الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن حلق حل محرما بإذن فعلى المحرم ; وإلا فعليه ، وإن حلق محرم رأس حل أطعم ، وهل حفنة أو فدية [ ص: 323 ] تأويلان ، في الظفر الواحد ، لا لإماطة الأذى حفنة : [ ص: 324 ] كشعرة أو شعرات ، أو قملة أو قملات ، وطرحها كحلق محرم لمثله موضع الحجامة ; إلا أن يتحقق نفي القمل ، وتقريد بعيره ، لا كطرح علقة أو برغوث ، [ ص: 325 ] والفدية فيما يترفه به أو يزيل أذى : كقص الشارب أو ظفر وقتل قمل كثر ، وخضب بكحناء ، وإن رقعة إن كبرت ومجرد [ ص: 326 ] حمام على المختار .

التالي السابق


( وإن حلق حل محرما ) أو قلم أظفاره أو طيبه ( بإذن ) من المحرم في الحلق أو التقليم أو التطييب ولو حكما كرضاه بفعله ( فعلى المحرم ) الفدية ولو أعسر ولا تلزم الحل ، وقد يقال تلزمه ; لأنه لا يجوز له الحلق بإذنه ويرجع بها على المحرم إن أيسر ( وإلا ) أي : وإن لم يأذن له المحرم بأن كان نائما أو مكرها ( ف ) الفدية ( عليه ) أي : الحل ، وهذا مكرر مع قوله كأن حلق حل رأسه أعاده هنا للتصريح بمفهوم بإذن ودفعه الحط بأن ما هنا بيان لموضع لزومها للحل وما مر بيان ; لأن حكم الحالق إذا لزمته حكم الملقي طيبا . ابن عاشر هذه محاولة لا تتم إذ لا مانع من جعل التشبيه تاما حتى يستفاد منه المعنى المفاد هنا .

( وإن حلق ) شخص ( محرم ) بحج أو عمرة ( رأس ) شخص ( حل ) بكسر الحاء وشد اللام أي : غير محرم ( أطعم ) المحرم وجوبا لاحتمال قتله دواب ، فإن تحقق عدمها فلا يطعم .

( وهل ) إطعامه ( حفنة ) أي : ملء يد واحدة من طعام كما في المدونة متوسطة لا مقبوضة ولا مبسوطة ( أو ) إطعامه ( فدية ) أي : صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة [ ص: 323 ] مساكين أو نسك بشاة فيه ( تأويلان ) في قول الإمام يفتدي ، وقول ابن القاسم يتصدق بشيء من طعام " رضي الله عنهما " ، فالتأويل الثاني بالخلاف للباجي واللخمي ، والأول بالوفاق لغيرهما . وتردد ابن يونس فيهما فلو قال افتدى وهل على ظاهره أو حفنة لكان أولى . سند إذا حلق المحرم رأس حلال فإن تبين أنه لم يقتل شيئا من الدواب فلا شيء عليه في المعروف من المذهب ، وإن قتل يسيرا أطعم شيئا من طعام وكثيرا أو لم يتبين ولم يدر مأثم فقال مالك " رضي الله عنه " يفتدي ، وقال ابن القاسم يطعم ا هـ .

وهذا مبني على تعليل الفدية بقتل القمل ، وهو قول عبد الوهاب وسند واللخمي . وعللها البغداديون بالحلق وإليه ذهب ابن رشد ، وعليه فلا فرق بين أن يقتل قملا قليلا أو كثيرا أو يتحقق نفيه . وعلى الإطلاق حمل سالم كلام المصنف بناء على التعليل بالحلق وصوبه طفي . البناني وهو غير ظاهر والصواب حمله على التفصيل لتعليل ابن القاسم بقتل القمل كما في ابن الحاجب ، ولقول المصنف بعد إلا أن يتحقق نفي القمل . ولقول سند إنه المعروف من المذهب ولقولهم في تقليم المحرم ظفر حلال لا شيء عليه ، قال في التوضيح وهو يرجح أن الفدية للقمل لا للحلق إذ لو كانت للحلق لوجبت الفدية هنا ا هـ . وهو ظاهر .

( وفي ) قلم ( الظفر الواحد لا لإماطة الأذى ) ولا لانكساره بأن قلم المحرم ظفر نفسه عبثا وترفها كما هو ظاهر الحط ( حفنة ) أي : ملء يد واحدة من طعام متوسطة لا مقبوضة ولا مبسوطة والقبضة بالضاد المعجمة ملؤها مقبوضة فهي دون الحفنة ، والقبصة بالصاد المهملة الأخذ بأطراف الأصابع فهي ، دون القبضة بالضاد المعجمة ، وعلى هذا يستثنى ما هنا من قوله الآتي والفدية فيما يترفه به ، ومفهوم الواحد أن في قص ما زاد على الواحد فدية سواء كان لإماطة الأذى أم لا إن أبانهما في فور واحد أو أبان الثاني قبل الإخراج للأول وإلا ففي كل حفنة ولا شيء على المحرم في قلم ظفر الحلال أو المحرم بإذنه والحفنة أو الفدية على المقلوم كما في المدونة والذخيرة ، وإن أكرهه أو قلمه وهو نائم فعلى القالم المحرم أو الحلال . [ ص: 324 ] وشبه في الحفنة فقال ( ك ) إزالة ( شعرة ) واحدة من جسده ففيها حفنة ( أو ) إزالة ( شعرات ) عشرة لغير إماطة أذى ففيها حفنة من طعام ولإماطته فيها فدية كإزالة الكثير الزائد على عشرة فالتشبيه تام .

( و ) قتل ( قملة ) واحدة فيها حفنة ( وقملات ) عشرة فيها حفنة ولو لإماطته . قال في التوضيح لم نعلم في المذهب قولا بوجوب الفدية في قملة أو قملات ( وطرحها ) أي : القملة أو القملات بالأرض فيه حفنة كقتلها بالجر عطف على قتل المقدر قبل قملة ، أو بالرفع مبتدأ خبره محذوف ، أي : كقتلها في إيجاب الحفنة بناء على جواز قطع العطف ، إن أمن اللبس كما قال الرضي لتأديته لموتها لخلقها من جسد الآدمي .

وشبه في وجوب الحفنة أيضا فقال ( كحلق ) شخص ( محرم ) بحج أو عمرة ( ل ) شخص ( مثله ) في كونه محرما بحج أو عمرة بإذنه ( موضع الحجامة ) فيلزم الحالق حفنة من طعام ( إلا أن يتحقق ) الحالق ( نفي القمل ) عن موضع الحلق فلا حفنة على الحالق وعلى المحلوق شعره في الحالين الفدية .

( و ) ك ( تقريد ) أي إزالة القراد عن ( بعيره ) أي : المحرم فيه حفنة إن لم يقتله اتفاقا ، وإن قتله على المشهور ، ولا فرق بين قليله وكثيره . وقد نقل الحط والمواق عنها أنه يطعم في طرحه ، ولما قال ابن الحاجب وفي تقريد بعيره يطعم على المشهور تعقبه ابن عبد السلام والمصنف بأن الذي حكاه غيره أن القولين إنما هما إذا قتل القراد ( لا ) شيء على المحرم في ( كطرح علقة ) عنه أو عن بعيره ; لأنها من دواب الأرض ، وأدخلت الكاف النمل والدود والذباب والسوس وغيرها سوى القملة والبرغوث فلا شيء في طرحها .

( أو ) طرح ( برغوث ) بتثليث الباء ; لأنه من دواب الأرض في الشامل وله طرح [ ص: 325 ] برغوث . ولا شيء عليه في قتله وقيل يطعم ( والفدية ) واجبة ( فيما ) أي : الفعل الذي ( يترفه ) بضم المثناة تحت وفتح المثناة فوق والراء والفاء مشددة أي : يتنعم ( به أو ) فيما يزيل به ( أذى ) الحط لم يبين ابن القاسم ما هي إماطة الأذى ، وجعلها الباجي قسمين : أحدهما أن يقلق من طول ظفره فيقلمه وهذا أذى معتاد ، والثاني أن يريد مداواة جرح بأصبعه ولا يتمكن إلا به ( كقص الشارب ) جعله ابن شاس مثالا لما يزال به أذى وتت مثالا لما يترفه به وهو صالح لهما .

( أو ) قص ( ظفر ) واحد لإماطة أذى فهو مفهوم قوله آنفا لا لإماطة أذى أو متعدد لإماطة أذى أو لا ، فتحصل من كلامه أن لقلم الظفر الواحد ثلاثة أحوال قلمه منكسرا لا شيء فيه قلمه لا لإماطة أذى فيه حفنة قلمه لإماطة أذى فيه فدية ، وأدخل بالكاف حلق العانة ونتف الإبط والأنف .

( وقتل قمل كثر ) بأن زاد على اثني عشر ففيه الفدية ، هذا قول مالك " رضي الله عنه " قال في البيان رآه من إماطة الأذى ، وقال ابن القاسم يطعم كسرة انظر التوضيح ومثل قتله طرحه ( وخضب ) لرأسه أو لحيته أو غيرهما ( بكحناء ) بالمد والصرف مثال صالح للأمرين ; لأنه يطيب الرأس ويفوحه ويقتل دوابه ويرجل شعره ويزينه ، وبدون هذا تجب الفدية قاله سند ، ودخل بالكاف الوسمة بفتح الواو وكسر السين المهملة وسكونها لغة نبت شجرة كالكزبرة يدق ويخلط مع الحناء من الوسامة أي : الحسن ; لأنها تحسن الشعر قاله في توضيحه وفيه الفدية .

ولو نزعه مكانه إن عم رأسه مثلا بالخضب بل ( وإن ) كان المخضوب ( رقعة إن كبرت ) بأن كانت قدر الدرهم فإن صغرت فلا فدية ، وأفهم قوله خضب أنه إن جعلها في فم جرح أو حشى بها شقوقا أو شربها فلا شيء عليه وهو كذلك ( ومجرد ) بضم الميم [ ص: 326 ] وفتح الجيم والراء مشددة صب ماء حار على جسده في ( حمام ) بفتح الحاء وشد الميم عن تدلك وإزالة وسخ ففيه الفدية ( على المختار ) ولو لرفع جنابة وأسقط من كلامه تقييده بجلوس فيه حتى يعرق وأولى إن دلك أو أزال وسخا ، وأما صب الماء البارد فيه فلا فدية فيه ودخوله التدفي بلا غسل جائز ، ومذهب المدونة أنه لا تجب الفدية على داخله إلا إذا تدلك وأنقى الوسخ واقتصر على مختار اللخمي لاختياره الأشياخ لا ما فيها قاله الشارح .




الخدمات العلمية