الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ووجب إتمام المفسد ، وإلا فهو عليه وإن أحرم ، [ ص: 332 ] ولم يقع قضاؤه إلا في ثالثه ، وفورية القضاء وإن تطوعا ، وقضاء القضاء ، ونحر هدي في القضاء [ ص: 333 ] واتحد ، وإن تكرر لنساء ، بخلاف صيد وفدية ، وأجزأ إن عجل ، وثلاثة إن أفسد قارنا ثم فاته وقضى ، وعمرة إن وقع قبل ركعتي الطواف ، [ ص: 334 ] وإحجاج مكرهة وإن نكحت غيره ، [ ص: 335 ] وعليها إن أعدم ورجعت عليه : كالمتقدم وفارق من أفسد معه [ ص: 336 ] من إحرامه لتحلله ، ولا يراعى زمن إحرامه ، بخلاف ميقات إن شرع ، وإن تعداه ; فدم .

التالي السابق


( ووجب ) على المكلف ( إتمام ) النسك ( المفسد ) بضم الميم وفتح السين من عمرة أو حج أدرك وقوفه وإن كان الفساد قبله فيتمه بالوقوف ونزول مزدلفة ومبيتها ووقوف المشعر الحرام ورمي جمرة العقبة والإفاضة والسعي عقبه إن لم يكن قدمه ، ومبيت منى ورميها والتحصيب فإن فاته وقوفه وجب تحلله منه بفعل عمرة ، ولا يجوز له البقاء على إحرامه الفاسد لعام قابل فإنه تمادى على فاسد يمكن التحلل منه ، وهو لا يجوز كما يأتي في قوله وإن أفسد ثم فات أو بالعكس وإن بعمرة التحلل تحلل وقضاه دونها فهو تقييد لما هنا ( وإلا ) أي : وإن لم يتمه سواء ظن إباحة قطعه أم لا ( فهو ) أي : الإحرام الفاسد باق ( عليه ) إن لم يحرم بالقضاء بل .

( وإن أحرم ) بغيره فهو لغو ولو قصد به قضاء المفسد فلا يكون ما أحرم به قضاء [ ص: 332 ] عنه عند إمامنا مالك " رضي الله عنه " ، ولا قضاء عليه لما أحرم به وإتمامه إتمام للمفسد ( ولم ) الأولى ولا ( يقع قضاؤه ) أي : المفسد ( إلا في ) سنة ( ثالثة ) إن لم يطلع عليه إلا بعد فوات وقوف الثاني وإلا أمر بالتحلل من الفاسد بفعل عمرة ولو في أشهر الحج ويقضيه في العام الثاني . وعبارة ابن الحاجب فإن لم يتمه ثم أحرم للقضاء في سنة أخرى فهو على ما أفسد ولم يقع قضاؤه إلا في ثالثة .

( و ) وجب ( فورية القضاء ) لما أفسده من حج أو عمرة بعد التحلل من فاسدهما ولو على القول بتراخي الحج ولم يخف فواته وهو ظاهر قوله إن كان ما أفسده فرضا بل ( وإن ) كان ( تطوعا ) ; لأن تطوع الحج والعمرة من النفل الذي يجب تكميله بالشروع فيه والقضاء من جملة التكميل ، وظاهر كلامابن عبد السلام والتوضيح تقديم قضاء التطوع على حجة الإسلام .

( و ) وجب ( قضاء القضاء ) من حج أو عمرة إن أفسده فيأتي بحجتين عند ابن القاسم إحداهما قضاء عن الحجة الأولى والثانية قضاء عن قضائها الذي أفسده ، ويهدي مع كل حجة هديا . وظاهر المصنف ولو كثر ابن الحاجب وفي قضاء القضاء المفسد مع الأول قولا ابن القاسم ومحمد والمشهور أن لا قضاء في قضاء رمضان . قال التوضيح عن ابن رشد نبه بقوله والمشهور أن لا قضاء في قضاء رمضان على أن المشهور هنا القضاء ، والفرق بينهما أن الحج لما كانت كلفته شديدة شدد فيه بقضاء القضاء سدا للذريعة لئلا يتهاون به ، وفرق آخر أن القضاء في الحج على الفور وإذا كان على الفور صارت حجة القضاء كأنها حجة معينة بزمان معين ، فلزمه القضاء إن أفسدها كحجة الإسلام . وأما زمان قضاء الصوم فليس بمعين .

