الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبجنونهما وإن مرة في الشهر قبل الدخول وبعده [ ص: 384 ] أجلا فيه . وفي برص وجذام رجي برؤهما سنة

التالي السابق


( وبجنون ) أحد ( هما ) أي الزوجين وأولى هما معا المستمر ، بل ( وإن ) كان يحصل ( مرة في الشهر ) ويزول في باقيه القديم قبل العقد ، بل وإن حدث بالزوج بعده و ( قبل الدخول ) أي ( وبعده ) أي الدخول فلها الخيار والجنون الحادث بها بعد العقد قبل الدخول أو بعده مصيبة نزلت به ، هذا قول ابن القاسم ، وذهب اللخمي والمتيطي إلى إلغاء ما حدث به بعد الدخول وابن وهب إلى إلغاء الحادث مطلقا ، ومحل الخلاف فيمن تأمن زوجته أذاه وإلا فلها الخيار اتفاقا .

ابن عرفة في جنون من تأمن زوجته أذاه ثلاثة أقوال ، الأول : إلغاؤه لابن رشد [ ص: 384 ] عن سماع زونان من أشهب وابن وهب . والثاني : اعتباره لسماع عيسى رأي ابن القاسم وروايته . والثالث : إن حدث بعد البناء ألغي وإلا فلا للخمي قائلا اختلف إن حدث بعد البناء فقال مالك رضي الله عنه إن لم يخف عليها منه في خلواته ألغي . وقال أشهب إن لم يخف منه ألغي وإن كان لا يفيق يريد إن احتاج إليها ، ولا فرق بينهما لأن بقاءه ضرر عليها دون منفعة ، واقتصر ابن رشد على الأولين ، واقتصار المصنف على طريقة اللخمي قد يغتفر ، لكن في إطلاقه نظر وقد ظهر أن الإغباء في عبارة المصنف متناول لوجهين ، وكأنه قال الخيار المذكور ثابت وإن كان الجنون مرة في الشهر وإن طرأ قبل الدخول وبعد العتق قاله ابن غازي .

ابن عرفة ما حدث بالمرأة بعد العقد نازلة بالزوج ، وقال ابن عات الجنون إذا حدث بالمرأة بعد العقد فلا رد به . البناني رأيت لابن رحال عن أبي الحسن أن حدوثه بالمرأة بعد العقد كحدوثه بالرجل . ونسبه للمدونة ، فلعل المصنف اعتمده ( أجلا ) بضم الهمز وشد الجيم أي الزوجان بدون واو وهو جواب شرط مقدر ، أي وإذا قيل بالخيار في القديم والحادث بالنسبة للرجل ، وفي القديم فقط بالنسبة للمرأة أجلا ( فيه ) أي الجنون ، وفي نسخة وأجلا بزيادة واو استئنافية وهي أولى لإيهام الأولى أنه خاص بما بعد العقد مع أنه فيما قبله أيضا حيث رجي برؤه ، أي وأجلا في الجنون القديم والحادث .

( وفي برص وجذام ) محققين قديمين بهما وحادثين به لا بها إذ لا خيار له ، والتأجيل فرع الخيار ، وقد علم عدم خياره من قوله ولها فقط إلخ ، ومحل التأخير فيها إن ( رجي ) بضم فكسر ( برؤها ) أي الجنون والجذام والبرص ، هذا الذي يجب اعتماده كما يفيده ابن عرفة وابن عات وظاهر المدونة تأجيل المجنون وإن لم يرج برؤه ولا يعول عليه ، وإن وافق ظاهر ما في نسخة برؤهما بضمير التثنية . ويمكن إرجاعه للزوجين فيشمل الثلاثة ويؤيده أن إسناد البرء للزوجين حقيقة ، وإلى الجذام والبرص مجاز ، والأصل الحقيقة . وصلة أجلا ( سنة ) قمرية للحر ونصفها للرق قاله ابن رشد من يوم الحكم بعد الصحة من داء غير المؤجل فيه . [ ص: 385 ]

ابن غازي أي وأجل كل واحد من الزوجين سنة إن لم يرض الآخر بجنونه أو جذامه أو برصه ، ولا خفاء أن الأقسام أربعة الأول العيب الحادث بالرجل قال فيه في ثاني أنكحتها ، وإذا حدث بالزوج جنون بعد النكاح عزل عنها وأجل سنة لعلاجه ، فإن صح وإلا فرق بينهما ، وقضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

ابن القاسم في الأجذم البين الجذام إن كان مما يرجى برؤه في العلاج وقدر على علاجه فليضرب له الأجل . وفي كتاب بيع الخيار ويتلوم للمجنون سنة وينفق على امرأته من ماله فيها فإن برئ وإلا فرق بينهما .

الثاني : العيب القديم في الرجل ، قال في جامع الطرر مفهوم قوله في النص السابق ، وإذا حدث أنه لا يؤجل في القديم وتخير المرأة وهو معنى ما في آخر الجزء في الأول خلاف ما في خصال ابن زرب أنه يؤجل في الجنون كان قبل النكاح أو بعده . ا هـ . وقبله أبو الحسن الصغير وقطع ابن رشد بما نسب لابن زرب في رسم نقدها من سماع عيسى وقبله ابن عات .

الثالث : العيب القديم في المرأة ، قال القاضي أبو الوليد الباجي في وثائق ابن فتحون إن لم يعلم به الزوج إلا بعد النكاح ضرب له الأجل في معاناة نفسها من الجنون والجذام والبرص سنة ، وفي داء الفرج بقدر اجتهاد الحاكم وقبله المتيطي وابن عات ، وأجل ابن فتحون في داء الفرج شهرين في وثيقة له .

الرابع : العيب الحادث بالمرأة لا يتصور فيه تأجيل ، إذ لا خيار للرجل . قال ابن رشد والمتيطي وغيرهما إن شاء فارقها ولها جميع صداقها بالدخول ، ونصفه إن لم يدخل وقد خرج من هذا أن الرجل يؤجل في الحادث والمرأة في القديم ، وفي تأجيل الرجل في القديم اضطرب ولا تحتاج المرأة للتأجيل في الحادث .

فإن قلت فعلام يحمل كلام المصنف . قلت إن التأجيل في الثلاثة الأول دون الرابع . فإن قلت وبم يخرج الرابع من كلامه . قلت لا تأجيل إلا حيث الرد ، وقد فهمنا من [ ص: 386 ] قوله ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين أن الزوج لا يردها بالحادث منهما وأنها مصيبة نزلت به .

فإن قلت استنباط هذا من كلام المصنف في الجذام والبرص بين دون الجنون قلت الملزوم كاللازم .

فإن قلت قد فات المصنف التنبيه على خيار الزوجة للجنون الحادث بالزوج بعد العقد . قلت أغناه عن ذكر خيارها ذكر تأجيل زوجها وقد علمت مما أسلفناك أن تأجيله فرع خيارها .

فإن قلت هذا دور وتوقف . قلت هبه كذلك أليس يشفع له قصد إيثار الاختصار ، وتقريب الأقصى باللفظ الوجيز ، قال الشارح :

ما يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

وظاهر قول ابن عرفة يؤجلان سنة لعلاج زوال عيبهما إن رجي أن رجاء البرء شرط في الثلاثة ، ولم يشترطه المصنف في الجنون اتباعا لظاهر المدونة ، وقد يوجه بأن برء الجنون أرجى من برء أخويه ، ولو قرئ رجي برؤها بضمير المؤنث شمل الثلاثة والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية