الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 472 ] ولو شرط أن لا يطأ أم ولد أو سرية : لزم في السابقة منهما على الأصح ، لا في أم ولد سابقة في لا أتسرى

التالي السابق


( ولو شرط ) الزوج لزوجته ( أن لا يطأ ) معها ( أم ولد ) له ( أو سرية ) بكسر السين المهملة من السر ، لأنها تسر أو بضمها من السرور وشد الراء ، وإن فعل ذلك كانت طالقا أو أمرها بيدها أو كانت الموطوءة حرة ( لزم ) الشرط الزوج ( في ) أم الولد والسرية ( السابقة ) على الشرط منهما ( على الأصح ) وأولى في اللاحقة والسرية اللاحقة ظاهرة ، ويصور بتكلف كون أم الولد لاحقة بإبانة الزوجة المشروط لها بدون الثلاث ثم أولد أمة ثم عقد على المطلقة ، فإن وطئ أم ولده لزمه ما علقه على وطئها ما دام شيء من العصمة المعلق فيها ( لا ) يلزمه شيء ( في ) وطء ( أم ولد سابقة في ) حلفه لزوجته ( لا أتسرى ) .

عب فيه أمران أحدهما أنه لا مفهوم لأم ولد إذ السرية كذلك ، فيلزم في اللاحقة منهما لا في السابقة منهما على قول سحنون الذي مشى عليه المصنف . الثاني أنه ضعيف والمذهب قول ابن القاسم أنه يلزم في السابقة منهما واللاحقة لأن التسري الوطء ، فحكم شرطه عدمه حكم شرطه عدم الوطء . وأما إن شرط أن لا يتخذ عليها أم ولد أو سرية فلا يلزم في السابقة منهما ، لأن الاتخاذ التجديد والإحداث .

ابن غازي أما مسألة لا أتسرى فمعروفة ، والذي ذكره فيها قول سحنون ، ونحا إليه ابن لبابة ولم يتابعا عليه . وأما مسألة أن لا يطأ فلم أقف عليها على هذا الوجه لأحد [ ص: 473 ] بعد مطالعة مظان ذلك من النوادر وأسمعة العتبية ونوازل ابن سهل والمتيطية وطرر ابن عات ومختصر ابن عرفة ، والذي قوي في نفسي أن لفظ يطأ مصحف من لفظ يتخذ إذ الياء في أولهما والتاء والخاء قد يلتبسان بالطاء وقرينها ، والذال إذا علقت تلتبس بالألف ، وأن لفظ لزم صوابه لم يلزم فسقط لم وحرف المضارعة ، فصواب الكلام على هذا ولو شرط أن لا يتخذ أم ولد أو سرية لم يلزم في السابقة منهما ، ويكون قوله لا في أم ولد سابقة في أن لا أتسرى إثباتا لأن النفي إذا نفي عاد إثباتا وبهذا يستقيم الكلام ، ويوافق المشهور في المسألتين كما ستراه بحول الله تعالى .

ففي النوادر روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن شرط لزوجته أن كل جارية يتسررها عليها فهي حرة وللرجل أمهات أولاد فيطأهن بعد ذلك فإنهن يعتقن لأن وطئه تسرر وقاله أصبغ وأبو زيد . وقال سحنون لا شيء عليه في أمهات أولاده ، وإنما يلزمه الشرط فيما يستقبل ملكه وأنكر هذه الرواية ، وروى ابن حبيب عن ابن القاسم وأصبغ مثل ما روى يحيى وقال ، وأما لو قال كل جارية أتخذها عليك حرة فلا شيء عليه فيمن عنده قبل الشرط وذلك عليه فيمن يستقبل اتخاذهن ، قال : وسواء علمت من عنده أو لم تعلم لأن الاتخاذ فعل واحد إذا اتخذ جارية فقد اتخذها وليس عودته لوطئها اتخاذا ، أو العودة إلى المسيس تسررا لأن التسرر الوطء فهو يتكرر ، والاتخاذ كالنكاح يشترط أن لا ينكح عليها فلا شيء عليه فيمن عنده ، وعليه فيمن ينكح من ذي قبل وقاله ابن القاسم وأصبغ ا هـ .

وقد تضمن الفرق بين التسري والاتخاذ وعليه يحوم المصنف ، إلا أنه قدم وأخر . وفي المتيطية زيادة بيان أن الخلاف في الصورتين ولكن تعاكس بينهما المشهور على حسب ما صوبنا في كلام المصنف ، وبنقل ذلك تتم الفائدة ، قال فيمن التزم أن لا يتسرى اختلف إذا كانت له سرية قبل النكاح هل له أن يطأها أم لا فذهبت طائفة إلى أن له وطأها ، وذهبت طائفة أخرى إلى أنه ليس له وطؤها ، فوجه الأول أنه إنما التزم أن لا يتخذ سرية فيما يستقبل . ووجه الثاني وهو الأظهر أن معنى لا يتسرر لا يمس سرره سرر [ ص: 474 ] أمة فيما يستقبل ، فهذا إن وطئها فقد مس سرره سررها إلا أن يشترط التي في ملكه قبل تاريخ النكاح .