( و ) وجب ( نحر هدي في ) زمن ( القضاء ) حج أو عمرة ولا يقدمه زمن إتمام المفسد فيؤخره على المشهور ليجتمع الجابر والنسكي والمالي والوجوب منصب على الهدي [ ص: 333 ] وعلى كون نحره في القضاء ، ولكنه غير شرط بدليل قوله وأجزأ إن عجل . وظاهر عبارته وجوبه للقضاء ، وليس كذلك ، بل للفساد . فلو قال : ونحر هديه فيه ويكون ضمير هديه للفساد وفيه للقضاء لكان أحسن ( واتحد ) هدي الفساد إن اتحد موجب الفساد بل ( وإن تكرر ) موجبه بوطء ( لنساء ) أي : فيهن ( بخلاف صيد ) فيتعدد جزاؤه بتعدده ; لأنه عوض عنه والعوض يتعدد بتعدد المعوض ( و ) بخلاف ( فدية ) فتتعدد بتعدد سببها إلا في المواضع الأربعة المتقدمة في قوله واتحدت إن ظن الإباحة إلخ .

( وأجزأ ) هدي الفساد ( إن عجل ) بضم فكسر مثقلا مع إتمام المفسد ( و ) وجب هدايا ( ثلاثة إن أفسد ) الحج حال كونه ( قارنا ) أو متمتعا ( ثم ) بعد أخذه في إتمامه ( فاته ) وقوفه أو فاته وقوفه ثم أفسده ( وقضى ) قارنا أو متمتعا بهدي للإفساد وهدي للفوات وهدي للقرآن أو التمتع الصحيح الذي جعله قضاء ، وسقط هدي القرآن أو التمتع الذي فسد وفات لانقلابه عمرة فلم يحج القارن بإحرامه ولا المتمتع من عامه ، وسيفيد هذا بقوله لا دم قران ومتعة للفائت .

فإن قلت : قوله وقضى صادق بقضائه قارنا وبقضائه مفردا فمن أين علم أن مراده الأول . قلت من قوله الآتي لا قران عن إفراد إلخ ( وعمرة ) عطف على هدي من قوله وإلا فهدي فلو وصله به لكان أحسن إذ ذكره هنا يوهم اتصاله بما قبله وليس بمراد ، أي : حيث قلنا بعدم الفساد فهدي ويجب معه عمرة يأتي بها بعد أيام منى ( إن وقع ) الوطء غير المفسد للحج ( قبل ركعتي الطواف ) للإفاضة صادق به بوقوعه قبل الطواف وبوقوعه بعده وقبل ركعتيه ، وكذا إن وقع بعد ركعتي الطواف وقبل السعي لمن لم يسع [ ص: 334 ] عقب طواف القدوم ، ففي مفهوم قبل ركعتي الطواف تفصيل ليأتي بطواف وسعي لا خلل فيهما .

فإن وقع بعد ركعتي الطواف لمن قدم السعي عقب طواف القدوم أو بعد السعي لمن لم يقدمه قبل رمي جمرة العقبة فلا عمرة عليه لسلامة طوافه وسعيه من الخلل ، وهذا التفصيل هو المشهور ومذهب المدونة . قال في التوضيح إذا لم نقل بالإفساد فلا خلاف أن عليه هديا .

