الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأكل المذكى ، وإن أيس من حياته بتحرك قوي مطلقا ، [ ص: 446 ] وسيل دم ، إن صحت إلا الموقوذة ، وما معها لمنفوذة المقاتل : [ ص: 447 ] بقطع نخاع ، ونثر دماغ ، وحشوة ، وفري ودج ، وثقب مصران ، [ ص: 448 ] وفي شق الودج : قولان .

التالي السابق


( وأكل ) بضم فكسر أي : جاز أكل الحيوان البري ( المذكى ) بفتح الكاف ذكاة شرعية بأي نوع من أنواعها إن كان صحيحا أو مريضا مرجو طول الحياة أو مشكوكها . بل ( وإن أيس ) بضم فكسر ( من ) استمرار ( حياته ) بحيث لو لم يذك لمات بسبب : ضربه أو ترديه من شاهق ولم ينفذ منه مقتله أو شدة مرضه أو أكله عشبا فانتفخ وصلة أكل ( بتحرك ) كذا في نسخ بالباء وفي أخرى باللام ، وفي نسخة تت بخطه بالكاف وهي بمعنى اللام كما في قوله تعالى { واذكروه كما هداكم } أي : لهدايته إياكم أي : للتمثيل لمقدر دل عليه المقام ، أي : إن دل دليل على حياته كتحريك ( قوي ) كخبط بيد أو رجل بشدة ( مطلقا ) عن التقييد أي : سواء سال معه دم أم لا كان التحرك حال ذبحه أو بعده أو قبله متصلا به صحيحا كان الحيوان أو مريضا ، وأما التحرك غير القوي كحركة الارتعاش ومد يد أو رجل ، أو قبضها فلا عبرة به ويعتبر قبض مع مد ا هـ عب . البناني ما ذكره في التحرك وإن كان مثله للشارح واعتمده ابن غازي في نظمه [ ص: 446 ] قال ابن رشد إنه أضعف الأقوال فلا ينبغي حمل المصنف عليه . والثاني أن الحركة لا تراعى إلا إن وجدت بعد الذبح ، والثالث : أنها تراعى وإن وجدت معه . وعطف على تحرك بواو بمعنى مع فقال ( وسيل دم ) بلا شخب ولا حركة إن اتفق ذلك كمخنوقة لا تعيش ، ولم ينفذ مقتلها فتؤكل ، لقوله آنفا وإن آيس من حياته ، وقوله الآتي أو ما علم أنه لا يعيش إن لم ينخعها ، وهذا ( إن صحت ) البهيمة المذكاة أي : لم يضنها المرض فإن كانت مريضة فسيل دمها وحده لغو ، وكذا مع حركة ضعيفة وأما شخبه من مريضة فدليل الحياة ا هـ عب . البناني الظاهر أن المخنوقة التي لا تعيش مريضة ، وإنما وجه ذلك ما في العتبية ونصها وسئل ابن القاسم وابن وهب رضي الله تعالى عنهما عن شاة وضعت للذبح فذبحت فلم يتحرك منها شيء هل تؤكل قالا نعم إذا كانت حين تذبح حية ، فإن من الناس من يكون ثقيل اليد عند الذبح فلا تتحرك ذبيحته وآخر يذبح فتقوم الذبيحة تمشي .

ابن رشد وهذا إذا سال دمها أو استفاض نفسها في حلقها استفاضة لا يشك معها في حياتها ، وهذا في الصحيحة بخلاف المريضة قوله أي لم يضنها المرض ، لعل المراد بهذا ما في التوضيح من أن المريضة إذا كانت غير ميئوس منها فهي كالصحيحة تؤكل بسيلان الدم أي وإن لم تتحرك وإذا كانت ميئوسا منها ففيها خلاف ، ثم قال وعلى القول بأن الذكاة تعمل فيها فإن تحركت وسال دمها أكلت وإن كان السيلان فقط فلا تؤكل ; لأنه يسيل منها بعد موته . واستثنى من الميئوس من حياته فقال ( إلا ) البهيمة ( الموقوذة ) بالذال المعجمة أي المضروبة بنحو حجر أو خشبة ( وما ) أي : الذي ذكر ( معها ) في آية سورة المائدة متقدما عليها كالمنخنقة بنحو حبل ومتأخرا عنها كالمتردية أي الساقطة من نحو شاهق جبل أو في بئر أو حفرة النطيحة أي : التي نطحتها بهيمة أخرى ، وما أكل السبع بعضها ( المنفوذة ) جنس ( المقاتل ) فلا تؤكل بالذكاة ; لأنها ميتة حكما والذكاة لا تبيح الميتة ، فإن كانت غير منفوذة مقتل أكلت بالذكاة وإن أيس منها والاستثناء في [ ص: 447 ] قوله تعالى { إلا ما ذكيتم } يحتمل الاتصال ، ويحمل على غير منفوذ المقتل منها ، وبه قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، والانقطاع ويحمل على تذكية غيرها إن نفذ مقتلها وعليه اقتصر ابن الحاجب ، وهذا التفصيل معقول المعنى موافق للفقه ا هـ عب . البناني قوله فإن كانت غير منفوذة إلخ أي اتفاقا إن كانت مرجوة الحياة وعلى قول ابن القاسم وروايته إن كانت ميئوسا منها أو مشكوكا فيها ، وقال ابن الماجشون وابن عبد الحكم لا تعمل فيهما الذكاة ثالثها تعمل في المشكوك فيها دون الميئوس منها وهو الذي يقوم من العتبية ، وعلم من المصنف خمسة أقسام : الميتة ، مفهوم المذكى مذكى غير ميئوس من حياته ، مذكى ميئوس من حياته علما من المبالغة ، موقوذة وما معها منفوذة المقاتل ، وغير منفوذتها .

