الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وثلثه حين يمينه إلا أن ينقص فما بقي [ ص: 104 ] بمالي في كسبيل الله وهو الجهاد ، والرباط بمحل خيف [ ص: 105 ] وأنفق عليه من غيره إلا لمتصدق به على معين فالجميع ، [ ص: 106 ] وكرر إن أخرج ، وإلا فقولان

التالي السابق


( و ) لزم الحالف بمالي في سبيل الله تعالى إن فعلت كذا أو لأفعلنه وحنث فيلزمه ( ثلثه ) أي المال من عين وعددين أو قيمته وعرض وقيمة كتابة مكاتب ، فإن عجز وزادت قيمة رقبته عن قيمة كتابته أخرج ثلثها وأجرة خدمة مدبر ومعتق لأجل عند ابن القاسم ، ولا شيء عليه في أم ولده ، والمعتبر ماله الموجود ( حين يمينه ) لا ما زاد بعدها بهبة أو نماء أو ولادة خلافا لقوم ، فلو حلف ، وماله ألف وحنث وهو ألفان لزمه ثلث الألف ، وبالعكس ثلث الألف رفقا به ، وأفاد هذا بقوله ( إلا أن ينقص ) قدر المال يوم حنثه عن قدره يوم يمينه ( ف ) يلزمه ثلث ( ما بقي ) بعد إخراج ما عليه من دين [ ص: 104 ] ولو مؤجلا أو مهر زوجته ( ب ) قوله ( مالي في كسبيل الله ) أو للفقراء والمساكين أو هدي للكعبة من كل ما فيه قربة غير يمين ، أو كان يمينا كمالي صدقة للفقراء إن فعلت كذا ، وإن لم أفعله وحنث .

والمشهور فيما نقص قبل الحنث أنه لا يضمنه ، وظاهره مطلقا في البر والحنث وهو ظاهر كلامها ، وصرح به في التوضيح ونصه : وأما إن نقص أي قبل الحنث ، فإن كانت يمينه على بر فلا يلزمه إلا ثلث ما بقي اتفاقا ، وكذا إن كانت على حنث على المشهور . وقال ابن المواز يلزمه إن كان من سببه . ا هـ . ابن عرفة ما تلف بعد حنثه دون تفريط لا شيء عليه فيه اتفاقا ، وبتفريط في كونه كذلك ولزوم ثلثه قول هباتها مع الواضحة وأصبغ عن ابن القاسم في المبسوطة ، وعن دليل ما له فيها . ابن رشد وهو مقتضى النظر والقياس كالزكاة يفرط فيها . قلت عزاه وقياسه على الزكاة . الباجي لسحنون وما أنفقه بعد حنثه في لغوه ولزوم ثلثه نقل ابن رشد عن سماع يحيى بن القاسم ، ونقله عن محمد عن ابن القاسم . ا هـ . ونصها في كتاب الهبات وإن لم يخرج ثلث ماله حتى ضاع ماله كله فلا شيء عليه فرط أو لم يفرط ، وكذلك إن قال ذلك في يمين فحنث فلم يخرج ثلثه حتى تلف جل ماله فليس عليه إلا إخراج ثلث ما بقي في يديه .طفى ظاهر المدونة وابن رشد وابن عرفة وغيرهم التسوية بين النذر واليمين في أنه لا يلزمه ثلث ما أنفقه ، وقول المصنف حين يمينه فرض مسألة ، وفرق بينهما أحمد وتبعه عج ، ولم أره لغيرهما والله أعلم .

