الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وصحتهما بالإسلام فيحرم ولي [ ص: 188 ] عن رضيع ، وجرد قرب الحرم ، ومطبق لا مغمى [ ص: 189 ] والمميز بإذنه ، وإلا فله تحليله ، ولا قضاء بخلاف العبد ، وأمره مقدوره وإلا ناب عنه ; [ ص: 190 ] إن قبلها : كطواف ، لا : كتلبية ، وركوع ، وأحضرهم المواقف وزيادة النفقة عليه ; إن خيف ضيعة ، وإلا فوليه : كجزاء صيد ، وفدية [ ص: 191 ] بلا ضرورة .

التالي السابق


( وصحتهما ) أي : الحج والعمرة مشروطة ( بالإسلام ) فقط فلا يصحان من كافر ولو صبيا مرتدا ( فيحرم ) بضم فسكون فكسر ندبا ( ولي ) أي : أب أو وصيه أو مقدم قاض أو عاصب أو أم أو كافل وإن لم يكن لهم نظر في ماله نقله الأبي في شرح مسلم وأقره [ ص: 188 ] عن ) شخص ( رضيع ) بأن ينوي إدخاله في الحج أو العمرة ، وليس المراد أن الولي يحرم بأحدهما نيابة عنه . ومثل الرضيع المفطوم غير المميز وخص الرضيع بالذكر للخلاف في صحة الإحرام عنه بدليل مقابلته بالمميز . ابن عرفة وفي صحته لغير المميز قولان لها وللخمي مع رواية ابن وهب يحج بابن أربع لا رضيع .

( وجرد ) بضم فكسر مثقلا أي : الرضيع الذكر من المحيط ببدنه وساتر رأسه ووجهه والأنثى من ساتر وجهها وكفيها فقط وتنازع يحرم وجرد ( قرب الحرم ) أي : مكة شرفها الله تعالى لخوف المشقة وحصول الضرر بتجريده والإحرام عنه من الميقات فإن تحقق الولي أو ظن تضرره بتجريده قرب مكة أحرم عنه بلا تجريد وافتدى عنه . ابن عرفة وعلى صحته أي : إحرام الولي عن غير المميز يحرم عنهما ، أي : الرضيع والمفطوم وليهما بتجريدهما ناويه . ولا يلبي عنهما ويجرد المناهز من ميقاته ومن لا ينتهي كابن ثمان سنين قرب الحرم . وفي كتاب محمد لا بأس أن يترك عليه مثل القلادة والسوارين ، وفيها لا بأس أن يحرم بأصاغر الذكور وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم الأسورة .

( و ) يحرم ولي أيضا عن مجنون ( مطبق ) بضم فسكون ففتح الموحدة أي : متصل جنونه لا يفيق في وقت ما ولا يميز السماء من الأرض ولا الطول من العرض ، ومن لا يفهم الخطاب ولا يحسن رد الجواب وإن ميز الإنسان من الفرس أي ينوي ولي ماله أو كافله إدخاله في الحج أو العمرة ندبا بعد تجريده قرب مكة ، فإن لم يكن مطبقا بأن كان متقطع الجنون يجن في وقت ويفيق في غيره انتظرت إفاقته ليحرم هو عن نفسه ، فإن أحرم عنه وليه حيال جنونه فلا يصح إلا إذا خيف فواته الحج .

( لا ) يحرم ولي عن شخص ( مغمى ) بضم فسكون ففتح أي : مستور عقله بمرض ولو خيف فواته الحج ; لأنه مظنة الإفاقة قريبا . وإذا أفاق في زمن يدرك الوقوف فيه أحرم لنفسه ولا دم عليه لتعديه الميقات بلا إحرام لعذره بإغمائه . ابن عرفة وفي المجنون قولان [ ص: 189 ] لها ولتخريج اللخمي على الصبي . وقول الباجي عدم العقل يمنع صحته خلاف النص ، ثم قال : ولا يصح عن مرجو صحته .

( و ) يحرم الشخص الصغير ( المميز ) بكسر المثناة مثقلة الذي يفهم الخطاب ويحسن الجواب ( بإذنه ) أي الولي وجرد قرب الحرم إن لم يقارب البلوغ كابن ثمان ، فإن قاربه فمن الميقات قاله فيها فإن أحرم بإذنه فليس له تحليله ( وإلا ) أي : وإن يحرم بإذنه بأن أحرم بغير إذنه ( فله ) أي الولي ( تحليله ) أي : المميز من إحرامه بالنية والحلق أو التقصير بأن ينوي إخراجه مما أحرم به ، ويحلق رأسه أو يقصر شعره إن رأى المصلحة فيه فقط . وإن كانت في إبقائه على إحرامه فقط أبقاه عليه وجوبا فيهما ، وإن استوت مصلحتهما خير الولي فاللام للاختصاص لا للتخيير ( و ) إن حلله وليه ف ( لا قضاء ) عليه إذا بلغ ومثله في الاستئذان والتحليل وعدم القضاء السفيه أي : البالغ الذي لا يحسن التصرف في المال .