وبين المقاتل بقوله ( بقطع نخاع ) مثلث النون أي : مخ أبيض كخيط النواة سالك في فقار بفتح الفاء جمع فقرة العنق والظهر متى انقطع أيس من الحياة والروايات إن كسر الصلب دون قطع نخاع ليس مقتلا . وقال ابن كنانة مقتل ( ونثر ) بفتح النون وسكون المثلثة أي : خروج ( دماغ ) أي : مخ حوته الجمجمة فشدخ الرأس دون نثر دماغ ليس مقتلا قاله عبد الحق ، ولا خرق خريطة أي : جلدة ساترة للدماغ ولا رض الأنثيين ، وكسر عظم الصدر وغيرها من باقي المتالف ( أو ) نثر ( حشوة ) بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون الشين المعجمة أي : ما حواه البطن من كبد وطحال ورئة وأمعاء وكلى وقلب ومصارين أي : زوالها عن مواضعها بحيث لا يقدر على ردها إليها على وجه يعيش معه الحيوان .

( وفري ) بفتح الفاء وسكون الراء أي : قطع ( ودج ) أي إبانة بعضه من بعض ( وثقب ) أي : خرق ( مصران ) بضم الميم جمع مصير كرغيف ورغفان وجمع الجمع مصارين أي : تحقيقا أو ظنا أو شكا أو وهما ، وكذا يقال في قطع نخاع ونحوه مما قد [ ص: 448 ] يخفى ا هـ عب . البناني قوله أو شكا أو وهما فيه نظر والظاهر خلافه ا هـ الأمير قوله أو وهما لا يسلم وفاقا لبن نعم ربما يقال في الشك إنه وإن كان شكا في المانع سرى لتحقق السبب المبيح فتدبر وأحرى قطعه وأطلق تبعا للأكثر فشمل خرقه أعلاه وأسفله ; لأن الأول يمنع استحالة الطعام فيتعذر الخلف فيحصل الموت . والثاني يمنع الخروج من المخرج فيجتمع ما يعفن أو مزاحم الأمعاء .

وخصه ابن رشد بالأول قائلا ; لأنه لا يعيش معه إلا ساعة من نهار ، وأما ثقبه من أسفله حيث الرجيع فليس بمقتل ; لأنا وجدنا كثيرا من الحيوان ومن بني آدم يخرق مصيره في مجرى الرجيع ، ويعيش ، معه زمانا يتصرف فيه ويقبل ويدبر ، وسلمه ابن عرفة ورجحه عياض ، واحترز بثقبه عن شقه فليس بمقتل وبمصران عن ثقب الكرش فليس بمقتل فتؤكل كما أفتى به ابن رزق شيخ ابن رشد في كرش بهيمة صحيحة وجد بعد ذبحها مثقوبا خلافا لحكم ابن مكي القاضي شيخ ابن رشد أيضا بفتوى ابن حمدين بطرحها بالوادي وغلبت العامة أعوان القاضي لعظمة قدر ابن رزق عندهم فأخذوها من أيديهم وأكلوها وصوبه ابن رشد .

ابن عرفة ويؤيده نقل عدد التواتر من كاسبي البقر بأفريقية أنهم يثقبون كرش الثور لبعض الأدواء فيزول عنه به ا هـ . وحمدين بنون بخط تت ا هـ عب . البناني قوله من أعلاه ابن لب المصير الأعلى هو المريء الذي تحت الحلقوم المنتهي إلى رأس المعدة النافذ فيه الطعام والشراب . ابن سراج هو المعدة وما قرب منها .

( وفي شق ) بفتح الشين المعجمة ( الودج ) بلا قطع بعضه من بعض ( قولان ) عب لكن الخلاف إنما هو في شق الودجين ، وأما الواحد فغير مقتل . البناني غير صحيح بل الخلاف في الواحد أيضا بدليل قول ابن لب الخلاف في شق الودج ، والمصير خلاف في حال قال ولم يعدوا جرح القلب معها ، وقد كان وقع فيه كلام ، وانفصل البحث فيه على أنه مقتل ، وإنه داخل في المعنى في فري الأوداج وقطع الحلقوم ; لأن ذلك في كلامهم عبارة عن قطع محل الذكاة ، وقد علم أن محلها أيضا المنحر وما كان المنحر مقتلا إلا [ ص: 449 ] لوصول آلة النحر منه إلى القلب فذلك والذبح سواء ، واكتفوا بالعبارة بالمذبح عن ذكر المنحر وهما سواء والكليتان والرئة في معنى القلب للاتصال به في الجوف .




الخدمات العلمية