واختلف في العمرة على ثلاثة أقوال الأول . أن عليه عمرة كان وطؤه قبل الطواف أو بعده وهو قول القاضي إسماعيل . الثالث : وهو المشهور ومذهب المدونة إن كان قبل الإفاضة أو بعدها بأن نسي شوطا منها أو قبل ركعتي الطواف فعليه العمرة ، وإن كان بعد ذلك فلا عمرة عليه ا هـ . ابن عرفة وتضعيفه إسماعيل بأن عمرته توجب طوافها فلا يصح لها . وللإفاضة معا يرد بأن المطلوب إتيانه بطواف في إحرام لا ثلم فيه لا يقيد أنه إفاضة . ورده أيضا ابن عبد السلام بأنه إذا كان سبب إحرام العمرة جبر الأول فلا نسلم إيجابها طوافا غير الأول .

( و ) وجب على من أكره امرأة على جماعه إياها حرة كانت أو أمة أذن لها في الإحرام أم لا ( إحجاج مكرهة ) بضم فسكون ففتح وهدي عنها من ماله ، ومفهوم ومكرهة أن الطائعة لا يجب عليه إحجاجها ويجب عليها الحج والهدي من مالها ، وطوع أمته إكراه إلا أن تطلبه عند ابن القاسم ، أي : أو تتزين له إن كانت المكرهة باقية في عصمته أو ملكه .

بل ( وإن ) طلقها و ( نكحت ) الزوجة المكرهة ( غيره ) أي : المكره ويجبر الزوج الثاني على إذنه لها في قضاء المفسد أو باع الأمة التي أكرهها وبيعها جائز على المنصوص ، ويجب بيان وجوب قضاء المفسد عليها وإلا فللمشتري ردها به . ابن يونس فإن فلس الزوج المكره حاصت زوجته المكرهة غرماءه بمؤنة حجها وهديها ووقف [ ص: 335 ] ما يصير لها حتى تحج به وتهدي منه ، فإن ماتت قبله رجع ما نابها لمؤنة الحج لغرمائه ونفذ الهدي ، وإن أكره رجلا على وطء امرأة مكرهة فلا شيء على المكره بالكسر إلا الإثم ولا على المرأة ، وعلى الرجل المكره بالفتح إحجاجها ; لأن انتشاره دليل اختياره قرره عج البناني يمكن إدخال هذه الصورة في قول المصنف مكرهة بأن يقال مكرهة له سواء أكرهها هو أو غيره ، وفي قوله وعلى المكره بالفتح إحجاجها إلخ نظر والظاهر أنه لا شيء عليه ا هـ .

( و ) يجب الحج والهدي ( عليها ) أي المكرهة بالفتح من مالها ( إن أعدم ) مكرهها بالكسر ( ورجعت ) المكرهة بالفتح بعوض ما أنفقته من مالها في حجها وهديها على المكره بالكسر إن أيسر ( ك ) الرجوع ( المتقدم ) في رجوع من ألقي عليه طيب أو على رأسه ساتر وهو نائم ولم يجد الملقي شيئا يفتدي به عنه فافتدى المحرم بغير الصوم ثم أيسر الملقي في كونه بالأقل فترجع عليه بالأقل من كراء المثل وما اكترت به إن اكترت ، وبالأقل مما أنفقته ، ومن نفقة مثلها في السفر بلا إسراف وفي الهدي بالأقل من ثمنه وقيمته إن كانت اشترته وبقيمته إن كان من عندها .

وفي الفدية بالأقل من مثل كيل الطعام وقيمة الشاة إن كان الطعام من عندها أو ثمنه إن اشترته هذا إن افتدت بطعام ، وإن افتدت بشاة من عندها فبالأقل من قيمتها وقيمة الطعام ، وإن كانت اشترتها فبالأقل من قيمتها وقيمة الطعام والمعتبر في الأقلية يوم الرجوع لا يوم الإخراج في التوضيح التونسي لو كان النسك بالشاة أرفق لها حين نسكت وهو معسر ثم أيسر وقد غلا النسك ورخص الطعام فإنما يلزم الطعام إذ هو الآن أقل قيمة من قيمة النسك الذي نسكت به .