( وهو ) أي سبيل الله ( الجهاد ) في سبيل الله فيعطى لمن في موضعه . ابن رشد لا يعطى منه مقعد ، ولا أعمى ، ولا امرأة ، ولا صبي ولو قاتل ، ولا مريض ميئوس منه ، ولا مفلوج وشبهه ، ولا أقطع إحدى الرجلين أو اليد اليسرى . ا هـ ( والرباط ) أي الحراسة ( بمحل خيف ) هجوم العدو منه كجدة بضم الجيم . البناني في التمثيل بها نظر ; لأنها ليست برباط . ابن عرفة الباجي إذا ارتفع الخوف عن الثغر لقوة الإسلام به أو بعده عن العدو وزال حكم [ ص: 105 ] الرباط عنه ، وقد قال مالك رضي الله تعالى عنه فيمن جعل شيئا في السبيل لا يجعله في جدة ; لأن الخوف الذي كان بها قد ذهب . ا هـ . ونحوه في المدونة ، ونقله الحط والمواق .

قلت قد عاد الخوف الآن أشد مما كان في أول الزمان وظاهر المصنف أن المقام بمحل خيف رباط وإن كان بالأهل وهو الذي اختاره الباجي . وقال مالك رضي الله تعالى عنه ليس برباط .

( وأنفق ) مخرج ثلث ماله في كسبيل الله ( عليه ) أي الثلث الذي لزمه بقوله مالي في سبيل الله ( من غيره ) أي الثلثين الباقيين له لا منه ، وأما لو قال ثلث مالي في سبيل الله تعالى فإنه ينفق عليه منه اتفاقا . وفرق ابن رشد بأن الأصل في مالي إخراج جميعه فلما خفف عنه بالثلث وجب إخراج جميع الثلث بخلاف ثلث مالي . واستثنى من عموم أحوال لزوم الثلث بمالي في كسبيل الله فقال ( إلا لتصدق به ) أي ماله المتقدم في قوله مالي في سبيل الله ( على معين ) بشخصه كزيد أو وصفه كبني زيد ( ف ) يلزمه ( الجميع ) حين حلف إلا أن ينقص فالباقي ويترك ما يترك لمفلس . ابن غازي الضمير في به راجع للمال ، وهذا الفرع في النوادر والنكت ، ولهما عزاه أبو الحسن الصغير وتبعه في التوضيح ، وفي بعض النسخ كتصدق به بالكاف فيدخل تحتها من نذر صدقة ماله فظن لزوم جميعه فأخرجه ثم أراد الرجوع في ثلثيه بعد صيرورته بيد غيره فهو شبيه التصدق على معين من هذا الوجه .

وهذا الفرع وإن لم يكن مذكورا في مشاهير الكتب فعليه حمل ابن راشد قول ابن الحاجب ، فلو أخرجه ففي مضيه قولان ، وعضده في التوضيح بأنه المأخوذ من كلام ابن بشير . ا هـ . ولفظ ابن بشير اختلف المذهب فيمن تصدق بجميع ماله هل يمضي فعله أم لا ، ثم قال بعد كلام وإنما الخلاف المتقدم إذا أخرج جميعه هل يمضي فعله أم لا ، وحمله ابن عرفة على الصدقة المجردة عن النذر واليمين ، وبه فسر ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب وليس هذا شبه المعين في الصورة فلا يندرج تحت الكاف . [ ص: 106 ] ( وكرر ) ناذر الصدقة بجميع ماله أو ثلثه أو الحالف بذلك إخراج الثلث لكل يمين فيخرج ثلثه لليمين الأولى ثم ثلث الباقي للثانية ، وهكذا هذا ( إن ) كان ( أخرج ) الثلث الأول لليمين الأولى بعد لزومه وقبل إنشاء الثاني ، وقولنا بعد لزومه أي نذرا أو يمينا ، ومعلوم أن النذر يلزم بلفظه واليمين بالحنث فيه ( وإلا ) أي وإن لم يخرج الأول حتى أنشأ الثاني نذرا أو يمينا ، وفيها صورتان ; لأنه إما أن يخرج بعد إنشائها وقبل الحنث فيها أو بعده ( فقولان ) في الصور الثلاثة بالتكرار والاكتفاء بثلث واحد لجميع الأيمان المنعقدة ، نقلهما ابن رشد من سماع يحيى بن القاسم ، وسماع أبي زيد محتملا كونه من ابن القاسم أو ابن كنانة قاله ابن عرفة .




الخدمات العلمية