الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 370 ] واختار المسلم أربعا وإن أواخر وإحدى أختين مطلقا وأما وابنتها لم يمسهما ، وإن مسهما حرمتا ، [ ص: 371 ] وإحداهما تعينت ، ولا يتزوج ابنه أو أبوه من فارقها ، [ ص: 372 ] واختار بطلاق أو ظهار أو إيلاء [ ص: 373 ] أو وطء ، والغير إن فسخ نكاحها ، أو ظهر أنهن أخوات ما لم يتزوجن ، [ ص: 374 ] ولا شيء لغيرهن إن لم يدخل به : كاختياره واحدة من أربع رضيعات تزوجهن وأرضعتهن امرأة .

التالي السابق


( واختار المسلم ) أي الذي أسلم وهو متزوج أكثر من أربع نسوة فيختار ( أربعا ) منهن إن شاء ، وإن شاء اختار أقل من أربع ، وإن شاء لا يختار شيئا منهن ، وشرط المختارة إسلامها معه أو بعده بالقرب أو قبله ولم تنقض عدتها ، أو كونها كتابية حرة أو أمة أعتقت بعده بالقرب ، وسواء كان أفرد كل واحدة بعقد أو جمعهن بعقد واحد ولو محرما أو مريضا أو واجدا طول حرة ولم يخش زنا يختار أمة مسلمة كما استظهره ابن عرفة ، لأن الدوام ليس كالابتداء فهو كالرجعة . وقيل بامتناعه كالابتداء واقتصر عليه الموضح إن كانت المختارات أوائل في العقد .

بل ( وإن ) كن ( أواخر ) فيه بنى بهن أو ببعضهن أو لا { لما اشتهر أن غيلان الثقفي رضي الله عنه أسلم على عشر وأسلمن معه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن ففعل } ، وفي بعض النسخ وإن أوائل ، وفيه فائدة أيضا الرد على الحنفية في إلزامه الأوائل وعدم صحة اختيار الأواخر .

( و ) اختار المسلم ( إحدى ) ك ( أختين ) من محرمتي الجمع إن أسلم عليهما كفيروز الديلي ( مطلقا ) عن التقييد بكونهما بعقدين مع اختيار أولاهما وعدم الدخول بهما وإحداهما ( و ) اختار المسلم ( أما و ) أي أو ( ابنتها ) أسلم عليهما بعقد أو عقدين مقدما عقد الأم أو مؤخرا ( لم يمسهما ) أي الكافر الأم وابنتها لأن العقد الفاسد لا أثر له وإلا لتأبد تحريم الأم مطلقا ، ويحتمل أن الأصل وإحدى أم إلخ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه فنصبه . وفي بعض النسخ وأم بالجر عطفا على أختين قالوا وعلى بابها على هذين .

( وإن ) كان ( مسهما ) أي الكافر الأم وبنتها بوطء أو مقدمته ثم أسلم ( حرمتا ) [ ص: 371 ] عليه أبدا لأنه وطء شبهة وهو ينشر الحرمة . فإن قلت تقدم أن من تزوج معتدة ووطئها وتمت ثم أسلما يقر عليها فما الفرق . قلت هو الخلاف في التأبيد بالوطء في العدة والاتفاق عليه بوطء الأم وبنتها .

( و ) إن مس الكافر ( إحداهما ) أي الأم وبنتها ثم أسلم ( تعينت ) الممسوسة للبقاء وتأبد تحريم الأخرى لكن اتفاقا إن مس البنت ، وعلى المشهور إن مس الأم ، وقيل لا يتعين إبقاء الأم فله فراقها وإبقاء البنت ( و ) إن فارق من أسلم على أكثر من أربع أو على محرمتي الجمع أو أم وابنتها جميعهن أو بعضهن ف ( لا يتزوج ابنه ) أي من أسلم على أكثر من أربع أو على محرمتي الجمع أو أم وابنتها وفارق بعضهن أو جميعهن ( أو أبوه ) والمراد فرعه أو أصله الذكر فلا يتزوج ( من ) أي زوجة ( فارقها ) من أسلم ظاهره تحريما ، وعليه حمل عياض قولها لا يعجبني أن يتزوج البنت التي أرسلها .