ثم قال في الذي التزم أن لا يتسرى أيضا إذا كان له أمهات أولاد تقدم اتخاذه إياهن قبل نكاحه فوطئهن بعد ذلك فاختلف ، هل يلزمه الشرط أم لا ، فروى يحيى عن ابن القاسم في العتبية أنه يلزمه الشرط لأن التسرر هو الوطء ولأن التي اشترط أن لا يتسرى معها إنما أرادت أن لا يمس معها غيرها وقاله أبو زيد وأصبغ . وقال سحنون لا شيء عليه في أمهات أولاده . قال ابن لبابة قول سحنون جيد ، وقال بعض الموثقين قول ابن القاسم أصح عند أهل النظر ، وقاله أبو إبراهيم واختاره ابن زرب ولم ير قول سحنون شيئا وبه قال ابن سهل ، قال فضل وهذا بخلاف شرطه أن لا يتخذ أم ولد إذا هو لم يقل ولا يتسرى ثم تظهر له أم ولد قديمة من قبل عقد النكاح فإنها كالزوجة القديمة في هذا إلا قيام للزوجة عليه بوطئها ، ولا حجة لها في منعه ، وإنما لها ذلك فيما يتخذه من أمهات الأولاد بعد عقد نكاحها ، ونزلت هذه المسألة فأفتى فيها الباجي بهذا ، ويحتمل أن يلزمه الشرط فيها وإن كانت قديمة .

ابن عرفة وهذا هو الآتي على تعليل ابن القاسم بأن القصد بالشرط أن لا يجمع معها غيرها ، فإن قلت نوع المصنف الاتخاذ إلى اتخاذ أم ولد وسرية على ما صوبت ولم يتكلم في التسري إلا على أم الولد السابقة عكس ما نقلت عن المتيطية . قلت لعل المصنف رأى أن الأمر فيهما واحد ، وإنما القصد التفريق بين الاتخاذ والتسري ، فظهر أن لا يتسرى أشد من لا يتخذ لتعاكس المشهور فيهما . وأما لا يطأ فهو أشد من لا يتسرى باعتبار ما فقد ، قال ابن نافع إنما التسرر عندنا الاتخاذ وليس الوطء ، فإن وطئ جارية لا يريد اتخاذها للولد فلا شيء عليه إلا أن يكون الشرط إن وطئ جارية فيلزمه ، ونحوه روى علي بن زيادة وأنكره المدنيون .

طخيخي فيما زعمه " غ " نظر ، فإن ما نقله دليل لصحة كلام المصنف ، فإن حاصل ما نقله عن ابن القاسم وسحنون أنهما لم يختلفا في أنه يلزمه الشرط في السابقة من أم ولد [ ص: 475 ] أو سرية في لا أطؤكما قال المصنف ، وإنما اختلفا في لا أتسرى ، فحمله ابن القاسم على الوطء فألزمه في السابقة ، وحمله سحنون على الاتخاذ فلم يلزمه في السابقة ، وعلى هذا مشى المصنف .

فإن قلت الاتفاق الذي ذكرته يعارضه قول المصنف على الأصح . قلت يمكن أن المصنف اطلع على قول لغيرهما على أن هذا وارد على " غ " أيضا . واعترض الحط على " غ " بأنه في آخر كلامه نقل عن ابن عات أن الوطء أشد من التسري فهو أولى باللزوم في السابقة .

وحاصل المسألة أنه إن شرط أن لا يطأ أو لا يتسرى وخالف لزمه في السابقة باتفاق ابن القاسم وسحنون في لا يطأ ، وعلى قول ابن القاسم فقط وهو المشهور في لا يتسرى ، وأحرى في اللاحقة فيهما وإن شرط أن لا يتخذ لزمه في اللاحقة دون السابقة باتفاق ، فالمسألة على طرفين وهما لا يطأ ولا يتخذ ، وواسطة وهي لا يتسرى . قال ابن القاسم : هي كلا يطأ ، وقال : سحنون كلا يتخذ ، وقد نظم فقيل :

وطء تسر مطلقا قد لزما كلاحق مع اتخاذ علما تلخيصه لزوم كل ما عدا
من سبقت مع اتخاذ وجدا






الخدمات العلمية