الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
، وإنما تجب بالنذر ، والذبح ، فلا تجزئ إن تعيبت قبله ، وصنع بها ما شاء : [ ص: 488 ] كحبسها حتى فات الوقت إلا أن هذا آثم ، وللوارث القسم ، [ ص: 489 ] ولو ذبحت ; لا بيع بعده في دين .

التالي السابق


( وإنما تجب ) الضحية وجوبا يلقى العيب الطارئ بعده ( بالنذر والذبح ) أي معه هذا هو المشهور ، قال في المقدمات لا تجب الأضحية إلا بالذبح وهو المشهور في المذهب . ا هـ . وهذا باعتبار الوجوب الذي يلغي طروء العيب بعده قاله ابن رشد وابن عبد السلام ، فإذا نذرها ثم أصابها عيب قبل تذكيتها فلا تجزئ . قال ابن عبد السلام : لأن تعيين المكلف والتزامه لا يسقط عنه ما طلب الشارع منه فعله يوم الأضحى من تذكية نعم سليم من العيب بخلاف طروئه في الهدي بعد تقليده وإشعاره فليس المراد عدم وجوب الضحية بالنذر مطلقا بل نذرها يوجب ذبحها ويمنع بيعها وإبدالها ( فلا تجزئ ) الضحية في حصول سنة الضحية ( إن تعيبت ) عيبا يمنع الإجزاء ككسر رجلها أو فقء عينها ( قبله ) أي الذبح سواء كانت منذورة أم لا ( وصنع بها ) أي الذات التي تعيبت قبل تذكيتها ( ما شاء ) من بيع وغيره إن لم تكن منذورة ، وهذا مفهوم قوله فيما تقدم أو تعيبت [ ص: 488 ] حالة الذبح أو قبله ; لأن تلك قد ذبحت ضحية وما هنا لم تذبح .

وشبه في أنه يصنع بها ما يشاء فقال ( كحبسها ) أي تأخير تذكية الضحية ( حتى فات الوقت ) للتضحية بغروب شمس اليوم الثالث فيصنع بها ما يشاء إن لم تكن منذورة فإن كانت منذورة فنقل ابن عرفة عن ابن الجلاب وجوب تذكيتها ونقله طفي ، ويفيده ما تقدم به من أن نذرها يمنع بيعها وإبدالها واستدرك على التشبيه لرفع إيهامه مساواة المشبه المشبه به في عدم الإثم فقال ( إلا أن هذا ) أي الذي حبسها اختيارا حتى فات الوقت ( آثم ) بمد الهمز وكسر المثلثة .

واستشكل بأن ترك السنة ليس إثما وأجيب بأن المراد بالإثم فوات ثواب السنة والكراهة الشديدة ، وبأن المراد أنه دليل على إثمه بفعل معصية ; لأن الله سبحانه وتعالى يعاقب المذنب بحرمانه من السنة ، وبأن التأثيم والاستغفار في كلامهم ليس خاصا بترك الواجب بل يستعملونه كثيرا في ترك السنة ، وربما أبطلوا الصلاة بتركها ويأمرون بالاستغفار منه كالإقامة ( ول ) جنس ا ( لوارث القسم ) لضحية مورثه الذي مات بعد تذكيتها أو قبلها وأنفذها الوارث بالقرعة ; لأنها تمييز حق لا بالتراضي ; لأنها بيع ، رواه الأخوان عن الإمام مالك " رضي الله عنه " وعيسى عن ابن القاسم ، وظاهره قسمها على حسب الميراث وهو سماع عيسى وصوبه اللخمي . وقيل : على قدر الأكل فالذكر والأنثى والزوجة سواء ا هـ عب .

البناني فيها ثلاثة أقوال ذكرها ابن رشد ولخصها ابن عرفة فقال ابن رشد في أكلها أهل بيته على نحو أكلهم في حياته وإن لم يكونوا ورثة وقسمها ورثته على الميراث . ثالثها : يقسمونها على قدر ما يأكلون لسماع ابن القاسم وسماعه عيسى وظاهر الواضحة ا هـ . والأول هو الذي استظهره ابن رشد . وقول " ز " وظاهره القسم على الميراث أي ; لأنه هو الظاهر من قسم الوارث ، لكن قال الحط الظاهر أن المصنف مشى على أنهم يقسمونها على الرءوس ; لأنه قول ابن القاسم . وقال التونسي إنه أشبه القولين ا هـ . [ ص: 489 ] قال طفي هذا وهم ; لأن قول ابن القاسم الذي قال التونسي إنه الأشبه أكلها بلا قسم ونص التونسي بعد عزوه لابن القاسم أنها تؤكل ولا تقسم ولأشهب القسم . وقول ابن القاسم أشبه ; لأنها قد وجبت قربة بالذبح واتفق على أنها لا تباع في الدين فأشبهت الحبس ينتفع الورثة بها غير أنهم جعلوا لجميع الورثة من زوجة وغيرها فيها حقا لقصد الميت ذلك فلا يصح أن يزيد بعض الورثة في حظه على الانتفاع بها ، فيكون على هذا حظ الأنثى كحظ الذكر إذا تساويا في الأكل . ا هـ . ونقله الموضح

قلت : إذا تأملت ذلك علمت أن الوهم من طفي من الحط وأن كلام التونسي شاهد عليه لا له ; لأن المقصود منه إنما هو نفي القسم على الميراث لا نفيه مطلقا ، ولأن قوله جعلوا لجميع الورثة في ذلك حقا مع قوله ويكون حظ الأنثى كحظ الذكر صريح في القسم على الرءوس الذي عزاه له الحط ، وأيضا لا معنى لأكلهم لها وانتفاعهم بها إلا قسمها على رءوسهم ، وأيضا لو كان المراد ما ذكره طفي من أكلها بلا قسم أصلا لكان قولا رابعا وهذا ابن رشد حافظ المذهب ، وكذا ابن عرفة لم يحفظا إلا الأقوال الثلاثة المتقدمة ، وناهيك بحفظهما فلو وجد ما أغفلاه فتبين أن ما اختاره التونسي وعزاه لابن القاسم هو ثالث الأقوال الذي عزاه ابن رشد فيما تقدم لظاهر الواضحة ، وقد حمل عليه ابن رشد سماع ابن القاسم في رسم سن ونص السماع ولكن أرى في لحم الأضاحي أن يقسمه ورثته .

ابن رشد الأظهر إذ خص الورثة وأنزلهم فيه منزلة الميت أن لا يقسموه على الميراث وأن يقسموه على قدر ما يأكلون فيكونون كأنهم لم يقسموه إذ قد قيل إن القسمة بيع من البيوع ا هـ .

وللورثة قسمها إن لم تذبح بل ( ولو ذبحت ) قبل موت المورث أو بعده ( لا ) يجوز ( بيع ) للضحية أو بعضها ( بعده ) أي بعد الذبح ( في دين ) على المورث ، واستشكل بأنه لا ميراث إلا بعد قضاء الدين . وأجيب بأنها لما كانت من قوته المأذون فيه مع أنها قربة وتعينت بذبحها لم يقض منها دينه .




الخدمات العلمية