ابن عبد السلام لا يبعد حملها على الكراهة أفاده تت وتبعه " س " فقال وكل من فارقها اختيارا أو وجوبا بعد العقد وقبل المس حرمت على أصله وفرعه . الرماصي والصواب أنه خاص بمسألة الأم وبنتها ، ففي المدونة فإن حبس الأم فأراد ابنه نكاح بنتها التي خلاها فلا يعجبني ذلك ا هـ ابن عرفة . وقول ابن الحاجب لا يتزوج ابنه أو أبوه من فارقها عام في البنت والأم تركهما أو إحداهما ، فإن أراد الكراهة فهو ما فيها وظاهره الحرمة ولا أعرفها . ورده ابن عبد السلام أيضا بما تقدم عنها ، وبنقل اللخمي عن محمد عن ابن القاسم وأشهب رضي الله تعالى عنهما إن مات كافر عن زوجة لم يمسها أو فارقها فلا تحرم على أبيه وابنه وليس ذلك بنكاح حتى يسلم .

قلت ومثله قولها قيل فذمي أو حربي تزوج امرأه فماتت قبل أن يمسها فتزوج أمها ثم أسلما جميعا فلم يذكر جوابا ، وأتى بنظير دال على جواز النكاح وثباته وهو إسلام مجوسي على أم وبنتها ، وفي الرد على ابن الحاجب بهذه ، ومسألة محمد تعقب لأن ما أسلم عنه أقرب للصحة . ا هـ . فهذا كله يدل على الخصوص خلافا لتقرير " س " قاعدة كلية ، وتصريحه فيها بالحرمة واقتصاره على ذلك كأنه المذهب ا هـ البناني . [ ص: 372 ]

حمل عياض وأبو الحسن قولها لا يعجبني على التحريم ، ونص أبي الحسن قوله لا يعجبني هو هنا على التحريم . عياض جعل له هنا تأثيرا في الحرمة ا هـ . وفي التوضيح ظاهر كلام ابن الحاجب على التحريم ، والذي فيها لا يعجبني ، وفهم عياض التحريم منه ، وفي الشامل وفيها لا يعجبني وهل على المنع وعليه الأكثر أو لا تأويلان . وفي التوضيح عقب ما سبق عنه والذي لابن القاسم في الموازية خلافه وأنه لا تحريم بعقد الشرك ، ثم قال وقال ابن عبد السلام لا يبعد حمل لا يعجبني على الكراهة ليوافق ما في الموازية ولأنه لو انتشرت حرمة المصاهرة بين أبيه وابنه وبين هذه لانتشرت بينه وبين أمها . وأجاب عنه ابن عرفة بأن الإسلام على الأم والبنت أقرب للصحة لتخييره فيهما . البناني هذا الجواب يقتضي طرد التحريم فيمن أسلم على أختين أو أكثر من أربع كما شرح به تت والله أعلم .

عب إن كانت التي فارقها مسها حرمت على فرعه وأصله لأنه بمنزلة عقد صحيح ، فيصور المصنف بمسه أختين ونحوهما ما عدا الأم وبنتها ، أو مس إحدى الأختين وفارقها فتحرم على أصله وفرعه ، ويصح تصويره بالأم وبنتها ، إذا مسهما وحرمتا عليه فتحرمان على أصله وفرعه أيضا ، فإن لم يمس واحدة منهما واختار إحداهما وفارق الأخرى فلأصله وفرعه تزوجها لأنه لم يكن إلا العقد وهو غير محرم ، وإن مس إحداهما فالتي فارقها ليس فيها إلا عقد الأكثر أيضا فلا تحرم على ابنه أو أبيه بالأولى من أن وطء البنت في النكاح الصحيح لا يحرم أمها على أصله وفرعه .

ولما كان الاختيار بصريح اللفظ واضحا لم يذكره ، وذكر ما يستلزمه مما يتوهم أنه فراق لا اختيار فقال ( واختار ) أي حكم عليه بأنه اختار الزوجة التي طلقها أو ظاهر أو آلى منها ( ب ) سبب إيقاع ( طلاق ) منه عليها لأنه لا يوقع إلا على زوجة إذ العصمة من أركانه ( أو ) اختار ب ( ظهار ) أي تشبيه لزوجته بمؤبدة التحريم لذلك ( أو ) اختار ب ( إيلاء ) أي حلف على ترك وطء زوجة أكثر من أربعة أشهر وهو حر ، أو من شهرين [ ص: 373 ] وهو عبد لذلك ، ولزمه الطلاق أو الظهار أو الإيلاء .

