الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 207 ] يقول حج عني وأدفع لك مائة دينار مثلا تنفق منها على نفسك كل يوم عشرة دراهم مثلا فإن لم يبين له ذلك عند العقد أنفق على نفسه بالعرف والبلاغ : إعطاء ما ينفقه بدءا وعودا بالعرف ، وفي هدي وفدية لم يتعمد موجبهما ، [ ص: 208 ] ورجع عليه بالسرف ، واستمر إن فرغ أو أحرم ، ومرض وإن ضاعت قبله رجع ، وإلا فنفقته على آجره ، إلا أن يوصي بالبلاغ ، ففي بقية ثلثه ولو قسم ، [ ص: 209 ] وأجزأ إن قدم على عام الشرط أو ترك الزيارة ، ورجع بقسطها .

التالي السابق


( والبلاغ ) بفتح الموحدة أي حقيقته شرعا إجارة على الحج أجرتها ( إعطاء ما ) أي : مال ( ينفقه ) الأجير على نفسه في سفر للحج ( بدءا ) أي : ذهابا من البلد إلى مكة ومنى وعرفة ( وعودا ) أي : رجوعا منها للبلد إنفاقا ( بالعرف ) أي : المعروف بين الناس بلا إسراف ولا تقتير فيما يصلحه من كعك وزيت ولحم مرة بعد أخرى ووطاء ولحاف وخفاف وثياب وشبهها وظاهر كلامه أنه يراعي العرف فيما ينفقه ابتداء .

وقال الحط قوله بالعرف أي : بعد الوقوع ، وأما أولا فينبغي أن يبين له النفقة بأن يقول حج عني وأدفع لك مائة دينار مثلا تنفق منها على نفسك كل يوم عشرة دراهم مثلا فإن لم يبين له ذلك عند العقد أنفق على نفسه بالعرف ودل قوله إعطاء على أنه إن شرط عليه أن ينفق على نفسه كل النفقة أو بعضها من عنده ثم يدفع له عوض ما أنفقه فليس بلاغا جائزا وهو كذلك إذ هو سلف وإجارة بشرط فهي فاسدة قاله سند . ويرد ما ما فضل من المال والثياب التي اشتراها ونحوها .

( وفي هدي ) معطوف على بدء أو عود قاله الفيشي وهو أقرب من قول تت ، عطف على مقدر متعلق بنفقة أي على نفسه .

فإن قلت هذان التقريران يفيدان إعطاء ما ينفقه في هدي وفدية من مسمى البلاغ وليس كذلك . قلت بل هو منه قاله الحط وأما جعله عطفا على مقدر متعلق بجواب شرط مقدرين ، أي : وإن لم يكفه ما أعطاه له رجع بما أنفقه فيما يحتاج إليه ، وفي هدي ففي غاية التكليف بلا ضرورة .

( و ) في ( فدية لم يتعمد ) الأجير ( موجبهما ) بكسر الجيم أي : سبب وجوب الهدي والفدية بأن فعله اختيار الغير وعذر بأن فعله لعذر كإكراه أو نسيان أو مرض [ ص: 208 ] وهو محمول على عدم التعمد حتى يثبت عليه قاله سند ( ورجع ) بضم فكسر ( عليه ) أي على الأجير ( ب ) عوض ( السرف ) الزائد على العرف فيما أنفقه على نفسه من المال الذي دفع له ، وهو ما لا يليق بحاله وإن كان لائقا بحال الموصي ، وأولى من السرف في الإنفاق شراؤه هدية لأهله وأصدقائه .

( واستمر ) أجير البلاغ وجوبا على عمله إلى تمام الحج ( إن فرغ ) المال الذي أخذه قبل إحرامه أو بعده في عام معين أو غيره ويرجع بما ينفقه على نفسه من ماله على الوصي الذي استأجره لتفريطه بالعدول عن إجارة الضمان لا على الموصي ، إلا أن يوصي بالبلاغ ففي باقي ثلثه ( أو أحرم ومرض ) أجير البلاغ أو صد عن عرفة أو فاته الوقوف بها لخطإ عدد بعد إحرامه فيستمر إن لم يعين العام في الثلاثة ، وإن عين انفسخت فيها وسقطت أجرته عن مستأجره لقوله وفسخت إن عين العام وعدم . ومفهوم أحرم ومرض أنه إن مرض قبل إحرامه حتى فاته الوقوف يرجع وله النفقة في إقامته مريضا ورجوعه لا في ذهابه إلى مكة ورجوعه منها إلى محل المرض قاله اللخمي ، ونقله أبو الحسن .

