت عنه الكفارة ، والمسافر مخير فيهما فاختار الصوم وترك الرخصة فصار من أهل الصيام فعليه ما عليهم من الكفارة وشبه في لزوم الكفارة وإن تأول فقال ( كفطرة ) أي المسافر الصائم ( بعد ) انقضاء سفره و ( دخوله ) نهارا أوله أو وسطه أو آخره وطنه أو محل زوجته المدخول بها أو محلا نوى إقامة أربعة أيام فيه . ابن يونس تحصيل اختلافهم على أربعة أوجه أصبح صائما في سفر ثم أفطر أصبح صائما في الحضر ثم سافر فأفطر أفطر ثم سافر عزم على السير فأفطر ثم بدا له فلم يسافر ، ففي كل وجه قولان بالتكفير وعدمه .

( و ) جاز الفطر ( بمرض خاف ) أي : تحقق أو ظن الصائم لتجربة في نفسه أو موافقة في المزاج أو إخبار عدل عارف بالطب ( زيادته ) أي المرض بالصوم ( أو تماديه ) أي : المرض بتأخير البرء منه أو حصل للمريض شدة وتعب بالصوم بلا زيادة ولا تماد ، ومفهوم بمرض أن خوف أصل المرض بصومه لا يبيح الفطر وهو كذلك إذ لعله لا ينزل به وقيل يبيحه .

( ووجب ) الفطر على الصائم مريضا كان كما هو الموضوع أو صحيحا ( إن خاف ) أي تحقق أو ظن بما تقدم ( هلاكا أو شديد أذى ) بتلف منفعة كبصر بصومه ; لأن حفظ النفس والمنافع واجب ، وهذا في قوة الاستثناء من قوله وجاز بمرض إلخ ، فكأنه قال : إلا أن يخافه إلخ والجواز فيما قبل الاستثناء هو المشهور . البرزلي اختلف إذا خاف ما دون الموت على قولين والمشهور الإباحة نقله الحط ، فما في المواق عن اللخمي من منع الصوم حينئذ مقابل للمشهور ، وأما الجهد الشديد الذي يزول بالفطر فيبيح الفطر للمريض فقط وقيل وللصحيح أيضا . [ ص: 151 ] وشبه في الجواز والوجوب فقال ( كحامل ) جنينا في بطنها ( ومرضع ) ولدها ( لم يمكنها ) أي : المرضع ( استئجار ) لمرضع ترضع ولدها بدلها لعدم مال لأبيه وله ولها أو مرضعة أو عدم قبول الولد غيرها ( أو غيره ) أي : الاستئجار وهو إرضاعها بنفسها أو غيرها مجانا ( خافتا ) أي : تحققت أو ظنت الحامل والمرضع ضررا بالصوم ( على ولديهما ) فيجوز فطرهما إن خافتا ضررا يسيرا ويجب إن خافتا هلاكا أو أذى شديدا ، وأما خوفها به على أنفسهما فقد دخل في عموم قوله وبمرض إلخ ; لأن الحمل مرض والرضاع في حكمه وظاهر قوله خافتا أنه لا يباح لهما الفطر بمجرد الجهد مع أمن العاقبة ، وقد صرح اللخمي بجوازه لهما به .

وحكى ابن الحاجب الاتفاق عليه واستظهره في التوضيح قائلا إذا كانت الشدة مبيحة للفطر من المرض فالحامل والمرضع أولى بذلك . وقال ابن رشد للمرضع على المشهور من مذهب مالك رضي الله عنه في الفطر ثلاثة أحوال : حال لا يجوز لها فيه الفطر والإطعام وهي قدرتها على الصيام ولم يجهدها الإرضاع وحال يجوز لها فيه الفطر والإطعام ، وهو إجهادها الإرضاع ولم تخف على ولدها وحال يجب عليها فيه الفطر والإطعام وهو خوفها على ولدها . ا هـ . فإن أمكن المرضع الاستئجار وجب بها الصوم والاستئجار .

( والأجرة في مال الولد ) الذي ملكه بإرث أو عطاء أو استحقاق في وقف ; لأنها من نفقته وظاهره ولو كان الإرضاع واجبا عليها أو لا ( ثم ) إن لم يكن للولد مال ووجد مال الوالدين ف ( هل ) تكون الأجرة ( في مال الأب ) وهو الراجح لوجوب نفقته عليه ( أو ) تكون الأجرة في ( مالها ) أي الأم حيث وجب عليها إرضاعه ، وهذا بدله ولا ترجع بها على الأب ، فإن كانت بائنا فعلى الأب اتفاقا ( تأويلان ) الأول للخمي ، والثاني لسند [ ص: 152 ] والأولى تردد أو قولان إذ ليس اختلافا في فهمها ومحلهما حيث يجب الإرضاع على الأم وإلا ففي مال الأب اتفاقا . فإن لم يكن له مال ففي مالها اتفاقا فإن كان له مال ولا مال لها ففي ماله اتفاقا .




الخدمات العلمية