وفائدة الحكم عليه بأنه مختار أنه ليس له اختيار أربعة سوى التي طلقها ، أوظاهر أو آلى منها وهل يكون الطلاق بائنا لأنه فسخ لنكاح فاسد أو رجعيا في المدخول بها حيث لم يكن بتاتا ولا خلعا ، وهو الذي ذكره اللخمي ، ولعله لأن الإسلام صحح عقده ووطأه وللخلاف في فساد أنكحتهم ولقولهم الإسلام رجعة أو كرجعة ، وأنه لا يجب فيه استبراء ، فإن طلق واحدة معينة اختار ثلاثا سواها واحدة مبهمة فهو كمن طلق أربعا فلا يختار شيئا من الزوجات . وظاهر المصنف وابن عرفة وابن عبد السلام أن الإيلاء اختيار مطلقا . وقيل إنما يكون اختيارا إذا قيد بزمن أو بلد أو أطلق وجرى العرف وتقرر بأنه لا يقع إلا على زوجة .

( أو وطء ) أو مقدمته جزم به ابن عرفة واستظهره المصنف ، فإذا وطئ بعد إسلامه واحدة من زوجاته مسلمة أو كتابية عد مختارا لها ، وظاهره سواء نوى به الاختيار أم لا إذ لو لم يصرف للاختيار انصرف للزنا ، كيف والحديث { ادرءوا الحدود بالشبهات } وإن نظر فيه ابن عرفة ( و ) اختار ( الغير ) أي غير الزوجة التي فسخ نكاحها ( إن فسخ ) الذي أسلم ( نكاحها ) أي الزوجة فليس الفسخ اختيارا فله اختيار أربعة سوى التي فسخ نكاحها لأنه يكون في المجمع على فساده ( أو ظهر أنهن ) أي المختارات ( أخوات ) أو نحوهن من محرمات الجمع ، فله اختيار غيرهن ، وله اختيار واحدة منهن وثلاث من البواقي ، فلو قال وواحدة ممن ظهرن كأخوات لكان أحسن ويختار ممن سواهن ( ما لم يتزوجن ) أي ما سوى المختارات اللاتي ظهرن أخوات زوجا غير من أسلم عليهن ، فإن تزوجن غيره فتن عليه تت ، تنكيت مقتضى كلامه هنا أن مجرد تزوجهن مفيت الاختيار وفي توضيحه جعلها نظير ذات الوليين ، ومقتضاه أنه لا يفيتهن إلا الدخول ، وصرح ابن فرحون بتشهيره . [ ص: 374 ]

طفي لا تنكيت على المصنف إذ بهذا عبر اللخمي وابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة ، ونسبوه لابن الماجشون ولم يقابلوه إلا بقول ابن عبد الحكم له اختيارهن ولو دخلن فظاهر كلامهم أو صريحه أن مجرد التزوج فوت إذ لو كان الدخول شرطا ما أغفله هؤلاء الأئمة ، ولا يعارضه ما تقدم للمصنف في النظائر لاحتمال ذكرها هناك باعتبار مقابلتها للمسائل التي لا يفيتها الدخول لا باعتبار أنه لا يفيتها إلا الدخول ، ولا تقوم الحجة على المصنف بتشهير ابن فرحون ، وتبع تت " س " وعج وغيرهما ا هـ .

البناني وقول تت جعلها في التوضيح من نظائر ذات الوليين ، وهو يقتضي أنه لا يفيتها إلا الدخول فيه نظر لأن ذكرها باعتبار أن الدخول يفيتها لا يلزمه أنه لا يفيتها إلا هو .

( و ) إن اختار المسلم أربعا من الأكثر وفارق باقيهن ف ( لا شيء ) من الصداق ( لغيرهن ) أي المختارات ( إن لم يدخل ) الزوج ( به ) أي الغير لأنه مغلوب على الفسخ قبل البناء ، فإن كان دخل فلها صداقها . وشبه في سقوط صداق غير المختارة فقال ( كاختياره ) أي الزوج سواء كان كافرا وأسلم ، أو مسلما أصليا ( واحدة من أربع رضيعات تزوجهن و ) بعد عقده عليهن ( أرضعتهن امرأة ) تحل له بناتها فصرن أخوات من الرضاع ، فله اختيار واحدة منهن ولا شيء لغيرها من الصداق ، لذلك فإن لم يختر واحدة منهن وطلقهن فلكل ثمن مهرها إذ هو الخارج من قسمة نصف صداق عليهن ، فإن مات قبل اختياره فلكل ربع صداقها إذ هو الخارج من قسمة واحد عليهن ، فإن أرضعتهن من تحرم عليه بناتها حرمن كلهن عليه فلا يختار منهن شيئا ، ولا شيء لهن من الصداق لذلك .




الخدمات العلمية