( وإن ضاعت ) النفقة من أجير البلاغ وعلم به ( قبله ) أي الإحرام وأمكنه الرجوع ( رجع ) أجير البلاغ للبلد الذي استؤجر منه فإن استمر فلا نفقة له من موضع علمه الضياع إلى عوده إليه ونفقته على مستأجره من موضع الضياع إلى بلده ; لأنه الذي ورطه فيه إن لم يوص الميت بالبلاغ وإلا استمر وله النفقة في بقية ثلثه ( وإلا ) بأن ضاعت بعد إحرامه أو قبله ولم يعلمه إلا بعده أو لم يمكنه الرجوع ( ف ) يستمر إلى تمام الحج و ( نفقته على آجره ) بمد الهمز أي : مستأجره لا على الموصي .

( إلا أن يوصي بالبلاغ ففي ) بقية ( ثلثه ) أي الموصي لم يقسم متروكه بل ( ولو قسم ) بضم فكسر ما تركه بين ورثته فإن لم يبق من ثلثه شيء فعلى عاقد إجارة [ ص: 209 ] البلاغ لتفريطه بالعدول عن الضمان وصيا كان أو غيره ما لم يقل حال العقد هذا جميع ما أوصى به الميت ليس لك يا أجير غيره ، فهذه إجارة بأجر معلوم ، فإن قال له إن فضل شيء ترده وإن نقص شيء فلا ترجع به فإن قل المال بحيث يعلم أنه لا يكفي فلا يرجع الأجير بالزائد ، وإن شك فغرر يسير لا يوجب الفسخ ولا رجوع لأحدهما على الآخر بشيء وإن ضاعت النفقة في هذه الوجوه قبل الإحرام فلا شيء للأجير ولا يلزمه الإتمام . ( وأجزأ ) حج الأجير ( إن قدم ) بضم فكسر مثقلا أي الحج ( على عدم الشرط ) سواء كان من الموصي أو الوصي ; لأنه كدين قدم قضاؤه قبل حلول أجله فيجبر ربه على قبوله ، مع أنه لا فائدة في تعيين العام إلا التوسعة عليه في زمن فعل ما استؤجر عليه فتأخيره حق له ، وهذا يقتضي جواز التقديم على عام الشرط . وقال بعضهم : يكره أخذا من قوله وأجزأ ، ومفهوم قدم عدم الإجزاء إن أخر عنه وهو كذلك وسيأتي . وفسخت إن عين العام وعدم وظاهره الإجزاء ولو كان في عام الشرط غرض ككون وقفته بالجمعة ومعنى الإجزاء براءة ذمة الأجير مما استؤجر عليه ، فلا ينافي قوله ولا يسقط فرض من حج عنه .

( أو ) إن ( ترك ) الأجير ( الزيارة ) للنبي صلى الله عليه وسلم المشترطة أو المعتادة فيجزي حجه ومثلها العمرة ( ورجع ) على الأجير ( بقسطها ) بكسر القاف أي : مقابلها من الأجرة إن تركها لعذر . وقيل يؤمر بالرجوع لها ، فإن تركها مختارا أمر بالرجوع لها ونص مناسك المصنف . ولو استؤجر واشترطت عليه الزيارة للنبي صلى الله عليه وسلم فتعذرت عليه ، فقال ابن زيد : يرد من الأجرة بقدر مسافة الزيارة . وقيل يرجع حتى يزور ا هـ طفي يفهم من فرضهم أنه لو تركها عمدا من غير تعذر يؤمر بالرجوع بلا خلاف وبهذا تعقب البساطي المصنف .




الخدمات العلمية