( وفارق ) وجوبا وقيل ندبا ( من ) أي المرأة التي ( أفسد ) الواطئ الحج أو العمرة ( معه ) أي : المرأة الموطوءة ، وذكر ضميرها مراعاة للفظ من ، وأجرى الصلة على [ ص: 336 ] غير ما هي له ولم يبرز لا من اللبس ، وصلة فارق ( من ) حين ( إحرامه ) بالقضاء حجا أو عمرة ( لتحلله ) منه بتمام الإفاضة وركعتيه والسعي إن لم يسع عقب القدوم وحلقه في الحج والعمرة لئلا يعود إلى مثل ما كان منه وأشعر إتيانه بالمبدأ والغاية بأنها في القضاء وهو كذلك . وأما إتمام المفسد فذكر ابن رشد أنه كذلك ، وتفيده علتها في القضاء بل تفيد أنها في الإتمام أولى لمظنة التساهل فيه . وظاهر الطراز خلافه وهو ظاهر إذ الفساد حصل فلا معنى للاحتراس منه إلا أن يقال وجوب الإتمام يوجب كونه بصورة ليس فيها إفساد آخر ، ومفهوم من أفسد معه عدم وجوب مفارقة غيرها وهو أحد قولين ذكرهما زروق .

( ولا يراعى ) بفتح العين إحرامه بقضاء المفسد ( زمن إحرامه ) بالمفسد أي : لا يلزمه إن تحرم بقضاء المفسد من مثل الزمن الذي كان أحرم فيه بالمفسد فله أن يحرم به في مثله أو قبله أو بعده ، فلو أحرم في شوال وأفسده فله أن يحرم بقضائه في ذي القعدة أو الحجة .

( بخلاف ميقات ) مكاني أحرم منه بالمفسد ( إن شرع ) بضم فكسر أي طلب الإحرام منه شرعا كالحليفة لمدني والحجفة لمصري ، فإنه يجب الإحرام بالقضاء منه . ولو أقام بمكة بعد إتمام المفسد للقابل فإن أحرم منها لزمه وعليه دم ( وإن تعداه ) أي : المحرم بقضاء لمفسد الميقات الذي كان أحرم منه بالمفسد وأحرم بالقضاء بعده ( ف ) عليه ( دم ) ولو تعداه بوجه جائز كإقامته بمكة لقابل ، وهذا يخصص قوله فيما مر ومكانه له أي : لمن بمكة مكة . وندب بالمسجد كخروج ذي النفس لميقاته .

واحترز بقوله شرع من إحرامه بالمفسد قبل الميقات كمصر فليس عليه أن يحرم بقضائه إلا من الميقات الشرعي كالجحفة ومن تعديه بإحرام المفسد والإحرام به بعده فلا يتعداه في القضاء ويجب عليه الإحرام به من ميقاته الشرعي . وظاهر قول مالك " رضي الله عنه " [ ص: 337 ] أنه يحرم بقضاء المفسد من المكان الذي أحرم منه بالمفسد ، سواء كان الميقات الشرعي أو بعده وتأوله اللخمي على أنه كان أحرم منه بوجه جائز كمن جاوز الميقات بلا إحرام لعدم إرادته مكة حين مروره به ثم بدا له دخولها . وأما من تعداه أولا لغير عذر فلا يتعداه ثانيا إلا محرما ونحوه للباجي والتونسي ، ويصدق عليه قوله إن شرع ; لأنه مشروع بالعذر .

ابن عرفة وفيها يحرم مفسد عمرته أو حجه للقضاء من حيث أحرم أولا إلا إن كان أحرم أولا قبل الميقات فمنه فإن تعدى الميقات في القضاء فدم . التونسي إن أحرم أولا قبل ميقاته جهلا فيكون قضاؤه منه صوابا وإن كان تقربا فالصواب من حيث أحرم أولا . اللخمي محمل قول مالك يحرم من حيث أحرم أولا على أنه جاوز الميقات أولا غير متعد ، وظاهر نقل ابن شاس القضاء من الميقات مطلقا .




الخدمات العلمية