( بخلاف العبد ) أي : الرقيق البالغ إذا أحرم بغير إذن سيده وحلله منه فعليه قضاؤه إن أذن له سيده فيه أو عتق ، ويقدمه على حجة الإسلام لوجوبه فورا اتفاقا فإن قدمها على القضاء صحت . ومثل العبد الزوجة في تطوعها بدون إذن زوجها . والفرق بين الصغير والسفيه وبين العبد والزوجة أن الحجر على الأولين لحق نفسهما وعلى الأخيرين لحق غيرهما . وإن أذن للعبد في القضاء ثم أراد منعه منه قبل إحرامه ففي الشامل ليس له منعه على الأظهر . وقال أبو الحسن : له منعه وهو الموافق لما مر في الاعتكاف .

( وأمره ) أي : الولي المميز الذي أحرم بإذنه أو بغيره ورأى المصلحة في إبقائه محرما ( مقدوره ) أي : ما يقدر عليه من أفعال وأقوال الحج والعمرة ويلقنه التلبية إن قبلها ( وإلا ) أي وإن لم يكن مقدوره وكان غير مميز أو مطبقا ( ناب ) الولي فيه ( عنه ) أي : [ ص: 190 ] المحجور ( إن قبلها ) أي : الشيء المطلوب النيابة وهو الفعل .

( كطواف ) وسعي ورمي وفي جعله نائبا في الطواف والسعي نظر ، فإن حقيقة النيابة فعل النائب دون المنوب عنه والطواف والسعي يفعلهما الولي حاملا للمحجور ويقف به بعرفة والمشعر الحرام فحقه التمثيل بالرمي والذبح ( لا ) أن يقبلهما ( كتلبية وركوع ) أي : صلاة ركعتي الإحرام والطواف فيسقط . وضابط المسألة أن كل ما يمكن المميز فعله مستقلا يفعله ، وما لا يمكنه فعله مستقلا فعله به وليه كطواف وسعي ، وما لا يمكنه فعله مستقلا ولا أن يفعل به . فإن قبل النيابة كالرمي فعله وليه ، وإلا سقط كالتلبية والركوع .

( وأحضرهم ) أي الولي الرضيع والمطبق والمميز ( المواقف ) جمع موقف أي : محل الوقوف وهي عرفة والمشعر الحرام ومنى عقب الجمرة الأولى والثانية في أيام الرمي وجوبا في عرفة وندبا في الباقي ( وزيادة النفقة ) التي يحتاجها المحجور عليه صبيا كان أو غيره في السفر لحمله وأكله وشربه ولبسه كائنة ( عليه ) أي المحجور في ماله ( إن خيف ) عليه ( ضيعة ) أي : هلاك أو شدة ضرر بتركه في البلد ، إن لم يكن له كافل سوى من سافر به ; لأن سفره حينئذ من مصالحه ( وإلا ) أي : وإن لم يخف عليه ضيعة بتركه في البلد لوجود كافل سوى من سافر به ( فوليه ) أي : المحجور الذي سافر به ، هو الذي عليه تلك الزيادة أيا كان أو وصيه أو حاكما أو مقدمه أو حاضنا من أم أو جد أو غيرهما .

وشبه في الوجوب على الولي فقال ( كجزاء صيد ) قتله المحجور محرما في غير الحرم فهو على الولي مطلقا فالتشبيه ليس تاما ، وأما جزاء ما قتله في الحرم سواء كان محرما أو لا ففيه تفصيل زيادة النفقة ( و ) ك ( فدية ) تسببت عن تطيب المحجور أو لبسه أو [ ص: 191 ] نحوهما فيغرمها الولي من ماله مطلقا خاف عليه بتركه ضيعة أو لا على الأشهر ، وهو ظاهر المدونة ، وعزاه ابن عرفة للتونسي عن ثالث حجها . وحكى في التوضيح عن الكافي أنه الأشهر وبه قرر الشارح في الصغير والأقفهسي والبساطي ، وجعل الشارح في كبيره ووسطه التشبيه تاما وهو قول مالك في الموازية ورجحه ابن يونس قائلا ; لأن ما يتخوف أن يطرأ في إحجاجه إياه من الجزاء والفدية أمر غير متيقن وإحجاجه طاعة وأجر لمن أحجه لا يترك لأمر قد يكون وقد لا يكون .

وتأول صاحب الطراز المدونة على ما في الموازية فحمل كلام المصنف على كل منهما صحيح ، لكن الظاهر من كلام الحط اختيار الأول وقوله ( بلا ضرورة ) ضعيف ; لأن ظاهر المدونة وهو المذهب أنها على الولي لضرورة أم لا ; لأنه هو الذي أدخله في الإحرام ، فلو حذفه كان أولى . وقول تت إن كانت لضرورة ففي مال الصبي على المشهور تبع فيه الشارح والبساطي ، ونسبه الشارح للجواهر ورده الحط بأن صاحب الجواهر لم يقل بأنه لضرورة في مال الصبي ، وإنما قال ما نصه ولو طيب الولي الصبي فالفدية على الولي إلا إذا قصد المداواة فيكون كاستعمال الصبي ا هـ . فلم يجعله في مال الصبي وإنما جعله كاستعمال الصبي وقد علمت أن الأشهر في استعماله كونه على الولي فكذلك إذا طيبه الولي ولو لضرورة .




الخدمات العلمية