الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولعبد تزوج ابنة سيده بثقل ،

[ ص: 351 ] وملك غيره كحر لا يولد له ، وكأمة الجد ، وإلا [ ص: 352 ] فإن خاف زنا وعدم ما يتزوج به حرة غير مغالية ولو كتابية ، أو تحته حرة .

التالي السابق


( و ) جاز ( لعبد ) ولو مكاتبا ( تزوج ابنة سيده ) أو سيدته برضاه ورضاها على أنها غير مجبرة ، وعلى أنه غير كفء ( بثقل ) بكسر المثلثة وفتح القاف أو سكونها أي بكراهة لأنه ليس من مكارم الأخلاق وسبب للتنافر والتقاطع لأن نفس الشريفة تأنف من ذلك وهي متعلقة بالزوجة ووالدها دون العبد ، فلا منافاة بين ما أفادته اللام [ ص: 351 ] من الجواز وبين قوله بثقل قاله عب . البناني وجدت بخط المسناوي عن خط التنيسي لأنها إن ولدت منه ومات عن مال كان ميراثه لأمه وبيت المال لا لأبيه لرقه ولا لجده لأمه لأنه ذو رحم .

وعبارة المدونة وجائز أن يتزوج العبد والمكاتب ابنة سيده عند ابن القاسم واستثقله مالك رضي الله تعالى عنهما . ضيح استثقله مالك رضي الله تعالى عنه على الكراهة . ابن محرز ليس من مكارم الأخلاق ومؤد إلى التنافر لأن الطباع مجبولة على الأنفة من ذلك . ابن يونس خوف أن ترثه فينفسخ النكاح ، وهذان التعليلان يفيدان تعلقها بالعبد أيضا .

( و ) لعبد تزوج ( ملك غيره ) أي العبد إن كانت مسلمة سواء خشي العنت أم لا ، وجد طولا لحرة أم لا لأن الأمة من نسائه ولأنه لنقصه بالرقية لا عار عليه في رقية ولده ، وليس هذا بأحط له من رقية نفسه .

وشبه في الجواز فقال ( ك ) تزوج ( حر لا يولد له ) أي الحر من جهته كخصي ومجبوب وشيخ فان وعقيم أو من جهة الزوجة كعقيمة وآيسة أمة غيره فيجوز لانتفاء خوف إرقاق ولده المانع من تزوجه أمة غيره ، عطف على المشبه في الجواز مشبها آخر فيه قال ( وك ) تزوج ( أمة الجد ) أي الأصل غير المباشر بالولادة ذكرا كان أو أنثى فشمل الجدة سواء كان من جهة الأب أو الأم وإن علا ، فيجوز للحر بشرط حرية المالك وكذا أمة أبيه وأمه ، وإن وجد طول حرة ولم يخش عنتا وإسلام الأمة لانتفاء رقية الولد ولم يذكر المصنف شرط حرية الأصل لعلمه من كون العلة انتفاء الرقية الذي لا يتحقق إلا بحرية الأصل ، إذ لو كان رقا كان ولد أمته رقا لسيده ولا شرط إسلامها لعلمه من قوله وأمتهم بالملك .

ابن عرفة اللخمي نكاح كل أمة ولدها به حر جائز كأمة الأب والأم والجد ولو بعد أو أمة الابن على إجازة ابن عبد الحكم نكاحها والمالك حر في الجميع ( وإلا ) أي [ ص: 352 ] وإن لم يكن الحر لا يولد له ولم تكن الأمة ملكا لمن يعتق ولدها عليه كأجنبي وأصل رقيق ( ف ) يجوز تزوجه الأمة ( إن خاف ) الحر الذي يولد له ( زنا ) فيها أو في غيرها ( و ) إن ( عدم ) بفتح فكسر أي لم يجد الحر ( ما ) أي مالا ( يتزوج ) الحر ( به حرة ) من نقد وعرض ودين على مليء وسائر ما يمكنه بيعه ككتابة وخدمة معتق لأجل أو إجارته كمدبر أم ولد ، ولو رقيق خدمته ودابة ركوبه وكتب فقه محتاج لها لإمكان استعارة غيرها لا دار سكناه لشدة الاحتياج إليها غالبا . وظاهر هذا ولو كان فيها فضل عن حاجته .

ونعت حرة بقوله ( غير مغالية ) في مهرها أي غير طالبة منه ما يخرج به عن العادة إلى السرف ، فالمغالية لا تمنع نكاح الأمة فإن لم يجد غيرها تزوج الأمة على الأصح ووجود المغالية كعدمها ، وإن خشي زنا في أمة بعينها فيتزوجها بلا شرط خلافا لما في الموازية . وقال اللخمي يتزوج حرة إن كان خاليا من النساء ويكثر من وطئها ، فقد يذهب ما في نفسه لخبر مسلم { المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان ، فإذا أبصر أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه ، فإن لم يذهب ما عنده تزوجها وإن كان ذا زوجة وعلم أنها لا تكفه تزوج أخرى ، فإن لم تكفه تزوجها } . ومفهوم عدم ما يتزوج به حرة غير مغالية أنه إن وجد ما يتزوج به حرة غير مغالية حرم عليه تزوج الأمة ووجب عليه تزوج الحرة إن كانت مسلمة .

بل ( ولو ) كانت ( كتابية ) لأن ولدها حر مسلم فهذه مبالغة في المفهوم . وعطف عليها مبالغة لكن في المنطوق فقال ( أو كان تحته ) أي في عصمة خائف الزنا الذي لم يجد طولا لحرة غير مغالية يعف بها نفسه ( حرة ) لم تعفه إذ ليس وجودها حينئذ طولا ، وبهذا يندفع اعتراض ابن غازي ، ونصه قوله أو تحته حرة هكذا وهو في النسخ التي رأيناها بأو العاطفة ، ولعل صوابه ولو تحته حرة بواو النكاية ولو الإغيائية فيكون [ ص: 353 ] الإغياء راجعا لقوله وعدم ما يتزوج به حرة ، ولا يحسن عطفه على قوله ولو كتابية الذي هو إغياء في الحرة لاختلاف موضوع الإغياءين وتعاكس المشهورين ، فقد صرح اللخمي وغيره بأن مذهب المدونة أن الحرة تحته ليست طولا ، وعليه يحمل كلام المصنف ، وعليه فرع قوله بعد كتزويج أمة عليها والله أعلم .

ومفهوم إن خاف زنا إلخ أنه إن لم يخفه أو خافه ووجد طولا لحرة غير مغالية فلا يجوز له نكاح الأمة وهو كذلك على المشهور ، وعليه فهل المنع تحريم أو كراهة . الباجي في المدونة ما يدل للقولين وهل ما يتزوج به الحرة خصوص الصداق ولو لم يجد ما ينفقه عليها ، وهي رواية محمد . وقال أصبغ الطول ما يصلح لنكاح الحرة من مهر ونفقة ومؤنة اللخمي وهو أبين وإن تزوج الحر الذي يولد له أمة من لا يعتق ولدها عليه بشرطيه ثم زال الشرطان أو أحدهما ففي فسخه ثلاثة أقوال ، اقتصر في الشامل على عدمه ، وإن تزوجها بدون الشرطين أو أحدهما فيفسخ بطلاق لأنه مختلف فيه ، وهل قبل فقط أو وبعد إن لم يطل أو وإن طال لأنه فاسد لعقده ما لم يحكم حنفي بصحته .




الخدمات العلمية